آخر تحديث :الاربعاء 08 يناير 2025 - الساعة:21:31:34
كنت بقطر في رمضان!
د. قاسم المحبشي

الاربعاء 00 يناير 0000 - الساعة:00:00:00

(نادراً ما فهمتوني ونادراً ما فهمتكم أما حينما نسقط كلنا في الوحل حيئذا فقط يمكن أن نتفاهم)
شاءت لي الاقدار أن اقضي شهر رمضان الماضي في دوحة قطر هذا المدينة الساحلية الجميلة الصغيرة الحجم الغنية حد البذخ هناك تعرفت على الدوحة من داخلها رغم الغموض الشديد الذي يحيط بها بما يعجز الزائر الغريب عن فهم شفرتها، على مدى ستة أشهر قضيتها هناك بين الأهل والخلان شهدت مدينة هادئة تعج بالأمن والأمان بما لم أجده في أي مكان في البلدان التي زرتها فضلا عن النظام الصارم في حركة السير والأسواق والمؤسسات، سنحت لي الفرصة بزيارة جامعة قطر وكلية المجتمع والمدينة الجامعية الأمريكية والمركز العربي للأبحاث والدراسات ومعهد الدوحة للدراسات العليا والمدينة الثقافية ومهرجان كتارا لجائزة الرواية العربية والمساجد المنتشرة في كل الأحياء بما فيها التحفة المعمارية مسجد محمد بن عبدالوهاب وهو أكبرها في وسط الدوحة وسوق واقف الشعبي المزدحم بالزوار من كل الاجناس والثقافات والأديان وحديقة الحيونات في الخور وسوق فيلاجو السياحي المغلق المثير للدهشة والمنتزهات الرياضية والسياحية العامرة بالاشجار والخضرة ومنتجع الؤلوة الساحر والمتحف الإسلامي على الكورنيش وحدائق الأطفال المنتشرة في كل مكان وزّرت الابراج العالية ومنها برج الشعلة الرياضي تجولت في قلب الدوحة سيرًا على الأقدام، ودخلت المسارح الفنية ودور السينماء الفخمة في سوق واقف الأثري السياحي وفي المولات الباذخة بكل ما لذ وطاب من البضائع والفعاليات!هناك حضرت العديد من الفعاليات الثقافية والأمسيات الأهلية، ومارست الرياضة في نادي الغرافة الرياضي القريب من مكان اقامتي ومارست السباحة في المسبح الأولمبي الجامعي من أجمل المسابح التي زرتها من حيث جودة الخدمات والامان الصحي. وزّرت شواطىئ الدوحة المرتبة وسبحت في بحرها ولكنها والحق يقال لا تشبه شواطئ عدن أبدا غير أنها أفضل من شواطئ جده من حيث الترتيب في الدوحة وجدت مدينة أليفة لا تشعرك بالغربة والاغتراب، القطريون بوجه عام عشريون ومستامحون مع غيرهم من الأجانب رغم ندرة وجودهم وظهورهم في الفضاء العام، بحكم عددهم الضئيل بين السكان ما لفت نظري أن المنازل والقصور في قطر تظل مفتوحة الأبواب على مدار ساعات الليل والنهار بما يدل على الشعور الراسخ بالأمن والأمان الجميل، في مدة اقامتي في الدوحة لم اضطر الى حمل جواز سفري في جيبي كما هو الحال في المملكة التي يعيش فيها المقيم في حالة خوف دائم من الشرطة ، في الدوحة رأيت سيدات وفتيات أجنبيات وعربيات يمارسن رياضة السير على الأقدام في الشارع العام حتى بعد منتصف الليل بأمان ! 
وجدت قطر كما كانت عدن في سبعينيات القرن الماضي من حيث الانفتاح على مظاهر الحياة الحديثة أما التطرّف والتزمت الديني فلم المس أثره في الحياة العامة للقطريين الكرام ! 
وربما كان أهم ما لفت نظري وآثار اعجابي بقطر 
هو مقبرة الدوحة الجيرية الصخرية ومراسيم دفن الميتين إذ علمت أن هذه المقبرة تضم رفات كل من يتوفاهم الله في قطر من المواطنيين الأصليين والمقيمين والزائرين دون إي تمييز يذكر لا في مراسيم الدفن ولا في مكانه إذ يجب على من لديهم ميت ابلاغ استعلامات وزارة البلدية والبيئة فور حدوث الوفاة وهي تسارع باخذه الى مستشفى حمد للتأكد من حالة الوفاة وأسبابها وتتكفل بكل شيء بعد ذلك بما في ذلك تجهيز قاعة العزاء وخدماتها لمدة ثلاث أيام دون أن يدفع أهل الميت ريالاً واحداً، ويتم كل ذلك في وقت قياسي! وهذه ربما كانت ميزة إنسانية تتميز بها قطر عن سائر البلدان في العالم العربي والإسلامي .
في أحد الليالي الرمضانية المباركة تشرفت بدعوة كريمة من الدكتور العزيز محمد المسفر لتناول وجبة الافطار في منزله الأنيق بالدفنة كنت بصحبة الاعزاء أبو علا وأبو إبراهيم وأبو حسين أصدقاء الاستاذ المسفر، تجاذبنا اطراف الحديث في الأمور والاحوال الشخصية وعرجنا على السياسة وعواصفها العربية وطلب مني الدكتور محمد المسفر استضافتي في المركز العربي للأبحاث والدراسات الذي يرأسه عزمي بشارة للحديث حول أخر تطورات الأزمة اليمنية في اليوم التالي، في فعالية يعقدها المركز أسبوعياً بعنوان : (تقييم حالة ) إعددت افكاري على عجلة من أمري لم أنم ليلتها في سبيل تقديم مقاربة ممكنة للمشهد اليمني الشديد الغموض والاضطراب لاسيما في قطر بالذات التي لديها صورة مشوشة ومغلوطة عن ما يحدث في اليمن وفِي الجنوب بالذات منذ مدة طويلة من الزمن ، ذهبت الى المركز في تمام الساعة الثامنة بحسب الموعد والتقيت هناك الدكتور مروان قبلان سوري الجنسية مدير إدارة الشؤون السياسية في المركز الذي رحب بي وقدمني للحضور الكريم في الجلسة؛ نخبة من الباحثين والباحثات العرب في المركز لايزيد عددهم عن ١٢ باحثاً وباحثة ليس بينهم أحد من القطريين غير الدكتور محمد المسفر استاذ العلوم السياسية في جامعة قطر ومستشار الأمير تميم . 
في مستهل الجلسة عرضت لهم لمحة عامة عن الأزمة والحرب والعاصفة وحاولت اغتنام الفرصة لتوضيح التصورات المغلوطة عن الجنوب والمقاومة الجنوبية. بعدها فتح باب الأسئلة والنقاش للحاضرين ، حيث كان التركيز على أن الجنوب مشروعاً إيرانياً وأن المقاومة الجنوبية مدعومة من إيران بينما المقاومة الشعبية في الشمال اليمني هي من يدافع عن الوحدة اليمنية ضد الهيمنةالإيرانية؟! قلت لهم هذه الصورة التي لديكم عن حقيقة ما يحدث في اليمن مدمرة وكارثية ومعكوسة تماماً، ومن المهم أن تفهموا الحقيقية بتجرد وموضوعية بعيدا عن الشهوات الأيديولوجية الضيقة. الجنوب والمقاومة الجنوبية هي وحدها من تمكنت في التصدي للقوى الانقلابية وهزمت المشروع الإيراني في جنوب الجزيرة ولم تسجل الحرب حالة واحدة قاتل فيها الجنوبيون مع المليشيات الحوثية بينما معظم المقاتلين مع المشروع الحوثي هم من المحافظات الشمالية التي تراهنون عليها. ولو أن الجنوب مع إيران كما تزعمون لكان أنتهت الحرب في اليمن في بضعة أيام . سألني الدكتور محمد المسفر عن دور الامارات في عدن وحضرموت وقلت له يا استاذ الامارات في التحالف العربي مثلها مثل قطر وتمارس واجبها في إطار دعم الشرعية اليمنية وننتظر بركات دولة قطر في تنمية وتعمير ما دمرته الحرب ونحن نعتقد أن دول مجلس التعاون الخليجي تعمل في اليمن باستراتيجية موحدة وأنتم أعلم بها ونعتبر الامارات العربية المتحدة جزء من مجلس التعاون الخليجي الذي يفترض أن يكون كياناً متجانساً بالضرورة . كان الرهان حينها على علي محسن الذي شبهه الدكتور محمد المسفر بالصحابي الجليل خالد ابن الوليد وأنه بعد تعيننه نائبا للرئيس سوف يقلب موازيين الحرب والقوة في اليمن قلت لهم هذا رهان خاسر وستكشف الأيام الحقائق لكل من كان جاهلاً أو يتجاهل . على كل حال دار نقاش طويل ولكنني شعرت بان كلامي لم يقنع المركز لهذا تم حجبه من النشر حينها وفِي نهاية الجلسة سلمت الدكتور محمد المسفر دراستي المقدمة لمركز الشرق في دبي عن الأزمة اليمنية بعنوان : رؤية اليمن من داخل النفق وفِي أوسع الأفق.
في الختام يمكن القول أنني لاحظت انفصام شديد بين السياسة والمجتمع المدني في قطر، السياسة الخارجية في واد والمجتمع القطر الطيب في وادٍ أخر وعلى مدى اقامتي في الدوحة لم أتمكن من نشر مقال واحد في الصحف القطرية الكثيرة رغم أنني ارسلت لها عدة مقالات ليست سياسية وذلك بسبب كوني من عدن ومن الحراك الجنوبي كما أخبرني أحد الأصدقاء الاعزاء بحسب رد رئيس تحرير أحد الصحف القطرية التي تنشر كل سقطات اللسان لتؤكل كرمان وبعض عيال الاخوان أما القنوات الفضائية القطرية فندونها خرط القتاد بالنسبة لنا! وهكذا بات الحال والمآل؛ قطر مدينة مغلقة للإخوان ومن ناصرهم من شياطين الأنس والجان! وكلما نتمناه لقطر الحانية أن تعدّل الميزان وتعود الى جادة الحق والصواب بخير وسلام !
مع خالص الشكر والامتنان للأصدقاء الاعزاء الكرام في قطر الكريمة على كرم الضيافة وحفاوة الاستقبال والخلاف في الرأي لايفسد للود قضية !

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص