آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:19:45:15
الشعبُ عدو نفسه
جمال كرمدي

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

يُذكرني اليوم هذا الاصطفاف الشعبي ،بسخافات الأيام الستة المجيدة التي حدثت في بداية السبعينات من القرن الماضي عندما خرج الشعب في جنوب اليمن بمسيرات جماهيرية حاشدة يطالب فيها بتخفيض الراتب في الوقت الذي كان فيه هذا الشعب نفسه يعاني من الفقر والجوع والحاجة الماسة إلى أبسط مقومات الحياة المعيشية إذ كان متوسط دخل الفرد وقتذاك 300 شلن وقصعة   لا نجوس أي ما يعادل (40 دولار شهرياً )لا تكفيه لتلبية احتياجاته الضرورية طوال الشهر ولا توفر له حياة معيشية مستقرة وآمنة.

رغم كل ذلك للأسف خرج إلى الشارع وعلى مدى ستة أيام متتالية ينادي بأعلى صوته (واجب علينا واجب تخفيض الراتب واجب).. شعبٌ  يطالب بتخفيض راتبه وتجويع نفسه أيُّ شعبٍ هذا (هزلت).

كذلك اليوم .. بالرغم من أن الشعب في اليمن يعيش أوضاعاً كارثية لا تحمد عقباها.. فقد أوصلت البلاد والعباد إلى طريق مظلم ومجهول لا يعلم به إلا الله.. ورغم أنّ هذا الشعب المكابد والصابر بكل مكوناته وأطيافه وشرائحه المجتمعية، بلاؤهم واحد وهمهم واحد ومعاناتهم واحدة ويدركون أنّ مصيبتهم الكبرى تكمن في فساد السلطة التي تعبث بكل مقدراته وخيراته وثرواته، وجعلته شعبا فقيراً ومُعدماً مسلوب الإرادة لا حول له ولا قوة .. غلاء فاحش مقابل رواتب ومعاشات حقيرة جرعات قاتلة أشبه بتلك الجرعات الكيماوية التي تعطى للشّخص المصاب بالسرطان.

رغم كل هذه المعاناة للأسف يخرج هذا الشعب في مظاهرات عجيبة وغريبة من أجل تجويع نفسه وتثبيت الجُرعة السعرية الأخيرة التي قصمت ظهره، ويقف بسخفٍ واعتباط في تظاهراته المؤيدة والداعمة لمن كانوا سبباً في بؤسه وشقائه وحرمانه من حقه في الاستمتاع بنفطه وغازه وكل ثرواته.. أيُّ شعبٍ هذا تستخفُّ بعقله هذه الحكومة الفاسدة والفاشلة الغير رشيدة وتخرجه إلى الشارع باسم الاصطفاف الوطني، بينما هي أول من شقّت الصف الوطني ومزّقت وحدته حتى أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.. فهل هذا هو الاصطفاف أم أنه مجرد استخفاف؟ وضد من خرج هذا الشعب البائس؟..ضد نفسه.. ضد رفع المعاناة عن كاهله.. فعلاً إن التاريخ يكرر نفسه يعيد لنا نفس الواقعة الاعتباطية التي حدثت قبل أربعين عاماً ويا للعجب.

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص