آخر تحديث :الخميس 11 يوليو 2024 - الساعة:16:11:29
القوة الحقيقية .. وميثاق منسقية طلاب جامعة عدن
د. بليغ صالح اليزيد

الخميس 00 يوليو 0000 - الساعة:00:00:00

كنت مقتنعاً لفترة طويلة مضت أن "الجوراسيين" لم يشكلوا؛ ولن يشكلوا أبدا جزءا من الحل لمشكلة الشعب الجنوبي, ولا تزال هذه قناعتي حتى اليوم, ولطالما سألني الكثيرون من الإخوة ممن ألقاهم هنا في العاصمة  (عدن)، أو ممن نتجاذب معهم أطراف الحديث في مواقع التواصل الاجتماعي في الداخل والخارج, أين الحل، وما هو البديل لهذه العقلية التي ترى في جهود الشعب مجالا للاستثمار السياسي الشخصي, تلك العقلية التي أفسدت علينا الثورة الجنوبية بتصرفاتها وتصرفات من تواليه لتفشلها.. تلك العقلية التي ترى أنها الجنوب، وأن الجنوب هي.. تلك العقلية التي تكرس الخلاف بين الشعب المناضل الموحد بمشاعره، وأهدافه وتطلعاته إلى مستقبل أكثر اشراقا وخيرا لأجل أن تبقى هي صاحبة الحل.. تلك العقلية التي رفضها العالم لأنه يرى نتائج قرارتها حتى اليوم.. تلك العقلية التي أخرجتنا ماركسيتها من بعدنا العربي والإسلامي .. تلك العقلية التي تجعل خصوماتها الشخصية أغلى من وطن ضائع وشعب منهك ودماء زكية سفكت، وجروح لا تزال تفتح كل يوم.. تلك العقلية التي ترفض حتى الآن أن تطبق مبدأ التصالح والتسامح لسبب بسيط أنها تراه ضد عقليتها.. تلك العقلية التي توجه الجنوب ضد نفسه وبعيدا عن مصالحه الحقيقية بشعارات واهية لا حقيقة لها على الواقع بدل أن توجهه إلى مصالحه.. تلك العقلية التي أجبرتنا على عقد المؤتمر تلو المؤتمر لنجد لها بديلا, فنجدها - ويا للسخرية - تشاركنا لتبقي نفسها بلا بديل, لا لشيء إلا لتبقى تلك العقلية التي بدل أن تسخر ما تملكه من أدوات وقدرات في خارج الوطن وداخله لبناء علاقات إقليمية ودولية تضمن لهذا الشعب البطل المتحمل قساوة الحياة، وغلاءها وهمومها وضياع مستقبل أبنائها دعما إعلاميا وسياسيا وماليا لتوصل الشعب إلى هدفه المنشود.. تراها تسخرها للعبث بمصير الشعب ووحدته بالقيل والقال.

لا يخفى على الكثيرين ما يحصل في وطننا الجنوبي الغالي من صعوبات وعوائق, ولا يخفى عليكم وقوعنا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة, وما يعنيه هذا الميثاق من إنهاء دولة الجمهورية اليمنية وبناء وضع سياسي جديد لا رابط له مع الماضي، لا في الجنوب ولا في الشمال, كما لا يخفى عليكم سعي بعض الخيرين من أبناء وطننا الجنوبي لعقد مؤتمر جامع لمكونات سياسية هشة هلامية كلها يدعي الشعبية الأكبر, مكونات تتبع في النهاية ذلك الديناصور، أو ذاك الوثن من عقلية الماضي التي أجرمت بحق الشعب وشردت أبناءه، ثم أتمت صنيعها فسلمت أعناقنا إلى يد الجلاد وانسلت مبتعدة, وها هم يعيدون الكرة!!

أضف لذلك كله؛ ما يحصل من أحداث إقليمية ودولية في مصر وسوريا والقرم, لتحصل على صورة واضحة لإعادة تقسيم العالم وفق مصالح الكبار, إعادة تقسيم برعاية العالم أجمع, ذلك العالم نفسه الذي اختار أن يكون رجل المرحلة (هادي), نعم ذلك الرجل الذي كان على الدبابة في العام 94, هو الرجل نفسه الذي كان نائبا للمنتهية ولايته "على عبدالله صالح", هو نفسه من زار كلية الطب في خورمكسر يوماً وعرج على المكتبة ليحادث بعض الطلاب مارا بجانبي، ولم أعره أي انتباه يومها إذا كنت أنظر إليه نظرة مختلفة عما هي اليوم.

إن المقاربة الجنوبية العقلانية الوطنية والأخلاقية  لقضيتنا الوطنية والسبيل إلى إعادة أرضنا المحتلة وسيادتنا عليها, يلزمنا أن نقرأ المشهد من جانب القوة وعليه من مراكزها, يلزمنا أن نفكر مليا وبهدوء بعيدا عن مشاعر التعبئة التي يبثها "الجوراسيون" ليل نهار من أجل أن يبعدوا أعيننا عن الحقيقة, بعيدا عن مشاعرنا التي عبث بها لتتجه إلى أنفسنا بدل أن تتجه إلى عدونا, بعيدا عن ذلك الجو المأزوم برائحة الغلو في الأشخاص, إلى حقائق قائمة على الأرض, إلى واقع ما يحصل الآن, إلى تفاصيل من سيرعى الدولة الجديدة , إلى حقيقة حاجتنا إلى تطبيق مطالبتنا المستمرة لـ "الجوراسيين" بتجاوز مشاكلهم الشخصية من أجل الوطن, وتطبيقها على أنفسنا أولا ففاقد الشيء - إخوتي - لا يعطيه.

إن ما قام به طلاب منسقية جامعة عدن من عمل رائع في إعلان ميثاق شرفهم الجامعي أعطى لقناعاتي السابقة القوة التي تلزمه, إذ أثبت هؤلاء الشباب الجامعيون أنهم يحملون فكرا جديدا وعقلية جديدة تستوعب الماضي ومآسيه.. عقلية تعي ما يحصل محليا وإقليميا ودوليا.. عقلية تعي أن مصالح شعبها ليس في الاختلاف من أجل أوثان انتهى تاريخها الافتراضي منذ دهر مضى.. عقلية تعي أن الواقع يحتاج إلى قوة لتغيره.. عقلية تلتمس معاناة الشعب الجنوبي لتنطلق إلى تحقيق آماله.. عقلية تعي أن هذا العالم يعيش الآن ضمن نظام عالمي جديد نحن جزء منه, جزء يتأثر ويؤثر فيه.. عقلية تعي أن هذا عصر التكنولوجيا والعلم .. عقلية على صغر سنها ترى أن الجديد هو الحل.. عقلية تعرف تمام المعرفة أن من الغباء أن تجرب المجرب .. عقلية ترى طبيعة علاقتها مع الآخرين تنطلق من مصالح الوطن وأبنائه.. عقلية ترى أن مستقبل الوطن وأجياله القادمة يقع في خياراتنا العقلانية التي تنطلق من قيمنا الإسلامية والعربية دون أن تتصادم مع العالم .. عقلية ترونها في نصوص مواد ميثاقهم القائم على وعي إسلامي عربي وطني عقلاني وشاب.

إن هؤلاء الفتية الرائعين بحق  عبروا بوضوح أنهم لن يقبلوا أبدا أن تدار ثورة شعبهم بعقلية الدولة ومؤتمرات المكونات الوهمية الهلامية الواهمة, كما لن يقبلوا أن تدار دولتهم القادمة بعقلية الثورة لتجعل إراقة الدماء والعبث بمصالح الشعب واقتصاده ومستقبل أبنائه أمرا مقننا, وأرسلوا رسالة واضحة للجميع أن معيارهم و ما يهمهم هو الوطن, ما يهمهم هو أن يعيش الشعب الجنوبي وأجياله القادمة حياة رغيدة مستقرة .. حياة بعيدة عن عقلية الماضي البائسة .. حياة فيها يتمتع كل أبناء الشعب الجنوبي بنفس المستوى من الحقوق والواجبات.

وأرسوا قاعدة رائعة معروفة "في الوطن لا تعالي ولا اختلاف ".. في الوطن ابحث عن القوة.. في الوطن استمد القوة ممن تقف القوة وراءه؛ ليفتحوا بابا واسعا للكل, لمن في عدن ولمن في صنعاء لكل من يملك قوة حقيقة فهل ستصل رسالتهم, أم أن موانع ستمنع الرسالة؟ ويبقى الحل كالسهل الممتنع!!

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص