آخر تحديث :الجمعة 26 ابريل 2024 - الساعة:11:22:03
ليتهم يصمتون
جلال عبده محسن

الجمعة 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

"اليمن لم تشهد دولة مدنية منذ قيام ثورتي سبتمبر وأكتوبر قبل نصف قرن من الزمان". هذا القول على حقيقته ليس مستغربا، إذ لا يختلف اثنان على ذلك، إنما وجه الاستغراب أن يأتي مثل هذا القول من قائله وفي مثل هذه المرحلة المتأخرة ومن احد صانعي القرارات السياسية، بل واحد صانعي السياسات والاستراتيجيات لتسيير شؤون الدولة خلال العقود الماضية والتي لازلنا نعاني من تبعاتها حتى اللحظة، وكان جزء من المشكلة ولا يزال يفرض نفسه ليكون جزء من الحل لصنع ملامح المستقبل، والأمر نفسه ينطبق على بعض الشخصيات ممن دخلوا في سبات منذ ما بعد إعلان الوحدة، ونكاد لا نسمع عنهم أي شيء عدى رؤيتهم عبر شاشات التلفزة بين الحين والأخر وهم كالأجساد المتخشبة، بينما هم في مواقع يفترض بها رسم السياسات والاستراتيجيات، نراهم اليوم  يطلون برؤوسهم و قد نطقت ألسنتهم حول رؤيتهم للدولة المدنية الحديثة المنشودة. هذا المشهد يذكرني بتلك اللوحة لأحد الرسامين الأسبان التي ظلت معروضة بأحد المتاحف الاسبانية واسمها "كأس وجرة" وهي بشكل معكوس رأسا على عقب وظلت على حالها لمدة أكثر من شهر بينما كان الجميع ممن كانوا يزورون ذلك المعرض ينظرون إلى تلك اللوحة ذات الطراز التكعيبي بنوع من الإعجاب على الرغم من وضعها المعكوس إلى أن صرخ احدهم: يا للفضيحة كيف وضعوا هذه اللوحة على نحو معكوس تماما، فهرع الناس من كل جانب من جوانب المتحف وراحوا يلومون جهلهم أولا إذ كانوا قد مروا بها وأمعنوا النظر فيها فأثارت إعجابهم على الرغم من وضعها المقلوب. هذه الفضيحة كانت كافية في قيام مدير المتحف وفور سماعه الخبر بأن يسارع في وضع اللوحة على النحو الصحيح، ولكن بعد أكثر من شهر على عرضها وبعد أن تناقلته وكالات الأنباء، فأثارت فضيحة في أسبانيا مع انه خطأ غير مقصود، وبالرغم من إن الصورة كانت معقدة وبحاجة إلى نظرة خاصة لاكتشاف الخطأ إلا  إنها وجدت من له تلك القدرات ويطلق صيحته التي أعادت لها وضعها الصحيح . بينما نحن كانت تمر من أمام الجميع مشاهد وصور كثيرة ومتعددة ولعقود من الزمن وهي ليست بحاجة إلى مشقة للامعان فيها لنكتشف حالها المعكوس، ومع ذلك فقد اثر البعض الصمت حيالها ولم يصدروا ولو همهمة حيالها، بينما انبرى البعض الأخر للدفاع عنها والتبرير لها مع علمه بأنها ليست كذلك، وظلوا عبر التنظير الزائف والتبرير المتهافت والمنطق الأعوج وهم يتحدثون عن المشاريع العملاقة والنهضة الحديثة ليكتشفوا اليوم ومع تغير الظرف والمناسبة بان المشهد العام للدولة ليس على حقيقته وبأنه وهم لا يوجد إلا  في مخيلتهم وقد كانوا عاجزين عن رؤية ابسط الحقائق ليضعوا لأنفسهم موطئ قدم في هذا الحراك الذي نحن فيه اليوم، وقد كانوا سببا في تعاسة حياة الناس وفي تشويه كل ما هو جميل وحقيقي وفاضل، وإننا لازلنا نعيش في دولة لا تمت بالدولة المدنية بصلة وتبدوا للجميع بأنها هشة وآيلة للسقوط، متخمة بالفساد والنهب لخيراتها ومقدراتها، بينما اقتصادها قائم على مقعد من خشب، نمد أيدينا للغير نستجدي هباتهم وعطاياهم، وقد كان حريا بأولئك أن يصمتوا اليوم لعل في صمتهم نسيان من ذاكرة الناس، وإتاحة الفرصة للكفاءات والقدرات الشابة التي تعي معنى التجديد والتغيير بعقول صافية وضمائر نقية، وان يعلموا بأن المرحلة قد تجاوزتهم وان القطار قد فاتهم ولا يسمح لهم بأن يظلوا كجزء من المستقبل وقد كانوا كل الماضي .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص