آخر تحديث :السبت 08 فبراير 2025 - الساعة:16:44:05
عدن .. صفاء الأيام زمان، وتسويق الوهم اليوم
عبدالله ناصر العولقي

السبت 07 فبراير 2021 - الساعة:18:36:06

لا شك أن الزمن الجميل مضى وفقدنا الكثير من حسناته، حيث كانت الحياة في عدن في القرن الماضي تتسم بالبساطة ويلفها الهدوء والدعة، وكانت الأبتسامة تنطق نوراً وصفاءً، فهي حقا قد مثّلت صدقةً، كما كانت الضحكة لا تصدر نغماتها إلا من أعماق النفس ولب الفؤاد وهي بالفعل كانت تكسو الأعصاب بالراحة وتمسح جُل الهموم.

كذلك كان التواضع سمة عامة في نفوس جميع الناس، والصدق كان عنوانهم، كما كان للوقت احترامه، حيث كانت غالبية الأسر تضع في بيوتها ساعة على مقدمة سطح خزانة الملابس، وذلك لقراءة الوقت، فترى دورة عقرب الساعة على وجه صحنها يسير ببطءً شديدا، ليبلغ نقطة النهاية والتي تعني إنقضاء ساعة كاملة، لذا كان يسودنا شعور بأن اليوم وقته طويل وقد مضى بتأنٍ، بعد أن منحنا قسطنا الكامل من الراحة والنوم، وأعطى حصتنا الوافية التي منحناها للعمل أو للدراسة، وافسح لنا مساحة زمنية شكبيرة لوقت الفراغ، وبذلك يكون قد ضَمن عدم حدوث تداخُل بين فتراته المحددة في حياتنا اليومية، فلا يُسمح لفسحة وقت الفراغ أو حصة العمل، باختلاس ساعة أو أكثر من قسط النوم والراحة، وإنما يمضي زمن كل حصة وقسط في حلقة منفصلة عن الأخرى، وتتوالى الأيام على نفس المنوال.

ولا ريب أن رحلة العام كانت تبحر بنا بتؤدة وتقلب صفحات أيامنا بتمهل وبدون تكلف وسط أمواج الحياة السهلة والمتناغمة، فتمضي بنا قاطعةً الأسبوع فالشهر ثم تكمل رحلتها بنهاية العام، وحينها تكون قد انفرطت خرزة من عقد العمر، ولكن لم يرافقها شعور بسرعة مرور العام، بل يكتنفنا إحساس بمرور أيام مداها طويل عشناها بالكامل، مع رحلة ذلك العام، لذا كان تقدمنا في السن آنذاك يمضي ببطء، ولم يكن سريعا وخاطفا كما هو حالنا اليوم.

ولكن عند النظر في الزمن الحالي نشهد تغيّرا قد طال مختلف أنماط حياتنا، فنبصر تلك الأبتسامة وقد صارت مجرد رسمة على الوجه ينقشها الفم، والضحكة وقد أضحت صوت يدوي ولا يزيل الهم، ويرجع مرد التغيّر الذي طرأ على جميع جوانب حياتنا، فغدت قاسية فضلاً عن غلظة عقدها الكثيرة، ولعدم قابليتنا على تحمل صعابها وحل عقدها، زاد تعلقنا بالآمال، ولكن خاب الكثير من آمالنا، ففقدنا الأمان الداخلي، وانجرفنا للعيش في أحلام اليقظة هروبا من واقعنا المر، فانعكس كل ذلك بظلاله السلبية على الوقت، حيث داهمنا شعور بسرعة مروره، فالساعة تمضي سريعا، واليوم لم تعد حلقاته منفصلة بل تشابكت وقضمت بعضا منها جزء من حصة البعض الآخر، وبالذات من قسط النوم والراحة، ورحلة العام لم تعد كما عهدناها بل انطلقت مسرعة كالسهم الضال لتصل إلى خط النهاية دون إدراك الهدف، لذا شعرنا بسرعة انطواء العام، الذي خطف سنة من سنوات عمرنا، وكأنه غالطنا في الحساب كي يمضي بنا العمر سريعا.

ولكن، وفي الحقيقة مدة السنة هي نفسها في الزمن الجميل وفي وقتنا الحاضر فهي ثابتة، وذلك لو قسناها بالزمن المثالي الذي يُحسب مروره بالثانية والدقيقة والساعة.

فلا غرو إذا غشانا نوم زائف لا يريح الجسد، ولا يمحو قتمة الوضع، فهو عبارة عن حلم يقظة، ومثل ذلك الحلم لا ينبع من داخلنا بمحض الصدفة، بل ربما رفدتنا به التقنية الجديدة والتي تحمل رسائل كاذبة تصلنا عبر منصات التواصل الاجتماعي، هدفها زرع الوهم وتزوير الواقع.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص