آخر تحديث :الجمعة 22 نوفمبر 2024 - الساعة:23:31:26
بين اليدومي والعامري الإرهاب يتجدد
صلاح السقلدي

السبت 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

حين دخلتْ حركة (أنصار الله) الحوثية صنعاء في سبتمبر 2014م وسيطرت عليها بالكامل بعد إزاحة حزب الإصلاح وجماعة الرئيس هادي وحكومته, كان حزب الإصلاح حينها يصـوّر الصراع مع الحوثيين على انه صراعا بين الجمهوريين والملكيين, وأن هذه الحركة أتت لاستعادة حكم الملَـكية والقضاء على النظام الجمهوري. وهو تخوف منطقي  الى حدٍ ما بحكم أن هذه الحركة هي الامتداد  الفكر والسياق السياسي للحكم الإمامة الذي ظل يحكم  اليمن  حتى 62 م مع أنها- أي حركة الحوثي- اليوم اضحت قريبة سياسيا من شكل النظام الجمهوري, على الأقل هذا ما تعلنه منذ عامين ولم تغيير من معالمه شيئاً.

         كان هذا الخطاب الاصلاحي حينها يجد له صدىٍ عند القوى التي تناصب هذه الحركة  العداء والخصومة, بمن فيها حزب المؤتمر الشعبي العام حزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح, قبل إعلان تحالفه رسميا مع الحركة الحوثية منتصف هذه الحرب تقريبا.

     وبالمقابل كان الخطاب الإعلامي السعودي الرسمي والشعبي يتشفيان بالمصير الذي آلت إليه القيادات الاصلاحية بتلك الصورة الدراماتيكية من تشرد وهزائم وقتل نكالاً لهذا الحزب (الإصلاح ذو الميول الاخوانية )على ما اُعتبر تطاولا على المملكة وتحديا بوجهها ودعما صريحاً منه أي من الاصلاح لحركة الاخوان العالمية  خاصة في فترة غمرة الاحتفالات الاصلاحية الاخوانية بصنعاء وبعدد من المدن اليمنية بفوز الرئيس السابق محمد مرسي بالانتخابات المصرية وفي ذروة احتدام  الصراع بينه وبين مناوئيه بقيادة قائد الجيش حينها عبدالفتاح السيسي والمدعومين بقوة من السعودية التي تمكنت في نهاية المطاف من الاطاحة به والزج به بالسجن, مع أنه رئيسا شرعيا,(( و السعودية بالمناسبة تحارب باليمن لاستعادة رئيس شرعي كما أعلنت ذلك))!!. ومن ثم استدارت أي السعودية وهي مكشرة عن أنيابها بوجه الاصلاح لتقريعه  بقوة وعض الطرف عن تنامي دور خصمه الواثب بقوة من  شماريخ الجبال.

  وحين بدأت عاصفة الحزم في مارس آذار عام 2015م  وتدخلت السعودية بكل ثقلها الى جانب حزب الاصلاح بعد أن رأت الرياض أن  ميزان القوى اليمنية قد أختل أكثر مما كانت تتصوره لمصلحة ذلك الخصم الفكري والمذهبي الصاعد واتساع تواجده جغرافيا, ناهيك عن ظفره بأسلحة ثقيلة بدعم إيراني -بحسب ما تقوله السعودية – وبالتعاون مع قوات الرئيس السابق علي صالح. من حينها وجدَ  حزب الإصلاح أن استمراره بخطاب سياسي يستند على العزف على اوتار الجمهورية والملكية سيجعله في حرج شديد مع شريكه السعودي, والذي لم يكن هذا الحزب ذو الميول الإخواني  يحلم مجرد الحُـلم أن يحظى بهذا التلاقي  مع خصم قوي كالسعودية في  هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها , بعد سنوات من القطيعة والعداوة. فبدلاً من الاستمرار بالخطاب الذي يتكئ على هذه  المعادلة( الجمهورية -الملكية ), والذي يعرف الاصلاح انه  خطاب استفزازي للسعودية بحكم خصوصية وضعها وشكل الحكم فيها(ملَـكية مُـطلقة ترتبط بتوأمة سيامية تاريخية مع المؤسسة الدينية السلفية التقليدية المتشددة) ونفورها  مع كل ما له نفَــس جمهوري وثوري وقومي, فقد عمَدَ  حزب الإصلاح الى  خطاب سياسي, بل وديني يتناغمان مع الرغبة السعودية ويحاكيان هواجسها ويبعثان فيها مزيدا من الاندفاع العسكري نحو صنعاء. وكان هذا الخطاب هو خطابا سياسيا بمسحة دينية وطائفية يخلو من كولسترول القومية والتحررية والثورية, ومن كل ما يصدّع الرؤوس الملَــكية.

       هذا الخطاب- الذي يتمحور على توظيف الدين خدمة للسياسة وخصوصا في حالات استثنائية كحالة هذه الحرب - أعاد الى الاذهان الخطاب الديني لحزب الإصلاح في حرب 94م على الجنوب والذي جيّــش فيها الاصلاح كل طاقاته وحشد كل عناصره  لمواجهة  الطرف الجنوبي والحزب الاشتراكي على وجه الخصوص,والذي اعتبره ذلك الخطاب بأنه حزب  الإلحاد والردة والبغي الذي لا بد من قتاله وقتال كل ملاحدته, وأن أدى ذلك الى قتل المستضعفين من المسلمين الذين يتخذ منهم هؤلاء الملحدين دروعا بشرية-. بحسب فتوى رجل الدين الشهير العلامة (عبدالوهاب الديملي) غداة اندلاع تلك الحرب عام 94م.   

      ومن حينها أي من حين انطلاق عاصفة الحزم وحتى  اليوم شرعت آلة المذهبية وماكنة الطائفية الاصلاحية بإعادة إنتاج مفردات طائفية تدميرية خطيرة, مثل تصوير الحرب اليوم على أنها بين فسطاطين : الاسلام والمشركين ,حرب بين موجوس ومسلمين, بين روافض وسُــنة, وغيرها من المفردات والمصطلحات الخطيرة التي ما يزال يحفل بها الخطاب الحربي للإصلاح –مثله مثل غيره من أحزاب الإسلام السياسي- حتى اللحظة تماشيا مع ما يعتقد انه خطابا يروق للمؤسستين السياسية والدينية بالسعودية ويشفي غليلهما ويدغدغ مكامن صنع القرار هناك.

 الى يوم الخميس 24مارس الجاري  كنتُ -ومع الكثيرون- أعتقد أن حزب الاصلاح  ينتهج هذا الخطاب عن غير قناعة - أو على الأقل من غير قناعة الجناح المعتدل فيه, وأنه فقط ناتجا لضغوط الجناح الديني المتشدد داخله, أو أنه خطاباً اُضطراريا تلبية لرغبة الشريك السعودي أو إعمالاً بالمثل القائل: (ما دمت في أرضهم  فارضهم) .ولكن اعتقادي هذا  تبدد بعد قراءتي للحديث الصحفي الذي أدلى به رئيس  الحزب اللواء\ (العميد محمد اليدومي) لصحيفة سعودية في ذلك اليوم الخميس , وهو أي  اليدومي  يُــعدُّ رمزا للصوت  المدني المعتدل داخل هذا الحزب -أو هكذا ظللنا نعتقد-, بصرف النظر عن خلفيته الاستخباراتية المثيرة للجدل,فقد حمل تصريحه  مفردات طائفية مذهبية صادمة ,صادمة للكثيرين من المراقبين ,كونها أتت هذه المرة من رئيس الحزب نفسه وليس من رجل دين متشدد كما درجت العادة, علماً ان رئيس الحزب السابق  المرحوم الشيخ عبدالله الأحمر وبرغم  محدودية ثقافته مقارنة باليدومي  إلا أنه لم يُـسجّلَ له ذات يوم مثل هكذا تصريح يضرب النسيج الاجتماعي بمقتل, سيما أن الرجلين ينتميان لمنطقة جغرافية  واحدة,هي بالأصل زيدية الفكر والمذهب. فضلا عن أنها المرة الأولى التي ينحدر فيها الرجل (اليدومي) الى هذه الهوة السحيقة من التطرف والنزق السياسي. كان هذا تصريحا  صبَّ مزيدا من النار على الزيت المشتعل اصلاً, وأثار مزيدا من محفزات الاحتقان والفتن والاقتتال المستعرة فعلاً, وكان بحق تصريحا ناسفا للحاضر ومفخخا للمستقبل, ويوفر مبررات القتل على طبق من ذهب لكل إرهابي جاهز, أو مشروع إرهابي قادم. حيث قال بإحدى عباراته :  (أن الحوثيين  قد حولوا كثير من المساجد الى مراقص ارضاءً للمجوسي..).

 في نفس السياق وكأنها نسخة من الآخر ظهر علينا الوزير بحكومة الشرعية الداعية السلفي محمد العامري, وهو بالمناسبة  مستشارا للرئيس هادي ورئيس حزب( أتحاد الرشاد اليمني, وهو الحزب الذي أمين عامه الشيخ عبدالوهاب الحميقاني مطلوب دوليا بتهمة دعم الارهاب ) بتصريح ناري على قناة( العربية الحدث)السعودية, أقل ما يمكن , خصوصا حين يُـصدر من شخص بهذه الصفة, قال فيه بلغة تحريضية واضحة ضد الجنوب:  ( أن الحوثيين وحلفائهم بالجنوب يسعون لفصل اليمن الى دولتين لاستهداف السعودية..).

 وهذا التصريح  الذي ينضح وعاؤه تطرفا, ويترع كأسه كُـرهاً,  يتماهى تماما مع تصريح اليدومي التحريضي ولكن هذه المرة جنوبا. تصريح يكرس لمزيدا من التبرير للقتل والارهاب وليس مجرد زلة لسان كما  بـرّر بعضهم. ثم ألم تقل العرب قديما: (إذا زلَّ عالِـم زلَّ عالَــم)؟.

   ومن نافلة القول  فألشيخ محمد العامري وهو بالمناسبة يحمل شهادة الدكتوراه- ويشغل منصب وزير بحكومة هادي( وزير دولة ورئيس حزب ديني متشدد) وهو بمناسبة الحديث عن الحوثيين هو أحد كبار رجال محافظة البيضاء التي تم فيها مؤخرا التوقيع على اتفاقية سلام بين أحزابها و الحوثيين وصالح لحفظ الأمن والتصدي لتحالف العدوان -كما ورد في وثيقة الاتفاق-, ومن بين هذه الأحزاب حزب الإصلاح عبر رئيس فرعه هناك, وربما حزب العامري نفسه.

ليس الاعتراض هنا على قول العامري بأن في الجنوب مَــن يريد أن ينفصل عن (جمهوريته الافلاطونية), فالأغلبية الساحقة بالجنوب تنشد الانفصال أو بالأصح تنشد استعادة دولته بعد كل هذا العناء والوجع, ولكن الاعتراض هو على سخف وتناقض العامري وغيره من الأصوات المتخبطة مع نفسها, فالعامري يعرف أن القوى الجنوبية التي تريد الانفصال كما سماها هي التي حاربت الحوثيين بالجنوب,وبالتالي فيكف يستقيم القول أن في الجنوب قوى تريد الانفصال بمساعدة حوثية وايرانية؟, ثم من متى ايران دعمت أي توجه جنوبي نحو الانفصال قولاً أو فعلاً؟, ثم وهو الأهم: كيف تكون ايران مع سيطرة الحوثي على اليمن كله وعلى باب المندب كما تقولون وفي نفس الوقت تريد ان تفصل عنه الجنوب؟.(إذا كان المتحدث عامري كان المستمع بعقله).

  مع ضرورة الاشارة  هنا  الى أن الجنوب كله باستثناء الجماعات الدينية المتطرفة لم تقاوم الحوثيين وصالح من منطلق طائفي ولا باعتبارهم مجوس وروافض كما يريد ان يصوره مرضى الطائفية المقيتة, بل قاوم الحوثي وغيره - بمن فيهم الإصلاح -في عام 2015م ومنذ غزة 94م وحتى اللحظة باعتبارهم  جميعا قوى احتلال, أي أن خلاف الجنوب مع الشمال لم يأخذ له أي بُــعد آخر غير البُــعد الوطني والسياسي, وحتى هذا الخلاف ظل محصورا بقوى الهيمنة والنهب والتسلط, أو ما باتت يُـعرف  بالجنوب منذ عام 94م بقوى الاحتلال. حتى وأن سعت بالعامين الماضيين جهات متطرفة جنوبية وبأموال ولأجندة خارجية  الى إخراج الخلاف عن سياقه الحقيقي لكنها هي الأخرى لم تفلح.

     صمت سلطة الشرعية والسعودية على مثل هكذا تحريض علني يتم  للأسف عبر قنواتهم الفضائية ويستهدف الجنوب وقضيته ويحــرّض صراحة على مواطنية سيضاعف القناعة لدى الجنوبيين من أن هؤلاء الحلفاء (المحليين والاقليميين) قد أداروا ظهورهم تماما للجنوب, وأن الجنوب قد وقع فعلاً ضحية خديعة سياسية لقوى من الداخل والخارج قضت منه وطرها. بعد أن اعتقد أن هذا الخارج ( دول الاقليم) هو الصاروخ الحقيقي الذي سينطلق به الى مداره الخارجي, وليس صاروخا من خيط وورق.

  *قفلة: (جيتك تكون ليا عون طلعت عليا فرعون).

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل