آخر تحديث :السبت 14 سبتمبر 2024 - الساعة:10:51:27
انتصارات وتشوهات
صلاح السقلدي

السبت 00 سبتمبر 0000 - الساعة:00:00:00

 - الشيء الذي يبعث عن التفاؤل والبهجة في النفوس أن أجهزة الأمن في بعض محافظات الجنوب وفي عدن تحديدا يسجلون انتصارات رائعة في تعقب الإرهابيين وكشف مخابئهم ومخابئ أسلحتهم ومتفجراتهم ويتعقب بعض الشباب المغرر بهم من الذين عمدوا مؤخرا الى أساليب فوضوية عبثية. فهذا الجهد يستحق أن تُـرفع له القبعة وتؤدى له التحية، وتحشد حوله الجهود والمساندة.

 ولأن الشيء بالشيء يُـذكر، فخليق بنا أن نشير الى هناك ما من شأنه أن يقلل و يبهت من هذه الانتصارات ويقلل من شأنها ومكانتها عند جموع الناس ولا تمت بصلِةٍ لتصرفات مؤسسة مهمة كمؤسسة الأمن في دولة مدنية منتظرة بالجنوب ان تمارسه، مثل:
 1-العمليات التي طالت اعتقال أقارب آباء وأقارب بعض المتهمين الفارين, حتى يحضروا أقاربهم الى بين يدي الأمن. ما يعني أننا أمام صورة موحشة للقادم، تكـرّس لثقافة الرهائن وعقلية الشيخ والعُـكفي.

2-أسلوب التحكيم الذي دأبت عليه الأجهزة الأمنية، لمن تعرضوا للأذى من قبل بعض أفرادها، كالذي قامت به مع أقرباء الشهيد علي ناصر هادي في عدن قبل أيام. فمع يقيننا أن ثمة بلطجة قد اقرفتها عناصر محسوبة على الأمن بحملة مداهمة لمنزل المذكور( أو منزل شقيقه) بصورة فجة وغير مبررة ,إلا ان طريقة معالجة هذا الخطأ من قبل قيادة الأمن كان بخطأ أكثر منه فداحة. فأسلوب (التحكيم) الدخيل على ثقافة عدن وعلى أي دولة تزعم لنفسها التمـدّن والتحضّر هو أسلوب قميء يشوه أي جهد أمني وغير أمني أيضا. فضلا عن انه أسلوب لا يليق بأسرة وأقارب ورفاق شهيد (علي ناصر هادي) استرخص حياته وبذلها قُـرباناً لقيام دولة مدنية تنتمي للقرن الحادي والعشرين وحداثته ...  فقد كان بوسع الأمن أن يعيد الاعتبار لهذه الاسرة بطريقة اكثر رقيا واكثر تحضرا، كالاعتذار الشفهي أو الاعتذار عبر الإعلام أو إرسال ممثل عن قيادة الأمن أو ذهاب مدير الأمن بنفسه الى منزل الشهيد ناصر ليأخذ الأمر طابع دولة وليس طابع قبيلة, فالأمن هو بوابة الولوج للدولة المدنية ولا يليق به أن يتحول الى مشيخ وقبيلي و(عاقر ثيران وتعشيرة بنادق) على عتبات منازل المتضررين. فالتحرر يعني بالضرورة التحرر من الأساليب والتصرفات , وليس فقط التحرر من الشخوص والاسماء والإبقاء على سلوكهم.

- الجهود التي يبذلها الحزام الأمني جهود تستحق الثناء ايضاً. ولكن الاجمل سيكون حين تنضوي هذا القوة ومعها باقي القوى الأمنية تحت لواء واحد أسمه مؤسسة الأمن العام(الشرطة الشعبية سابقا) وتُضم جهود هذه التسميات تحت إدارة وقيادة  رسمية واحدة حتى لا تتصادم الجهود تتشتت المساعي. وسوف تكون أضلاع مثلث الأمن مكتملة أكثر حين يُعاد تنشيط دور مراكز الشرطة في عموم مديريات البلاد كلها ويتم أعادة تأهليها وإعادة الكادر الأمني الجنوبي وتطعيمه بدماء شابة جديدة, دون ذلك فسنظل نكتب عبثاً على صفحات الماء وعلى وجه الرمال. وحين نتحدث عن موضوع بهذا الأهمية ينتصب أمامنا سؤال كبير بكبر أهمية الأمن لعدن والمكلا.., وهو لماذا يتم الإبقاء على وضع مراكز الشرط بعموم المديرات في ثلاجة التجاهل والإهمال, ولمصلحة من هذا ومن الذي بيده أسباب التغيير بهذا الشأن ولم يفعل؟.

 

   -الشيء المبعث للأمل أن الجنوب قد تخلّص من جزء كبير من القوى العسكرية لدولة الاحتلال الشمالية التي ظلت جاثمة على صدره عقدين ونيف من الزمن، هذه حقيقة لا مراء فيها ولا جدال حولها. لكن الشيء المؤكد أيضا والذي يجب ان يفهمه الجميع بالجنوب وبالذات الذي يضللون على البسطاء ويبيعون لهم الوهم والسراب أن الجنوب لم يتحرر بعد ولا يمكن اعتبار ما تحقق انه نهاية المطاف. فثمة قوة شمالية عسكرية كبيرة  ما زالت تجثم على أراضيه سواء كانت هذه القوة تابعة لعلي عبدالله صالح والحوثيين أو تابعة للطرف الآخر المسمى شريعة( في حضرموت مثالاً), هذا فضلا عن ان الجنوب لم يظفر بقراره السياسي المستقل ولم يعلن بعد عن قيام دولته بشخصية دولية اعتبارية معترف بها, فهو ما زال تحت عباءة الدولية اليمنية المحتلة وتحت هيمنتها, وما زال قادته يتم تعيينهم بقرارات جمهورية من الدولة التي يزعم البعض انه قد تحرر منها, بل ما تزال معاشات القيادات الجنوبية من محافظين ومدراء أمن وعموم, ناهيك عن الموظفين العاديين ترسل ناهية كل شهر من صنعاء. فأي استقلال هذا، وأي تحرير قد اُنجــــزَ ؟.

 

صحيح ان الجنوب قد حقق نصر عسكري لا بأس به، ولكنه لم يحقق التحرير والاستقلال بعد، لم يحق الاستقلال والتحرير بالمعنى السياسي والقانوي للاستقلال، وبالتالي فمن الخطورة بمكان على الشعب بالجنوب إفهامه انه قد وصل الى نهاية المشوار وانه قد أصبح دولة ذات سيادة ((على سنجة عشرة))، فمثل هذا الفهم الذي يتم للأسف شحنه بعقول الناس بالجنوب لأغراض مريبة سيودي به الى حالة تراخي وخمول في صفوف ثورته التحررية وفي مفاصل مقامته الشعبية. فلا بد من تسمية الأمور بمسمياتها الصحيحة كما هي حتى وأن كانت بمذاق المُـر وطَـــعم المرارة، الحقائق يجب ان تقال للناس كما هي دون تزييف أو تضليل، ففي ذلك مصلحة للجنوب ولقضيته. فالحقيقة يمكن دفنها, لكن لا يمكن قتلها.!

- التعاطي العقلاني السياسي الذي تنتهجه قيادات ونخب القوى الثورية الجنوبية ومعها السلطات المحلية ببعض محافظات الجنوب مع دول التحالف العربي يعتبر تطور مشجع في مضمار السياسة الجنوبية ذات المسالك الوعرة والدروب الشائكة، بعد سنوات من الزنق السياسي المنفعل الذي أودى بالجنوب الى مهاوي الردى والضياع. لكن ما لا يطمن بالأمر ان تبالغ هذه النخب باعتدالها الى درجة الهوان، وجعل الجنوب مجرد جسر عبور للآخرين، وإهمال الشق السياسي لقضيته الوطنية خشية من غضب دول التحالف وحنقها. فتغيب الخطاب التحرري الجنوبي من قبل قيادات جنوبية ظلت الى قبل مارس 2015م تملى الدنيا ضجيجا وصخباً، وتمطر الآخرين بوابل من نيرات التخوين والتخاذل ان هم لم يتبنوا ذات السقف التحرري، هذه القيادات اليوم استكانت بشكل مخزي لإغراءات المناصب الزئبقية التي تقلدتها والهبات المتنوعة التي تتلقاها من هنا وهناك. وطفقت تمرغ الجنوب بالشكر لدول التحالف بشكل مفرط، بمناسبة بدون مناسبة الى درجة تقزيم الجنوب وتصغيره بعيون الآخرين. فكثرة السلام تقلل المعرفة كما يقال، ولا يمكن لدول الخليج أو غير دول الخليج أن يقدم أي مساندة للجنوب أن ظل يسترخص بنفسه ويتخلى عن عزته وكبريائه. قليلاً من الشموخ والاعتزاز بالنفس مطلوب يا هؤلاء.

 قفلة: يقال (لا تكن قاسياً فتكسر، ولا ليناً فتعصر),ولكن كثرة اللين يؤدي حتماً الى الكسر.!

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص