آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:00:28:26
الشباب المتحمس وحرق المراحل
طه بافضل

الاثنين 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

من أسوأ التصرفات التي يبتلى بها الشباب خصوصاً والانسان عموماً؛ حرق المراحل، ومعاندة السنن الكونية، والتخبط في دياجير الأفكار المعوجة. وهو نابع من تربية خاطئة، أو فراغ تربوي، وغياب وعي مجتمعي عن تدارك الوضع قبل تفاقمه، فكيف لو كان المجتمع المحيط بهذا الشاب هو من يدفعه دفعاً لارتكاب عديد الحماقات؟!
بذور التصرفات الخاطئة، والسلوكيات المنحرفة، لن تختفي بين ليلة وأخرى، ولن تُقطع من جذورها، فإن حصل فهو قطع مؤقت، فالظروف النفسية والعوامل المجتمعية والأوضاع المعيشية المساعدة ما تزال تفعل فعلها في هذا الشاب أو ذاك، لتعزز جانب الخلل الفكري والتربوي الذي يحمله، وتعمق وترسخ في عقله الباطن قواعد خاطئة من الاستنباطات والتراكمات السلوكية تجعل محاولة التغيير والتصحيح لها صعبة وعسيرة ولكنها ليست مستحيلة، بل تحتاج لمزيد من الجهود التربوية والتعليمية والتدريبية والترفيهية المضبوطة لتؤتي ثمارها ولو على مراحل.
حاجة الشباب إلى التربية، لا تقل عن حاجتهم إلى الغذاء والشراب والدواء، فإن لم يظفر الشاب بمن يربيه سواء كان أباً أو أخاً أو معلماً أو شيخاً أو مدرباً أو حتى كتاباً، فهو إلى التيه والتخبط أقرب منه إلى الثبات والسداد. ولهذا البشر لم يتركهم الرب هملاً كالبهائم يتيهون في الأرض، بل لكرامتهم ومكانتهم عنده أرسل إليهم رسلاً وكتباً لتربيتهم وإرشادهم وتقويم اعوجاجهم وتوجيه تصرفاتهم نحو الكمال والجمال.
وأياً كانت الوجهة التي يقصدها الشاب فهي تحتاج منه إلى تربية وصقل وتدعيم ومساندة وتقويم وتقييم، وقدوة سلوكية معتدلة يراها أمامه بحيث يصبح مهيأً لتلمس خطواتها واتباع إرشاداتها وتقليد سمتها وهديها فتترسخ في مخيلته قواعد من السلوك القويم المنضبط ومشاهد من الأحداث المتدرجة التي يصقل معها العقل فتتفتق أجهزته عن رسوخ في الفهم وتراكم من الوعي بالحياة والكون والإنسان ليتعامل معها جميعاً تعامل المهتدي للسنن والنواميس التي سارت عليها البشرية قروناً متطاولة من الأزمان.
إنها عملية متكاملة ومعقدة وشائكة في أحيان كثيرة، فأنت تتعامل مع النفس البشرية التي تتقلب بين لحظة فرح أو موقف حزن، وبين مشهد وفاء أو حدث جحود، نفس شابة متوثبة متحمسة ومتأهبة للانطلاق والتحرك فإن لم تفرمل وتحكم عليها السيطرة بحكمة ومنطق ولطف وإلا فهي جامحة لن تردها الأيام الخوالي الجميلة. ولن توقفها الإرشادات والتوجيهات المجردة وربما الجوفاء الهزيلة.
عناية فائقة يجب أن توليها المؤسسات الخاصة بالشباب، وإمكانات يحسن بالقائمين عليها أن يوفروها ويقتطعوها من ميزانيات الدولة التشغيلية فالشباب بمثابة بنية تحتية لمستقبل منشود، وهم محرك فاعل لآليات التنمية والنهضة المجتمعية، فأي محاولة للتقليل من أهمية هذا الباب بالضغط على الميزانيات أو التهرب من تكاليف الإعداد وبرامج التربية لن يأكل علقمها إلا المجتمع والوطن طال الأمر أم قصر وحينئذ لا ينفع ندم ولا حسرة ولا تلاوم.
إن المشاهد اليومية للحروب والاقتتال وبروز مظاهر الجماعات المسلحة كافية لترسيخ الفكرة المطروحة ودافعيتها أقوى لتحرك أهل الشأن والمسؤولية لرسم الخطط وكتابة الأهداف وتوفير الوسائل والامكانات وتجهيز كل ما من شأنه سيحقق ما تصبو إليه المجتمعات العربية والإسلامية من استقرار وأمن وأمان واطمئنان ثم عمل وبناء ونهضة وتنمية، فالشاب بين ثلاثة خيارات إما مسعّر حرب وسيجد اليوم معه من يؤزونه لتسعيرها أزاً ، وإما معول هدم وتدمير لكل شيء جميل، وإما معمل تجارب ناجحة وابتكارات مذهلة ونتاجات رائعة لمجتمعه ووطنه. وكل اتجاه محرض لإحدى خياراته الثلاث ينفق مما عنده وبقدر الإنفاق تكون النتيجة و المحصلة.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص