آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:00:28:26
عن خيوط خفية بين:مغادرة باسندوة وتنطيق الحجري
منصور هائل

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

غادر رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة صنعاء إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في زيارة خاصة، أشعلت الاضطراب في بورصة التكهنات واختلفت بشأنها الآراء والتعليقات فيما إذا كانت استرواحية واستجمامية ولا يرتفع سقفها عن حدود الإقامة لدى ابنته المقيمة هناك، أو فيما إذا كانت علاجية أو كانت استهلالية لمشوار فك الارتباط مع نكد السياسة، ومع منصب رئاسة الحكومة المنحوسة.

جاءت مغادرة رئيس الحكومة عقب تصريحات صدرت عن رئيس الجمهورية أطلقها عند اجتماعه بسفراء الدول العشر، قال فيها إن البلاد على شفير الهاوية، وبالتزامن مع مغادرة وزير المالية إلى واشنطن وقوله بأن الحكومة على شفير الإفلاس، ومع تحذير وزير الخارجية المعروف بحصافته وتحفظه عبر تغريدات حذر فيها من انزلاق البلاد إلى قعر الهاوية.

وفي ظروف شديدة الالتباس جاءت مغادرة رئيس الحكومة وهي ظروف شديدة التشوش والتعقيد والتخالط والفوضى الدموية والعبثية، طفت على سطحها موجة من السجال الساخن بين فرقاء السلطة في "حكومة الوفاق"، وانتقال هذا السجال من طوره العقيم وغير المنتج إلى طوره العنيف الذي تجلى من خلال التراشق بالاتهامات والملاسنات والملاعنات، وكل ما ينتمي إلى عوالم ما قبل السياسة ويتواشج بصلة رحم مع الحضيض وما دونه.

لم يكن مستحبا قط ما صدر عن محافظ إب أحمد الحجري بحق رئيس الوزراء باسندوة، ولم يكن موفقا ذلك الرد الصادر عن الناطق الرسمي باسم رئيس الوزراء، وكان الأجدر بجميع الفاعلين من وراء الأسوار والأستار والحجب، والقابعين في المغاور والخنادق والقصور المحصنة والمحاطة بالدوائر الكهربائية والخرسانات المسلحة وجحافل الجند المدججين بمختلف الأسلحة أن يلتفتوا إلى حقيقة أن المعبد في هذه المرة سوف ينهد فوق رؤوس الجميع، والى واقع أن حكومة "الوفاق" في هذه البلاد في غاية الهشاشة وهم صناعها بهكذا حجم ومواصفات وبالحدود التي تجعل منها خيمة من قش يستطيع أي أخرق أن يشعلها لتحترق بما ومن فيها بعود ثقاب من أعواد ما قبل التاريخ.

والحال أن التفاعل والتلقف لما دار انصب في المجرى الاستقطابي الحدي الذي حمل المحافظ الحجري أكثر مما يحتمل وأثقل كاهل الأستاذ باسندوة بما لا يطاق في الزمن اليمني الأكثر صعوبة؛ والمعلوم أنه في الأزمنة الصعبة يتضاعف شعور الناس بالتيه والإحباط ويغيب العقل ويهيمن التفكير الرغائبي ويعتقد كل واحد أن ما يراه هو الصواب، ولا يريد أن يستمع إلى أكثر من صدى صوته، وتكتمل عناصر الكارثة بتهيئة شروط التأقلم معها والتعامل معها كقضاء وقدر، كما يقال.

في مثل هذه الأجواء لم يكن بغريب ولا بعجيب أن يطلق الحجري قذائفه الاتهامية على رئيس الحكومة، ويقول بأنه "رئيس فريق الشقاق والنفاق" و"العصابة" و... ثم يأتي رد "الناطق" باسم الحكومة ليصف المحافظ بـ"الفاسد" و"الأحمق" وما إلى ذلك من المقذوفات المتبادلة التي لا تليق بمن يديرون الشأن العام.

في الأثناء يتوجب على رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي أن يذهب في تفحصه لهذا الطفح إلى أبعد من مجرد التفكير بتشكيل لجنة رئاسية لمعالجة المشكل بين "باسندوة" و"الحجري"؛ فالموضوع يتجاوز مستوى كل شخصنة واختزال تبسيطي، ويتخطى حدود المناصب الاحتفالية والتنكرية ليطاول محركي البحث والفعل المتخندقين وراء المتاريس في عمران وإب، والمشعلين للحرائق في معظم الأرجاء، وتلك "المراكز" التي تتقاتل على غنيمة السلطة، وإعادة توزيع بقاياها.

في هذه المرة يجدر بالرئيس هادي التمعن في الحدود الفاصلة بين الواجهات ومن يقف وراءها وإن من موقع التنفيس على الضغوط والإكراهات القاسية التي يعانيها وأفضت به - مثلا- ذات يوم إلى تعيين محافظين من لون سياسي واحد في محافظات شمال الشمال وهو يعلم، حتى من غير أن يشاء أن يعلم، أنهم سيكونون في ساحة مجابهة مع طرف "عدو" وينطوي على ثأر ويتحين فرصة الانقضاض عليهم.

وقد جاء قرار تعيينهم في تلك المحافظات ليستثير الانفعالات الساخطة للحوثيين الذين طالما خاضوا حروبا مهلكة مع الوافدين بقرار رئاسي وقياداتهم ومع بعض القادة العسكريين المحسوبين على "الإصلاح"، وقد كانت المعارك بين هذين الطرفين ذات طابع صفري ولا تتوقف في الغالب إلا بإجهاز كل طرف على الآخر، فهي معارك صراع قوة ونفوذ واستئصال.

وإذا ما كان هنالك من يقول بأن خروج الحجري من دائرة الصمت على تلك الشاكلة الانفجارية ليس معزولا عن تدخل من قبل "الزعيم" الذي تربطه به علاقات نسب وصهارة، فمن الأولى بهؤلاء أن لا يتعجبوا من دور "الزعيم" الذي يعتبر من اللاعبين المهرة في الميادين المعتمة وعلى خط مثل هذه العلاقات الاستنسابية والزبائنية، فالزعيم هنا ينطق بصوت بومة الثأر الذي صار من أعلى الأصوات الناطقة باسم وروح هذه المرحلة وليس بالإمكان فلترته إلا بالرسو على نصاب السياسة بما هو نصاب عقلاني وفن لإدارة النزاعات وتجفيف منابع الانفعالات والهذيانات المتطيرة.

ولعل الأخطر في جل ما يحدث هو ذلك الاندفاع المجنون لجر ما تبقى من مؤسسة الجيش إلى محرقة النزاعات الفئوية والجهوية والطائفية والسياسية والاجتماعية لأن في ذلك مكمن المقتل الأخطر والمدمر لما تبقى من أواصر دولة ما قبل "الربيع" التي لم تشتغل كافة القوى والفعاليات السياسية والمدنية على إنتاج بديلها حين تتهاوى وعلى إثر سقوط "النظام".

من هنا يأتي التنازع على من سيكون محافظا لعمران أو محافظا لإب وليس من المستبعد أن يقع الرئيس هادي بين فكي هذه القسمة الملعونة والمحكومة بمعايير الهندسة لحروب قادمة من قبل تلك المراكز التي تستثمر في الحروب والسلاح والتهريب والإرهاب وتستلذ الإقامة المستدامة في تخوم ما قبل الدولة وتفعيل طاقة عناصر الجهل والفقر ورثاثة أوضاع معظم السكان.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص