يسمونها قديما بـ " الكريهة " لشدتها ولما تتركه من آثار كارثية على الزرع والضرع والبشر ، وكل ما له صلة بالحياة . . إنها (الحرب) أو (شدة الحرب) التي تحرق الأخضر واليابس وتبيد الحياة الإنسانية وتدمر حضارات وثقافات الدول والمجتمعات . .

هكذا هي الحرب.. قتل وتشريد ودمار وفقر ومجاعات وحياة بلا نظام أو قانون أو أعراف .. لا يشعر بنتائج آثارها إلا من اكتوى بنارها ونال منها من مصائب الحياة ونوائبها ما لا يطاق ولا يتحمله بشر . هكذا هي وطأة الحرب في عالمنا النامي تهدم ولا تبني. ترجع عجلة التاريخ إلى الوراء ولا تحدث أدنى تغيير نحو الأفضل على عكس الحروب التي تدك جبابرةً وطغاةً ومفسدين في الأرض وتبني دولاً ومجتمعات لتنشر العدل والمساواة والحرية والعيش الكريم على أنقاض الذل والهوان والظلم والاستعباد والقهر والطغيان.

والحرب في بلادنا والتي طال أمدها على غير المتوقع تركت آثارا كارثية على الوطن بشكل عام وعلى المواطن بشكل خاص ، وكان للقتل والتشريد النصيب الأكبر لضحاياها ولا سيما من المدنيين المسالمين العزل من السلاح ، وفي هذا التقرير نتناول معاناة فئة من ضحايا هذه الحرب التي اكتوى بجحيمها ملايين اليمنيين إلا وهم فئة (النازحين) الذين أجبرتهم قذائف المدافع وصواريخ الكاتيوشا ورصاصات السلاح الخفيف وقناصة الموت إلى ترك منازلهم ومصالحهم لينجوا من جحيم نار هذه الحرب .

وكان لصحيفة " الأمناء " وقفات قصيرة  لتلمس أوضاع النازحين في مخيم صبر في محافظة لحج الذين نزحوا من مناطق وقرى موزع بمحافظة تعز ، وأوضاع النازحين إلى العاصمة عدن والمناطق المجاورة لها الذين نزحوا من المناطق الحدودية بمكيراس وكرش ومناطق الصبيحة  ورصدت معاناتهم التي لا تطاق ، وكانت خلاصة معاناتهم على النحو التالي :

الوجهة الأولى :

وجهتنا الأولى كانت صوب مخيم صبر بمديرية تبن بمحافظة لحج . هذه المديرية التي تستقبل بشكل يومي العديد من الأسر النازحة من مناطق النزاع المسلح وخاصة مناطق تعز والصبيحة ،وتعيش هذه الأسر أوضاعاً إنسانية قاسية وخصوصاً مع دخول فصل الشتاء وعدم وجود السكن للأسر مع بقية متطلبات الحياة اليومية .

23 أسرة من موزع : لا إغاثة ولا سكن صحي ونقضي حاجتنا في العراء !

"الأمناء" زارت صباح أمس مخيم النازحين بمنطقة صبر على طريق الوهط خلف محطة البدوي ، والذي نزحت إليه أكثر من 23 أسرة من موزع بجانب معسكر خالد بن الوليد ومنذ أكثر من 5 أشهر .

 وفي البداية تحدث لـ"الأمناء" النازح "سعيد عبدالعظيم راجح" عن حياتهم اليومية ومعاناتهم التي طالت داخل المخيم , ووصفها بأنها حياة قاسية مع عدم وجود عدالة من قبل المنظمات الدولية بتقديم الدعم الإغاثي وغير ذلك ، في الوقت الذي ما تزال هناك أسر نازحة بأماكن أخرى تتحصل على كافة أوجه الدعم  , بينما نحن بهذا المخيم منذ النزوح لأكثر من 5 أشهر لم تتدخل المنظمات بتقديم الإغاثة ، غير الحسنة الوحيدة بتدخل منظمة (الجوع) مرة واحدة لدعم بعض الأسر بمبلغ 24 ألف ريال يمني ، وقد ساعدنا إمام مسجد عائشة بمواد غذائية لفترة شهرين وبالماء حتى اليوم .

وأردف " عبدالعظيم " : " لدينا داخل المخيم نساء طاعنات في السن , وهناك أكثر من 30 طفلا  بدون أي حقوق من أبرزها حق اللعب والتعليم ، ويعانون كثيراً من الأمراض ، نتيجة لدخول الشتاء ويضطرون لقضاء الحاجة في الخلاء وبحاجة تامة للرعاية الصحية وتوفير بيئة صحية صالحة للسكن داخل المخيم ,  ولا يسعنا إلا أن  نشكر أحد أبناء العزيّبة الذي خصص هذه الأرضية للإقامة فيها مؤقتاً " .

أين المنظمات الدولية والإغاثية الإنسانية ؟!

وناشد النازحون داخل المخيم مسؤول النازحين في مديرية تبن العاقل "زكي" والمنظمات الدولية بالتدخل العاجل وتقديم المساعدات للأسر النازحة ، حيث تعاني الفقر وعدم وجود مصادر دخل مع ضرورة التدخل في الجانب الصحي لمنع انتشار الأمراض . وكشف النازحون لـ "الأمناء" عن قيام أفراد تحضر إلى المخيم وتقوم بالاستطلاع وتدوين البيانات ولكن منذ النزوح وحتى اليوم الأسر لم تتحصل على المساعدات ومنها الإغاثة أسوةً بالأسر النازحة وخصوصاً بمخيم (المشقافة) بمديرية تبن .

وبدورها "الأمناء" ومن جانب إنساني وأخلاقي تضم صوتها مع صوت النازحين بمخيم النزوح بمنطقة صبر الواقع خلف محطة البدوي على طريق الوهط بسرعة تدخل المنظمات الدولية وأهل الخير ، وتقديم المساعدات المختلفة ، حيث الأسر تعيش وضعاً إنسانياً قاسياً وتسكن داخل أكواخ من الأشجار وأطفالها لا تتحصل على حق الطعام الكافي .

نازحو مكيراس: تشردنا 3 سنوات ولم تفتح الحكومة مخيمات لنا بعدن كما فتحتها في مأرب لنازحي صنعاء !

مكيراس .. المديرية الجنوبية الواقعة في الحد الفاصل بين الشمال والجنوب حسب التقسيم الجغرافي قبل الاحتلال اليمني للجنوب في حرب صيف 1994م هي الأخرى تلك المديرية التي عانى أهلها الكثير من المآسي والويلات منذ دخول جحافل المتمردين إليها في الحرب الأخيرة منذ قرابة 3 سنوات , وتأثرت مناطق (بركان) كلياً بهذا العدوان البربري الحوثي الذي أحال كما قال الحاج أبو حسين البركاني : " كل قرى منطقة بركان  الرابضة على المنطقة المرتفعة في أعالي جبل ثرة الاستراتيجي الهام والمطلة على ضواحي مدينة لودر إلى منطقة عسكرية محرم الدخول إليها لغير جحافل تلك الميليشيات العدوانية وأسلحتها الإيرانية من قاذفات صواريخ الكاتيوشا ورصاصات القناصة في قمم جبل ثرة " .

تشريد مئات الأسر من مكيراس الجنوبية وسط صمت الحكومة

 وأضاف الحاج أبو حسين البركاني :" مئات الأسر نزحت إلى عدن وبدون مأوى وتعاني الأمرين منذ 3 سنوات .. يا ابني 3 سنوات عجاف ظللنا ندفع إيجارات السكن , ونعاني من شظف العيش , ومن مظالم القائمين على توزيع المواد الإغاثية والإنسانية  ، وفوق الظلم هذا لم نسلم من الحكومة اليمنية التي تمارس التمييز العنصري ضد أبناء الجنوب , ولم تفتح لأبناء مديرية مكيراس الجنوبية أي مخيمات إغاثية , ولم تقدم معونات كافية مثلما تقوم به في المحافظات الشمالية والتي قامت الحكومة بفتح مخيمات في مأرب وغيرها من المحافظات لنازحي بعض مناطق محافظتي تعز وصنعاء " .

منازلنا تحولت إلى ركام بسبب قذائف الطيران ومدافع الميليشيا والمقاومة

وتحدث الشاب "حسام العوذلي" من أبناء مكيراس وقال : " خسرنا كل ما نملك بسبب طردنا من بيوتنا , ونعاني من جحيم التشريد والظلم الذي ظل يلاحقنا إلى هنا .. قُرانا تحولت إلى ركام كونها منطقة تماس للمواجهات وبحكم تواجد الميليشيا رأس عقبة ثرة ، تأتي القذائف بمختلف أنواع الأسلحة والطيران لمنازلنا وتحولها إلى أنقاض بحكم تواجد الميليشيا فيها مع أسلحتها وعتادها في ظل صمت الحكومة اليمنية التي لا ترى آثار الحرب إلا في مناطق الشمال ولا تعير أدنى اهتمام بمواطني الجنوب المشردين من مناطق مكيراس وبيحان وكرش والصبيحة .. حتى طلعات طيران التحالف توقفت عن مكيراس منذ قرابة عامين وأتاحت الفرصة لميليشيا العدوان أن ترتكب الخراب والنهب بمنازلنا ومصالحنا " .

نازحو  الصبيحة : ( لنا الله ..)

الصبيحة المنطقة الملتهبة ما تزال تعاني كثيرا من جحيم المواجهات مع ميليشيات الحوثي . ورغم شحة الإمكانيات واشتداد عمليات القصف العشوائي التي تمطر بها قرى ومناطق الصبيحة ليل نهار فما زال أبناء الصبيحة صامدين ، وما زال النزوح مستمراً من مناطق الصبيحة إلى محافظتي عدن ولحج .

يقول سعيد الشعبي : " مهما حاولت الميليشيات من قصف القرى بمناطق شعب فلن نستكين , لقّناها دروساً في فن القتال ودحرناها مرات ومرات .." .

 وأضاف : " يؤلمنا الوضع المأساوي للنازحين من مناطقنا إلى ضواحي لحج ومدن العاصمة عدن حيث يعانون من نقص في المواد الإغاثية والإيوائية ناهيك عن ظروفهم الصعبة بسبب تجاهل الحكومة الشرعية التي أحرمت نازحينا من إنشاء مخيم يؤويهم في الوقت الذي وجهت بفتح معسكرات في عاصمتنا الجنوبية عدن لقوات الحرس الجمهوري بعد هزيمتهم من الحوثيين بصنعاء والتوجيه باعتماد المليارات لرواتب وهمية لهم من قبل حكومة بن دغر الاحتلالية للجنوب ".  وطالب الشعبي دول التحالف والهلال الأحمر الإماراتي ومركز الملك سلمان بدعم نازحي صبيحة لحج وإغاثتهم وإيوائهم نظراً للظروف المعيشية التي يعانون قساوتها .