آخر تحديث :الاحد 02 فبراير 2025 - الساعة:22:53:07
"الأمناء" تنشر الجزء الثاني من شهادة الرئيس علي سالم البيض حول أحداث الجنوب :
(الأمناء نت / خاص :)


- حاولتُ إسعاف علي عنتر لكنه قال لي: "خلاص… خلاص"
- انسحبنا من قاعة الموت ومعنا عبد الفتاح إسماعيل ويحيى الشامي
- لحظة جنون استمرت 10 أيام… القتل والدمار لم يتوقفا دقيقة واحدة!
- كيف تم التخطيط للانقلاب داخل قاعة الاجتماعات؟ تفاصيل لم تُروَ من قبل
- كيف قُتل قادة الجنوب في اجتماع اللجنة المركزية؟ شهادات من قلب الحدث
- رصاصات الغدر في اجتماع القيادة… لحظة واحدة غيّرت مسار الجنوب
- تفاصيل الساعات الأخيرة قبل اندلاع المعركة

 

نشرت صحيفة الأمناء في العدد الماضي الحلقة الأولى من مذكرات الرئيس الجنوبي الأسبق علي سالم البيض عن حرب الرفاق في جنوب اليمن، وتنشر في هذا العدد الحلقة الثانية من تلك المذكرات التي نشرها موقع العربي الجديد.

حاور البيض وأعدّ المذكرات الزميل بشير البكر، وتصدر قريبًا في كتاب بعنوان "علي سالم البيض... الوحدة والانفصال"، عن الدار الأهلية للنشر والتوزيع في عمّان.

وفي ما يلي الحلقة الثانية:

 

هل تتذكر أجواء ما قبل اندلاع القتال بين الجناحين في 13 يناير/كانون الثاني 1986؟

 

رافقتُ علي ناصر في جولة خارجية، زرنا خلالها أديس أبابا وصوفيا وصنعاء. وعقد في العواصم الثلاث اجتماعات مغلقة مع المسؤولين، وكان لافتًا اللقاءان مع منغستو هيلا مريام وعلي عبد الله صالح، لقرب إثيوبيا واليمن الشمالي من تداخلات الأزمة الناشبة لدينا. تبيّن لاحقًا، عند انفجار الخلاف، أن الزيارتين كانتا مبرمجتين في سياق المشكلة، وخصوصًا زيارة صنعاء.

كان الاتفاق بيننا أن نمضي في صنعاء بضع ساعات، ثم نكمل الطريق إلى عدن، لكن الأمر تحوّل إلى استضافة وغداء وقات، تبعها مبيت، ثم اجتماع مغلق بين علي ناصر وعلي عبد الله صالح.

شكّ الجميع في تلك اللحظة في صلة الاجتماع بالأزمة، وما عزّز الشكوك هو أسلوب الاجتماعات المغلقة الذي تكرّر في أديس أبابا وصنعاء. ولو صدقت الظنون، فإن ذلك يؤكد عدم وجود شيء عفوي، بل تمّت دراسة كل تفصيل.

 

- ولماذا لم يتحرّك الطرف الآخر لمنع علي ناصر من تنفيذ خطته ومنع انفجار الموقف؟

 

راود الجميع الشكّ في أن علي ناصر يُحضّر لأمرٍ ما، لكن أحدًا لم يتوقع أنه قد يذهب إلى ذلك الحدّ الجنوني، وإلا كنا بذلنا كل ما في وسعنا لمنعه من ارتكاب تلك الحماقة الكبيرة.

كان الاتجاه في صفوفنا، كما أشرت، ممارسة أقصى الضغوط على علي ناصر من أجل حلّ المشكلة سلميًا. والدليل على حسن النوايا أن رئيس الدولة حيدر أبو بكر العطاس ذهب، قبل الانفجار بوقت قصير، في زيارة إلى الهند.

 

- إذًا، كان علي ناصر يستعدّ للمواجهة العسكرية سرًا؟

 

تبيّن لاحقًا أن علي ناصر استعدّ لحسم الموقف بالوسائل العسكرية، لذلك وزّع الأسلحة مبررًا ذلك بمعلومات عن قرب حصول إنزال عسكري إسرائيلي في عدن.

تشير تقديرات إلى أن هناك من بسّط الأمر لعلي ناصر، وأوهمه بأن العملية لن تتجاوز تصفية قيادات محددة خلال الاجتماع، وبعد ذلك يستتب له الوضع.

ورغم التوتر الذي ساد، لم يتوقع أحد أن علي ناصر قد يتصرف بالطريقة التي تصرّف بها. ولكي نؤكد حسن نوايانا، فقد وصلنا إلى الاجتماع في ذلك الصباح المشؤوم في موعده المحدد، وأقصد علي عنتر، صالح مصلح، عبد الفتاح إسماعيل، علي شائع، يحيى الشامي، علي مثنى، أحمد السلامي، وسالم صالح محمد الذي تأخر قليلًا، فيما لم يحضر كلٌّ من صالح منصر السيللي، جار الله عمر، ومحسن.

حتى حين وصلنا ولم نجد أحدًا من جماعة علي ناصر، لم يخطر ببالنا أنه سيرتكب الحماقة في ذلك اليوم، وكان الاعتقاد أنهم في المكاتب المجاورة.

 

- هل تتذكر اللحظات قبل الانفجار؟

 

جلسنا في قاعة الاجتماعات على شكل حرف لام، وما هي إلا دقائق حتى حضر حسّان، حارس علي ناصر، وكان يحمل حقيبته، ثم دخل بعده مباشرة الملازم علي محمد من حرسه الخاص، وهو يحمل ثلاجة الشاي.

لم تكن هناك أي علامة توحي بأن الجو يختلف عن الأيام العادية. كان حسان يتحدث مع علي عنتر بمرح، يقصّ عليه حكاية عن جماعة الجبهة الوطنية في الشمال، ويضحك. بدا علي عنتر متجاوبًا، يضحك هو الآخر، لكن فجأة تراجع الحارس إلى الوراء وأطلق طلقتين من رشاش سكوربيون في ظهر علي عنتر.

لحسن الحظ، أصيب الرشاش بعطل ولم يطلق المزيد من الرصاص، وإلا لكان قتل الجميع في ثوانٍ.

تصرف كلّ من الناجين بطريقته الخاصة. في ما يخصني، اتخذتُ وضعية الرامي منبطحًا لأشحن مسدسي.

خرج صالح مصلح فورًا، يلاحق حسان، لكنه سقط قرب الباب برصاص مجهول، تبيّن لاحقًا أن الملازم علي محمد هو من أطلق النار عليه.

حاولتُ إسعاف علي عنتر، مزّقت قماش الستارة وبدأت تضميده، لكنه كان يصرخ: "خلاص... خلاص". بسبب إصابته بمرض السكر والنزف الغزير، فارق الحياة خلال دقائق.

اتصلتُ بمنزل سعيد صالح لطلب الإسعاف والنجدة، لكني لم أجد أحدًا. في هذه الأثناء، رأيت علي شائع عائدًا وهو يمشي بطريقة الكاوبوي المعهودة، حاملاً مسدسه الكبير، وخيط رفيع من الدم ينزل من جبهته، فيما كان الرصاص ينهمر في اتجاهه بغزارة حتى سقط.

 

- ولماذا لم تتدخل الحراسات المرافقة لكم؟

 

كانت النوايا حسنة، لذا لم نحضر معنا سوى حراسات محدودة، فيما كان الطرف الآخر قد أعدّ خطة كاملة. حتى سيارة علي ناصر كانت في الساحة للتمويه وزرع الاطمئنان.

قاوم الحرس الذين كانوا برفقتنا إلى جانب حرس بقية الرفاق في الخارج، لكنهم أبيدوا جميعًا، لأن عدد القوة المهاجمة كان أكبر بكثير.

تراجعتُ إلى الخلف فوجدتُ مكتبًا مفتوحًا، نظرتُ إلى الخارج فرأيتُ حرّاس عبد الفتاح ممددين أرضًا، لقد قتلوهم جميعًا. في هذه الأثناء، وصل سالم صالح محمد، فأعطيتُه رشاشًا وبعض الذخيرة، وانسحبنا من المكان ومعنا عبد الفتاح إسماعيل ويحيى الشامي، اللذان لم يُصابا بأذى.




شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل