آخر تحديث :الاحد 02 فبراير 2025 - الساعة:21:58:28
"الأمناء" في حوار مع السياسي الجنوبي والقيادي البارز في المجلس الانتقالي السفير قاسم عسكر : اتفاق الرياض انتهى.. والانتقالي أمام معركة مصيرية لكسر القيد
(الأمناء / حوار – غازي العلوي :)

 

- الأمم المتحدة فشلت فشلًا ذريعًا في حل الأزمة اليمنية

- الانتقالي أمام لحظة الحسم.. إما استعادة الدولة أو السقوط في الفخ الدولي

- الشراكة تحولت إلى فخ قاتل لاستنزاف الجنوب وإخضاع الانتقالي

- "أي حلول لا تستند إلى معالجة فشل الوحدة ستظل محاولات فاشلة"

- مسرحية الشراكة انتهت .. والاحتلال السلمي يبدأ فصوله الأخيرة

"الحل الوحيد هو عودة الدولتين السابقتين: عدن وصنعاء "

- "لم يتحقق أي انتصار ملموس خلال عشر سنوات.. الفضل لتحركات الجنوب والإمارات"

- "أكثر من 30 عامًا من الجهود الأممية.. ولا نتائج تُذكر"

- "فشل الوحدة هو جوهر الأزمة اليمنية.. والحلول المطروحة تتجاهل جذور المشكلة"

- "قرارات مجلس الأمن 924 و931 تؤكد أن قضية الجنوب ما زالت قيد النظر"

- "القيادة اليمنية ارتهنت للخارج.. ولا يمكن التعويل عليها"

- "دول التحالف تماهت مع المجتمع الدولي على حساب قضية الجنوب"

- "عاصفة الحزم فشلت بسبب الخلافات بين دول التحالف"

- "الإمارات دعمت شعب الجنوب بوضوح.. وبقية دول التحالف تبنت نهج الأمم المتحدة"

- "الشرعية كارثة على الجميع.. هدفها لم يكن تحرير اليمن بل إعادة احتلال الجنوب"

- "القيادات اليمنية أسوأ قيادة في التاريخ الحديث.. لم تفهم عمق الأزمة"

- "المجتمع الدولي يتجاهل جذور الأزمة.. ويتعامل مع الحرب كأنها بدأت في 2015"

الانتقالي يواجه تحديات ومخاطر من الداخل والخارج

- الجنوب يواجه حرب إبادة اقتصادية.. والانتقالي مطالب بالتحرك الفوري

- المعركة لم تعد عسكرية.. بل تدمير شامل للجنوب وتجويع شعبه حتى الركوع

- الشرعية تحكم من معاشيق.. والجنوب يدفع الثمن من قوته ودمه

==========================

في هذا اللقاء الهام والمطوّل، تفتح صحيفة "الأمناء" باب الحوار مع السفير قاسم عسكر جبران، السياسي الجنوبي البارز والقيادي البارز في المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يسهم بخبرة عميقة في المشهد السياسي والدبلوماسي.

من خلال تجربته الطويلة ، يضع السفير جبران النقاط على الحروف بشأن الدور الدولي في الأزمة اليمنية، لا سيما دور الأمم المتحدة ودول التحالف العربي، مع تقديم رؤية واضحة لمواقف ومطالب شعب الجنوب. كما يسلط الضوء على تعقيدات الأزمة اليمنية، ويركز على ضرورة معالجة جذور المشكلة بدلاً من التعامل مع أعراضها.

يتطرق السفير جبران ، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات التي تملك رؤية استراتيجية مميزة للأزمة اليمنية ، بحكم خبرته العميقة وعلاقاته الواسعة، بالإضافة إلى كونه ، أحد أكبر العقول السياسية التي عايشت الأزمة عن كثب، وواكب تحولات الأحداث بذكاء وحرفية - إلى أبعاد القضية الجنوبية وحق شعب الجنوب في استعادة دولته المستقلة، مبرزًا أهم التحديات السياسية والدبلوماسية التي تواجهها المنطقة، وناقلاً صورة واقعية لما يراه ضرورة في سبيل تحقيق سلام شامل ومستدام.

الأمناء / حوار – غازي العلوي :

س1: سعادة السفير قاسم عسكر جبران، بحكم تجربتك السياسية وعملك الدبلوماسي، كيف تقيّم عمل ودور الأمم المتحدة تجاه الأزمة اليمنية؟ هل ترى أن تعاطيها مع الملف اليمني يشوبه القصور في إيجاد حلول ومعالجات للأزمة، خاصة أن الفترة الزمنية طالت كثيرًا؟

 

 

 

ج: جهود الأمم المتحدة، ممثلة بمبعوثيها إلى الأزمة اليمنية، أو كما يسميها مجلس الأمن الدولي بـ"الحالة اليمنية"، فشلت فشلًا ذريعًا. فلم يتحقق من جهودها ما يُذكر، رغم مرور أكثر من 30 عامًا منذ بداية الأزمة، التي تعود جذورها إلى فشل الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م.

لم تدم الوحدة المعلنة بين الدولتين والشعبين سوى أقل من أربع سنوات، رغم الجهود المحلية والدولية التي بُذلت لمنع انهيارها. شارك في هذه الجهود نخب جنوبية ويمنية، وسفراء، وملحقون عسكريون من الأردن، وسلطنة عمان، وفرنسا، والولايات المتحدة، وروسيا، ومصر. وقد تكللت هذه المساعي بإعداد وثيقة العهد والاتفاق، التي تم الاتفاق على توقيعها في الأردن بحضور الملك حسين بن طلال، والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عبدالحميد، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، إضافة إلى ممثلي الدول التي شاركت في منع انهيار الوحدة، وكذلك رؤساء الأحزاب السياسية والمجتمع المدني من الجانبين.

تم التوقيع على الوثيقة في 22 فبراير 1994م، بحضور الرئيسين علي سالم البيض وعلي عبدالله صالح، اللذين وقّعا سابقًا على إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م. كانت هذه الوثيقة آخر أمل لاستمرار الوحدة، ولكن بعد يومين فقط، وتحديدًا في 24 فبراير، اندلعت الحرب ضد الجنوب، حيث بدأت المعارك في محافظة أبين على يد قوات العمالقة اليمنية، تلتها اشتباكات في عمران وذمار ضد القوات الجنوبية. وفي 27 أبريل، ظهر علي عبدالله صالح في حشد جماهيري بميدان السبعين وأعلن الحرب على الجنوب وعلى وثيقة العهد والاتفاق، التي وصفها بـ"وثيقة الحرب".

في تلك الأثناء، أرسل الأمين العام للأمم المتحدة أول مبعوث أممي، الأخضر الإبراهيمي، لحل الأزمة، وأصدر مجلس الأمن قراريه 924 و931، اللذين ألزما طرفي النزاع بالجلوس إلى طاولة الحوار. كما اجتمع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في مدينة أبها بالسعودية في 5 يونيو 1994م، وأصدروا بيانًا أكدوا فيه أنه "لا يمكن فرض الوحدة بالقوة، ويجب أن يكون استمرارها أو انفصالها عبر وسائل سلمية". كذلك، أصدرت دول إعلان دمشق بيانًا يدعم موقف مجلس التعاون الخليجي.

بعد الإبراهيمي، أرسلت الأمم المتحدة أربعة مبعوثين آخرين: جمال بن عمر (مغربي الجنسية)، إسماعيل ولد الشيخ (موريتاني الجنسية)، مارتن غريفيث (بريطاني الجنسية)، وهانس غروندبرغ (نرويجي الجنسية). ورغم هذه الجهود، استمرت الأمم المتحدة في إدارة الأزمة دون تحقيق أي تقدم، فعقدت مؤتمر الحوار الوطني في صنعاء، ثم اجتماعات جنيف 1 و2، ومفاوضات الكويت التي استمرت ثلاثة أشهر، وصولًا إلى اتفاق ستوكهولم. ومع ذلك، لم تحقق الأمم المتحدة أي نتائج تُذكر، بل خلقت أزمات جديدة .

س : لماذا فشلت الأمم المتحدة في حل الأزمة اليمنية؟

ج: فشلت الأمم المتحدة لأن جميع مبعوثيها لم يتطرقوا إلى جوهر الأزمة اليمنية، التي أساسها فشل الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية. بدلًا من ذلك، ركزوا على نتائج الأزمة، مثل ما سُمي بـ"المبادرة الخليجية"، التي تعاملت مع التداعيات فقط، دون معالجة جذور المشكلة، أي الحرب والعدوان واحتلال الجنوب عام 1994م.

الأحداث اللاحقة، مثل انقسام السلطة في صنعاء بعد ما يُعرف بثورة "الربيع العربي" في 11 فبراير 2011م، وبروز الحوثيين، والصراعات الطائفية، وأزمة الشرعية، وأزمة الحديدة ومأرب، والحروب المستمرة، كلها نتائج لفشل الوحدة. ومع ذلك، لم تحاول الأمم المتحدة معالجة السبب الجذري للأزمة، بل تجاهلت القضية الجنوبية، متعاملة مع الحرب كما لو أنها بدأت عام 2015م، متناسية قرارات مجلس الأمن 924 و931 الصادرة عام 1994م، والتي أكدت أن فشل الوحدة بين الدولتين السابقة هو قضية ما زالت قيد النظر.

لذلك، بغض النظر عن طول الفترة الزمنية، أو تعدد القرارات والمؤتمرات والاجتماعات، فإن أي حلول لا تستند إلى معالجة جذور الأزمة ستظل محاولات فاشلة. الحل يكمن في العودة إلى جوهر المشكلة، وهو فشل الوحدة، والاستماع إلى مطالب شعب الجنوب، الذي يناضل منذ 1994م لاستعادة دولته ذات السيادة ضمن حدودها المعترف بها دوليًا قبل 22 مايو 1990م.

س: من خلال ما تفضلتَ به من شرح وافٍ حول موقف ودور الأمم المتحدة ومبعوثيها إلى اليمن على مدى الثلاثين عامًا الماضية، هل ترون أن المشكلة تكمن في تشابك مصالح بعض دول الإقليم والمنطقة؟ أم أن المشكلة تتعلق بالسياسيين اليمنيين وعدم كفاءتهم في التعامل مع الحلول؟ أم أن المشكلة تكمن في عدم وعي الشعب، خصوصًا في الجنوب، وعدم تحركه لفرض سياسة الأمر الواقع؟ وما هو الحل من وجهة نظرك؟

ج: هناك دور مهم ومعطَّل بسبب تشابك مصالح الدول في المنطقة، إضافةً إلى مواقف المجتمع الدولي، ممثلًا بدول التحالف العربي والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. وقد رأينا هذا بأعيننا من خلال مواقف الإدارة الأمريكية وبريطانيا، وكيف تغيّرت مواقفهما تجاه معركة "الكيلو 16"، وكذلك موقف المملكة العربية السعودية عندما أرسلت السفير محمد آل جابر إلى صنعاء، وما تبع ذلك من مبادرات واتصالات لا تزال مستمرة حتى الآن.

أما بالنسبة للقيادة اليمنية، فقد ارتهنت لما يمكن أن يُقدَّم لها من الخارج، ولهذا لا يمكن التعويل عليها ما لم تُعِد النظر في نهجها وطريقة عملها وتوجهاتها، وتُغيّر من نفسها وشكلها، وتقرّ صراحةً بأن أهدافها وأدواتها مختلفة. ولا يمكن أن تستقيم الأوضاع إلا بطرح حل واضح يعيد الدولتين السابقتين: جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية. عندها فقط ستتوقف أصوات المدافع، وتنطفئ الحرائق المشتعلة على حدود البلدين .

أما الشعب في الجنوب، فقد صبر طويلًا، وأرسل رسائل واضحة للداخل من خلال التسامح والتصالح، وللإقليم والعالم عبر النضال السلمي، وللأشقاء في اليمن بمواجهتهم في الساحات والميادين وجبهات القتال. ورغم ذلك، لم يلقَ أي رحمة أو أخوة أو احترام من القوى المسيطرة في الشمال.

س: ماذا عن دول التحالف العربي؟ هل ترى أنها تتبع نهج الأمم المتحدة في تعاملها مع الأزمة اليمنية؟ وما هي الانتصارات أو النجاحات التي حققتها طوال فترة الحرب في اليمن؟

دول التحالف العربي تعرف جوهر فشل الوحدة اليمنية ومحاولة فرضها بالقوة العسكرية من خلال إعلان الحرب والعدوان على الجنوب واحتلاله يوم 7 يوليو 2007م من قبل نظام الجمهورية العربية اليمنية، وباعتراف دول مجلس التعاون الخليجي بأن الوحدة قامت بالسلم ويجب أن تستمر بالسلم وليس بالقوة، وهذا ما أكد عليه بيان مدينة أبها السعودية. غير أنها بعد ذلك تماهت مع موقف المجتمع الدولي لمصالح عُرضت على بعضها من قبل نظام صنعاء على حساب قضية شعب الجنوب ومصالحه العليا، خاصة أن قيادات الجنوب متواجدة وهاربة في أغلب هذه الدول، وهم يعرفونهم ظهرًا عن قلب ويعرفون جوهر الأزمة اليمنية، التي جذرها الأساسي فشل الوحدة بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية اليمنية.

بل كانت هذه الدول تسبق مخرجات مؤتمر القاهرة الأول لبعض المكونات السياسية للجنوب، بحيث أعلنت هذه الدول ما سُمي بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية يوم 22 نوفمبر 2011م، قبل يوم واحد من مخرجات مؤتمر القاهرة يوم 23 نوفمبر 2011م، التي احتوت على مشروع حل الأزمة اليمنية عبر مشروع فيدرالية لمدة ثلاث سنوات، يتم بعدها استفتاء شعب الجنوب لتقرير المصير ، وقد ضمنت المبادرة لنظام صنعاء حصانة من المحاكمات والملاحقات لما ارتكبه من جرائم ومجازر بحق شعب الجنوب، إذ دمّر ما فوق الأرض وما في باطنها، وقتل وجرح عشرات الآلاف من أبناء الجنوب، وشرّد مئات الآلاف من مواطني الجنوب إلى دول العالم، وما زال بعضهم مشرّدًا خارج الوطن حتى الآن. كما امتلأت السجون بالقيادات والنشطاء الجنوبيين الذين قاوموا الاحتلال اليمني، وتم نهب وبيع وسلب كل منجزات ما كان يُعرف بدولة الجنوب السابقة، حتى إن المصانع نُهبت وحُمّلت مكائنها إلى محافظات اليمن أمام أنظار العالم.

هل لديكم أرقام لبعض تلك الخسائر والتدمير الذي تعرض له الجنوب ؟

هناك أضرار جسيمة وخسائر كبيرة لا يمكن جبرها أو حلها ماديًا وبشريًا لما لحق بالجنوب وبشعب الجنوب خلال 35 عامًا، وأهمها ارتكاب نظام الاحتلال اليمني (59) مجزرة جماعية وأخرى فردية راح ضحيتها حتى الآن (98,798) شهيدًا، وأكثر من (209) آلاف جريح، وأكثر من (161) ألف شخص دخلوا الزنازين والسجون، وتم طرد أكثر من (687) ألف موظف من وظائفهم المدنية والعسكرية والأمنية، وتم تشريد أكثر من (324) ألف شخص من أرضهم إلى دول العالم، وما زال بعضهم في هذه الدول حتى الآن.

وكانت الأضرار المادية الأولية، وفقًا لتقديرات الخبراء التي نشرتها صحيفة "الأيام" قبل أربع سنوات، أن ما تم نهبه من الثروات النفطية والغازية والمعادن والذهب يقدَّر بأكثر من 700 مليار، وما تم تدميره وبيعه ونهبه من شركات الطيران والسفن والأسلحة الجوية والبحرية والصاروخية والأسلحة المختلفة الأخرى يقدَّر بأكثر من 360 مليار.

كما تم نهب أكثر من (69) مصنعًا، حيث أُخذت جميع معداتها إلى محافظات الجمهورية العربية اليمنية، بالإضافة إلى تدمير ونهب وبيع أكثر من (86) مزرعة ومزارع أبقار ودواجن، وأكثر من (39) شركة اقتصادية ومجمعًا تجاريًا. وتم الاستيلاء والنهب والبيع لما يقرب من (3,458) مبنى حكومي، ودور سينما، ومسارح ثقافية، وتعاونيات أهلية، ونوادٍ رياضية، ورياض أطفال، وحدائق ألعاب وتسلية.

أما المباني والفنادق والمساكن والجسور والطرقات التي تم تدميرها جزئيًا أو بالكامل، فقد قُدِّرت قيمتها بـ 524 مليار، وبعض ذلك ما زال شاهدًا على ما لحق بالجنوب وشعب الجنوب من خسائر بشرية ومادية، وما زال موجودًا حتى الآن على الأرض.

وكانت المبادرة الخليجية، التي رفضها شعب الجنوب، قد أشارت إلى حل قضية الجنوب بضبابية وغير وضوح في الفقرة السابعة من المبادرة بآليتها التنفيذية، وعلى استحياء. واستثناءً لموقف دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي كان واضحًا في الوقوف إلى جانب الشعب في الجنوب، فإن موقف دول التحالف العربي من الأزمة اليمنية انعكس على موقف الأمم المتحدة، وسار على هذا النحو الذي نشهده اليوم على أرض الواقع لهذه الأزمة بالفشل.

ومثل هذا الواقع لا يمكن لدول التحالف العربي أن تحل الأزمة اليمنية، لأنها تعتقد أن الحرب والأزمة اليمنية بدأت عام 2015، وهذا مخالف للواقع، وهي محاولة للقفز على الحقائق وعلى الحل الجدي للأزمة، بل تحاول أن تتجاهل قضية شعب الجنوب وقراري مجلس الأمن الدولي 924 و931، أو أنها تعمل على تحقيق مصالحها على حساب قضية شعب الجنوب. وهذا ما نشاهده على الأرض وفي كل التحركات واللقاءات والاجتماعات والجهود الإقليمية والدولية من قبل ممثلي دول التحالف العربي، وهو استمرار لفشل "عاصفة الحزم"، خاصة أن الخلاف الذي حصل بين هذه الدول حول هدف التحالف من عملية "عاصفة الحزم" كان واحدًا من أسباب فشل العاصفة.

وفي المحصلة النهائية، سوف تفشل كل هذه التحركات والجهود إذا لم تعد هذه الدول لتصويب تركيزها على أساس الأزمة وجذرها الأساسي، الذي أوصل الأوضاع إلى هذا المنحدر الخطير، ليس فقط على الجنوب واليمن، ولكن على دول منطقة الجزيرة والخليج بصورة خاصة، وعلى الأمن والاستقرار الدوليين بصورة عامة.

وبالنتيجة، لم تحقق دول التحالف العربي أي انتصارات محسوسة أو ملموسة يمكن ذكرها على حدة أو بمفردها خلال السنوات العشر الماضية منذ "عاصفة الحزم" 2015، بل كان الفضل لشعب الجنوب والإخوة في دولة الإمارات العربية المتحدة، اللذين بيّضا وجه دول التحالف العربي أمام العالم، وتمت إزالة الاحتلال اليمني الثاني من أغلب أراضي الجنوب، التي كانت ضمن حدود "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية"، وتحرير عدد من المديريات في أرض اليمن، التي كانت ضمن حدود "الجمهورية العربية اليمنية".

أما ما تسمى بالشرعية، فقد كانت كارثة على الجميع، فهي على رأس الهزائم في اليمن في كل مكان، وكانت شرعية خلق الأزمات والمشاكل والعبث بحياة مواطني الشعبين في الجنوب واليمن، لأن جل اهتمامها لم يكن تحرير اليمن من انقلاب الحوثيين، بل انصبّ كل جهدها على إعادة احتلال الجنوب سلميًا بكل الوسائل والإمكانات المتاحة، بدءًا من النازحين إلى عودة تلك القيادات إلى "معاشيق" ومعهم كل الموظفين والحراسات والمرافقين والمراجعين، تحت مبرر تسمية عدن بـ"العاصمة المؤقتة".

وكانت القيادات اليمنية أسوأ قيادات عرفها التاريخ الحديث، لعدم فهمها لعمق الأزمة اليمنية وتصويب الجهود نحو حلها، وكذلك لتقديرها غير المسؤول لكل الأحداث والمستجدات على ساحتي اليمن والجنوب.

س: موضوع شراكة المجلس الانتقالي مع الرئاسي والحكومة، هل ترون أنها حققت ولو الجزء البسيط من تطلعات شعب الجنوب؟ وهل تعتقدون أنها ما تزال صالحة وتمضي في الطريق الذي رسمته قيادة المجلس الانتقالي، أم أنها تمضي نحو ما يصفه بعض الساسة الجنوبيين بالاحتلال السلمي للجنوب؟

ج: جاءت الشراكة نتيجة لتحركات ونشاط المجلس الانتقالي ومحاولته طرد ما تسمى بالشرعية من أرض الجنوب، حيث كانت أحداث 28 يناير 2019م بمحاصرة معاشيق عسكريًا وفرض إدارة الجنوب. تدخلت قيادة التحالف العربي حينها لوضع فكرة تحرير الحديدة مقابل إدارة الجنوب، ولما وصلت القوات إلى الكيلو 16، قامت بعض دول مجلس التعاون بمنع هذه القوات وأوقفتها عن استكمال هجومها للاستيلاء على الحديدة، وعملت هذه الدول على ما عرف بخلق أزمة الحديدة. بعد ذلك، انشغل المجتمع الدولي بهذه الأزمة المستحدثة وأوجد لها اتفاق استوكهولم، فانُسِدَت الآفاق أمام المجلس الانتقالي مرة أخرى فيما يتعلق بإدارة الجنوب.

بعد هذا الانسداد، تم الإعلان عن الإدارة الذاتية للجنوب، وحيث إن بعض دول التحالف غير راضية عن تحقيق إرادة شعب الجنوب بتحرير كامل أراضيه من الاحتلال اليمني وإعادة دولته المستقلة، مهدت قيادة التحالف لهذه الشراكة مقابل تراجع المجلس الانتقالي الجنوبي عن إعلان الإدارة الذاتية للجنوب. وباتفاق الرياض 1 و2، دخل المجلس الانتقالي مرحلة جديدة من نضاله الوطني بحكومة المناصفة، ثم تبعها مؤتمر الرياض للمناصفة في الرئاسة، وهي فكرة ابتكرتها دول التحالف.

س - لماذا وافقت قيادة المجلس الانتقالي الدخول في شراكة في الشرعية ؟

كانت قيادة المجلس الانتقالي تعتقد أن هذا الطريق سيقربها من تحقيق الهدف الاستراتيجي لشعب الجنوب، بينما كانت تكتيكات بعض دول التحالف تهدف إلى إبعاد المجلس عن تحقيق هذا الهدف بسرعة، من خلال جره خطوة بعد خطوة حتى العودة إلى صنعاء بدلًا من العودة إلى عدن. هذا النهج المتبع من بعض دول قيادة التحالف انعكس على المجتمع الدولي. وبعد أن فشلت حكومة المناصفة في تحقيق المهمتين اللتين حُدِّدتا لها بعد سنوات من تكليفها، وهما تقديم الخدمات للمواطنين وإعداد الوضع فيما يسمى بالمناطق المحررة لحالة السلام أو الحرب، جاء بعدها مجلس القيادة الرئاسي، الذي فشل هو الآخر في تحقيق المهمة التالية له، وهي تحقيق السلام أو الحرب.

إن الشراكة مع العدو تختلف عن الشراكة مع الصديق، التي تُبنى على تقاسم المصالح والمنافع بين الطرفين أو الأطراف المشاركة. غير أن الشراكة مع العدو الأساسي لشعب الجنوب والعدو اللدود للمجلس الانتقالي تختلف تمامًا عن شراكة الصداقة، حيث كان ينبغي أن توضع ضوابط وحدود وسقوف واضحة، بل وجدران وحواجز عديدة لهذه الشراكة من خلال اتفاقات ومذكرات تفاهم مكتوبة وموقعة بإشراف القوى الإقليمية والدولية، لأن أهداف أطراف هذه الشراكة متناقضة ومتعارضة فيما بينها، ولكل طرف وجهته الخاصة. كان ذلك ضروريًا حتى لا تسير الأوضاع من جديد لصالح هذا العدو ولصالح بعض دول التحالف وبعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. والواضح الآن أن نهج بعض دول قيادة التحالف والمجتمع الدولي، ممثلًا ببعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، يقوم على إطالة الأوضاع الحالية والرهان على الزمن لإخضاع شعب الجنوب والمجلس الانتقالي من خلال إطالة معاناة شعب الجنوب والعبث بحياته معيشيًا وخدميًا.

التآمر على الجنوب مستمر، كما نشاهده الآن، من خلال خلق مشاكل في حضرموت، ومحاولة بناء تكوينات سياسية موالية، وعرقلة إنتاج النفط، ومحاولة استقطاب العديد من القوى في المهرة، ونهب حقول "جنة" إلى مأرب، وتقاسم حقول بلوك (5) في شبوة، وكل ذلك يتم بدعم ودفع من قوى أجنبية لما تسمى بالشرعية. أما الوضع الجديد المنظور في الجنوب، فهو إنهاك الشعب وإضعاف المجلس الانتقالي، والتهيئة لقوى جديدة تتماشى مع الوضع الإقليمي وتسير وفق مصالح بعض هذه الدول على حساب المصالح العليا لشعب الجنوب، وإخضاع المجلس الانتقالي للسير على هذا الطريق، أو مواصلة الرهان على الزمن لفرض أمر واقع قادم على طريقة الأحداث في سوريا.

النضال الوطني لأي شعب في العالم يمر بمحطات ومراحل، ومرحلة الشراكة مع العدو التي وُقعت في الرياض 1 و2 أدت مهمتها واستُهلكت قيمتها، بل استنفدت بريقها ووصلت إلى مرحلة الفشل، ولم تعد قادرة على تقديم أي شيء إيجابي بعد الآن. بل إن نشاطها ومهامها وواجباتها باتت تسير في الاتجاه المعاكس لقضية شعب الجنوب، وأظهرت وجهها الحقيقي، حيث تحولت مهمتها إلى عرقلة قضية شعب الجنوب وإضعاف المجلس الانتقالي الجنوبي.

تحولت الشراكة إلى عبء وعبث حقيقي على حياة الشعب في الجنوب، حيث انحرفت مهامها وواجباتها نحو الجنوب، بدلًا من توجهها نحو اليمن وفقًا لمهمتها الأصلية، وهي القضاء على انقلاب الحوثيين على السلطة في صنعاء. وبدلًا من بناء الجنوب كقاعدة للانطلاق لتحرير اليمن، تتآمر الشراكة لإسقاط الوضع في الجنوب وإعادة احتلاله سلميًا. هذا هو الواقع، فلا يمكن لأي طرف أن يخلق أزمة ويرتكب جرائم بحق شعب، ثم يكون جزءًا من الحل. علينا أن ندرك بوعي عميق أن مثل هذا الطرف هو جزء من الأزمة والمشكلة، وليس الحل.

لذلك، تعمل ما تسمى بالشرعية من معاشيق ومن داخل الجنوب، مستفيدة من التجارب والدروس السابقة بين البلدين والشعبين قبل إعلان الوحدة عام 1990م. لقد أثبتت تلك الدروس والتجارب أنه لا يمكن إسقاط الجنوب بالحروب والعدوان، لكن الطرق السلمية هي السبيل للاستيلاء على الجنوب واحتلاله. والشواهد على ذلك كثيرة، بدءًا من حرب الحدود بعد الاستقلال عام 1967م، مرورًا بحرب 1972م واحتلال مناطق من اليمن، ثم حرب 1979م واحتلال البيضاء ومأرب وأجزاء من محافظتي تعز وإب، وصولًا إلى حرب 1994م التي شهدت عدوانًا واحتلالًا للجنوب، ثم حرب 2015م التي أعادت الاحتلال مجددًا.

لكن شعب الجنوب العربي كان دائمًا منتصرًا في مواجهة العدوان أو الاحتلال. واليوم، تراهن ما تسمى بالشرعية، من خلال الشراكة، على إعادة احتلال الجنوب سلميًا، مستفيدة من التجارب والدروس التي أفضت إلى الإعلان السياسي للوحدة اليمنية. ونشاهد اليوم أعمالها ونشاطاتها المكثفة، مستغلة كل سلطاتها ونفوذها، بدعم بعض دول التحالف العربي وبعض الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، لتحقيق أهدافها المعادية لطموحات وتطلعات شعب الجنوب.

 

س: ما هي آفاق المرحلة القادمة، وما هي الحلول لمواجهة هذه التحديات والمؤامرات والمخاطر التي يواجهها الشعب في الجنوب؟

ج: المرحلة القادمة لا تُشير إلى آفاق واضحة، حيث هناك العديد من التعقيدات التي علينا حلها عقدةً بعد عقدة، بالإضافة إلى الكثير من التحديات والمؤامرات التي يجب أن نواجهها بحزمٍ وإرادةٍ وعزيمةٍ قوية لا تلين، بحيث نحول هذه التحديات والمؤامرات الخطيرة على شعب الجنوب إلى فرص للانتصار عليها وتحقيق إنجازات عديدة تُضاف إلى ما تم تحقيقه في السنوات الماضية على الأصعدة التنظيمية والسياسية والدبلوماسية والعسكرية والأمنية.

علينا أن نتجه إلى السيطرة على قطاعات الإدارة والاقتصاد والمال، وهي من أهم المهام في هذه المرحلة المعاصرة من تاريخ نضال شعب الجنوب لتحقيق كامل ملامح هدفه الاستراتيجي، والمتمثل في استكمال تحرير الجنوب من الاحتلال اليمني وإعادة دولته المستقلة، التي اختُطفت وغُيبت منذ ما قبل 22 مايو 1990م.

إن التحديات والمؤامرات الخطيرة التي تواجهنا تستدعي الاستنفار في مختلف المجالات والاتجاهات وعلى كافة الجبهات، وهي لا تحتمل التأجيل بعد الآن، نظرًا لما تشكله من مخاطر جدية على الجنوب وشعبه، وعلى المجلس الانتقالي الجنوبي. حيث يتعرض النسيج الوطني الاجتماعي للتمزيق من خلال الترويج لمشاريع صغيرة تهدف إلى القضاء على المشروع الوطني، الذي يلبي المصالح العليا لجميع أبناء الجنوب، ويجعل من شعب الجنوب قوةً قادمةً في التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والأمني، مما يضعه أمام مسؤولياته، ويجعل مصالحه محترمة من قبل دول وشعوب المنطقة والعالم، كما يحترم هو مصالح هذه الدول والشعوب القريبة والبعيدة.

إن أخطر المؤامرات والتحديات في هذه المرحلة تستهدف شعب الجنوب وقضيته العادلة والمشروعة، التي لا تقبل التصرف بها، كما تستهدف المجلس الانتقالي الجنوبي من قبل الذين فقدوا مصالحهم في الداخل، وقوى الشر التي لا تريد لشعب الجنوب استعادة حقوقه السيادية من الخارج. هذه المحاولات الشيطانية تهدف إلى خلق مشاريع صغيرة تفضي إلى إضعاف المشروع الوطني الكبير، الذي يلبي مصالح وطموحات وتطلعات شعب الجنوب، من باب المندب غربًا إلى حوف المهرة شرقًا، ومن سقطرى جنوبًا إلى مكيراس شمالًا. وتختبئ هذه المشاريع خلف مظلات متعددة، وتتستر خلف كيانات سياسية وجغرافية، كما تؤجج النزعات المناطقية والحنين إلى الماضي البعيد والقريب.

وتأكيدًا آخر، فإن أولوية ما تُسمى "الشرعية" هي السيطرة على الجنوب، وليس القضاء على الحوثيين أو مواجهة نهجهم المدمر لليمن والجنوب والمنطقة عمومًا.

في المرحلة الراهنة، تتوفر ظروف وشروط عديدة ومهمة لاتخاذ إجراءات وتدابير كبرى دون تأخير أو انتظار، استجابةً لمطالب الشعب، وللرؤى والنداءات الصادرة عن الشخصيات الوطنية وممثلي الشرائح الاجتماعية. بالإضافة إلى نتائج ما تم استخلاصه من الفرق التي أنزلتها قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى جميع المحافظات، وفعاليات الاحتجاج الشعبي في كل من عدن وحضرموت، باعتبارها بمثابة استطلاع رأي عام أو استفتاء يُعبّر بوضوح عن إرادة شعب الجنوب واستعداده للتضحية من أجل إنقاذه من الظروف المعيشية القاسية التي يعاني منها المواطنون اليوم.

ورغم هذه الظروف القاسية، يبرهن شعب الجنوب على قوته وإرادته لتحمل تبعات الفترة القادمة بكل إشكالياتها وتحدياتها ومخاطرها، إذا ما توفرت الإرادة لاتخاذ قرارات مهمة بحجم هذا الشعب وهذا الوطن. وتوضح لنا المستجدات والتطورات والأحداث في منطقة الشرق الأوسط على الصعيد الإقليمي مدى انسجام هذه التطورات مع نتائج الحرب في غزة ولبنان واليمن، بالإضافة إلى تطورات الوضع في سوريا، والتي تلقي بظلالها على ساحة الجنوب. كما أن حرب أوكرانيا ونتائج الانتخابات الأمريكية، والنزاعات في شرق آسيا، توفر جميعها عناصر إيجابية ومقومات لاتخاذ المجلس الانتقالي الجنوبي، المفوض من الشعب في الجنوب، تدابير وإجراءات تُنقذ الوضع في الجنوب، وتدفع بالأوضاع في المنطقة إلى مرحلة متقدمة تُحقق الأمن والاستقرار، وتفتح آفاق تنمية مستدامة تُنهي الفقر والمجاعة، وتقضي على كافة أشكال الإرهاب، وتحقق إنجازات جديدة تدعم تطور دول المنطقة بشكل فردي وجماعي، وتضمن الأمن والاستقرار الدوليين.




شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل