آخر تحديث :الخميس 21 نوفمبر 2024 - الساعة:21:51:55
شاب يضيء شمعة للتائهين والمضطربين نفسيًا في اليمن
(إرم نيوز /أشرف خليفة وعبداللاه سُميح)

من النادر وجود مراكز متخصصة تهتم بالصحة النفسية لأبناء المجتمع في اليمن.. ومن عتمة ذلك الظلام الدامس.. يُشعل الشاب محمد إسماعيل عبدالله الشهير باسم (محمد الإيطالي)، وبجهود ذاتية، شمعة ليضيء بها بصيصاً من أمل ينير طريق التائهين.. حاملاً على عاتقه تنوير جهالة الكثيرين تجاه الأمراض النفسية.. التي لا تقل حدةً وخطورةً عن الأمراض الجسدية.. إن لم تكن أكثر إيلاماً.. وذلك من خلال إنشاء وتأسيس مركز متخصص بالصحة النفسية في العاصمة المؤقتة للبلاد عدن.. وهو "أكسجين للصحة النفسية والعلاج الطبيعي".

واستطاع (محمد الإيطالي) الشاب الأربعيني.. فتح ثقب صغير في جدار صُلب وعالٍ.. يحول بين اليمنيين -ذلك الشعب ذو الأغلبية القبلية، ويغلب على البقية الباقية الطباع أو الطابع القبلي، وأكثر الشعوب العربية تحفظاً ومحافظة- وبين الاعتراف بالمرض النفسي وأهمية اللجوء إلى طبيب أو مستشار في المجال نفسي.. وقبوله الخضوع لـ(كورس) علاجي نفسي متكامل.. ترتكز أبرز خطوات هذا العلاج على الجلوس أمام المختص النفسي والحديث (الفضفضة) له بمختلف جوانب حياته الشخصية وذكر المشاكل التي يعاني منها.. التي ربما يكون قد تعرض لها بدرجة عالية من قبل الأشخاص المُحيطين به كـ (الأسرة والأقارب والجيران والأصدقاء والزملاء).. ناهيكم عن الأوضاع المعيشية القاتمة والظروف الاقتصادية الصعبة ومتطلبات الحياة المُهلكة.. فضلاً عن الحروب والاضطرابات الأمنية والعسكرية من حينٍ إلى آخر..

ومن المضحكات المُبكيات.. قد يعترف اليمني بتعرضه للمس والسحر والعين والجنون -وهو أمر وارد دون أدنى شك-.. لكن في الوقت نفسه يرفض الكثير من اليمنيين الاعتراف في حالة إصابته بالمرض النفسي.. وكأن المرض النفسي جريمة أخلاقية يندى لها الجبين.. و(عيب أسود) يوصم صاحبه أو المقربين منه بالعار.. وهو خلل مجتمعي فرضته العادات والتقاليد وقلة الوعي والثقافة العامة.

وثمّة من يلجأ من اليمنيين إلى عيادات ودكاترة المخ والأعصاب بحثاً لأنفسهم عن علاج يُخلّصه من معاناته واضطراباته النفسية في حالة أن باب المعالجين الروحانيين سواءً الشرعيين الذين يعالجون بالقرآن الكريم.. أو النصابين المُعالجين بطرق الدجل والشعوذة لم تُفلح.. ويقتصر علاج أخصائيي المخ والأعصاب عند وصول حالات ممن يعانون من الأمراض النفسية على تسجيل عقاقير دوائية مُهدئة -وفق حالات معايشة وتجارب مُطلعة-.

ومع تطور التكنولوجيا وتقارب العالم الذي صار من السهل على أي شخص أن يتجوله دون أن يبرح مكانه وهو قاعد في منزله وذلك من خلال جهاز لا تتجاوز سعته مقدار كف اليد الواحدة.. الأمر الذي أتاح الاطلاع على العوالم والثقافات الأخرى.. بات لدى اليمنيين تفهم وإدراك -ولو بالحد الأدنى- لأهمية العلاج النفسي وسلامة الصحة النفسية.. وبات هنالك من يلجأ للعلاج النفسي.

وللدلالة على ذلك.. فعند افتتاح (محمد الإيطالي) في العاشر من شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام 2019 المركز النفسي الصحي الخاص به.. والذي يتزامن مع اليوم العالمي للصحة النفسية.. لاحظ تغيّرا في تفكير المجتمع اليمني ومدى تقبله فكرة وأهمية العلاج النفسي الذي يرتفع أعداد المُدركين له مع مرور الأيام.. وتجدر الإشارة إلى أنه في كل عام منذ تأسيس المركز يقوم بإحياء اليوم العالمي للصحة النفسية من خلال عقد مؤتمر معرفي في عدن.. والذي يحمل المؤتمر في كل سنة شعاراً مختلفاً.. حيث كان المؤتمر الأول تحت شعار "المرض النفسي ليس عيباً أو جريمة أو حراما".. ليتطور الشعار سنة بعد أخرى موضحاً مدى قبول المجتمع للمرض النفسي.. ليحمل المؤتمر الخامس والذي عقد الشهر الماضي شعار "لست وحدك فصحتك النفسية غايتنا"..

واختار (الإيطالي) مسمى "أكسجين" اسماً لمركزه الصحي النفسي.. و"الأكسجين" كما هو معروف هو أهم العناصر الكيميائية في الحياة الدنيا وعلى سطح الكرة الأرضية ولدى الكائنات بمختلف أنواعها وأصنافها وفئاتها.. فبانقطاعه تنقطع الحياة ويتوقف العمر ويحين الأجل.. ليعطي من خلال اختياره هذا الاسم بالتحديد دلالة على أن سلامة الصحة النفسية "أكسجين" من نوع آخر للبقاء على قيد الحياة أو العيش بسلام داخلي..




شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل