آخر تحديث :الاثنين 06 مايو 2024 - الساعة:01:04:00
محمد مرشد ناجي .. هذا المبدع الكبير بعد مائة يوم على رحيله
علي محمد يحيى

الاثنين 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

 

علي محمد يحيى

حلت اليوم الاحد التاسع عشر من مايو 2013م، ذكرى الاحتفاء بانقضاء مائة يوم على رحيل استاذنا الجليل و فناننا المبدع الاديب والباحث الملهم ، القدوة الحسنة في مسلكه وإبداعه طيب الذكر الراحل عنا الساكن في قلوبنا الفنان الكبير محمد مرشد ناجي..

وهل تستطيع الذاكرة في هذه اللحظات المهيبة ان تستوعب الحدث لتستحضر سيرة فنان مبدع كبير بحجم محمد مرشد ناجي.. سيرة حياته وكفاحه ونضاله وادبه وفنه وعطاءه وروحه الابوية التي من الله بها عليه ليرعى الكثير من المواهب.. ممن نهلوا من خبرته وتجاربه واخذوا بتوجيهاته ، فكان لهم حظا كبيرا من الشهرة في ساحة الفن والابداع.. بل وكان له الفضل في اكتشاف مواهبهم والوقوف بجانبهم حتى قويت سواعدهم دون شعور منه بالانوية والذاتية.. بل ظل لهم ابا روحيا حتى يوم رحيله الى ملكوت السموات العلى عند رب العرش العظيم.

اخي وصديقي الاستاذ محمد عبدالله مخشف رعاه الله كان اصر علي ان القي كلمة تأبينية لمرور يوم على رحيله نيابة عن جموع النقاد من أهل الثقافة والابداع.. وأتاح لي فرصة للحديث عن هذا الطود الشامخ وهذا العماد في ابداعه ومكانته ولقد انتابتني حالة من الحيرة.. اذ ما عساي ان اقول في هكذا مناسبة مهيبة.. وقد احتار الجهابذة من اهل الثقافة والمعرفة واهل الفن في ان يقولوا ولو بعض الخواطر عن محمد مرشد ناجي يرحمه الله ويطيب ثراه ..فماذا يمكنني انا ان اقول او اضيف؟؟ مع ان الرجل قد اراحنا جميعا من أي حيرة.. حينما سطر سيرة حياته العطرة وملحمة ابداعه ونبوغه.. واعفانا من أي حمل ثقيل ان فكر احد منا في اشهار سيف البطولة ليكتب عن هذا الرجل وعن سيرته وارثه وابداعه.. ولا اخال ان احد يستطيع.. الا من تحصيل حاصل.. او ربما عن انطباعات وذكريات شخصية واجتهادات في تقرير الاحداث التي مرت في درب (ابوعلي) او البعض ممن يتبعون اهواءهم ويبتغون لانفسهم بعض الشهرة فانهم ربما يضيفون من عندهم بما تمليه عليهم قرائحهم لاختطاف شيئا من الشهرة لا غير.. وقد تزداد هذه الحالة خاصة بعد ان رحل الرجل عنا فيكثر الادعاء بما ليس لهم فيه.

المتتبع لسيرة حياة هذا الفنان المبدع الكبير او الدارسين لتجربته في الفن والابداع وفي مؤلفاته المتنوعة يتفق الكل ان تلك المؤلفات انما كانت من منطلق المسؤولية الوطنية في التاريخ والتوثيق باعتبارها قضية ثقافة ومعرفة لابد منها ، اما فيما لحن وغنى واطرب فانما ذلك مجرد هواية معشوقة وممارسة التزم بها لا غير.. ولكنه لم يتخل طوال حياته عن مجال عمله الاساسي كموظف في مجال الادارة والقيادة شغل خلالها العديد من الوظائف وارتقى ارى ارفع المناصب.

في عالم الفن والطرب.. هو بيت قصيدنا.. ربما يكون ابو علي قد اختلف في منهجه في عالمه هذا عن معظم فناني عصره وزملاءه الا من القلة من الرواد.. بأن وضع نصب عينيه وفي فكره شعارا لا حيدة عنه لقاعدة سلوكه تجاه فنه وادبه.. اخذ به منذ بدايات انطلاقاته الاولى.. وهو ان جعل شعار التفوق والتميز خاصة في الموسيقى والغناء قضية لا تحتاج الى مراجعة.. رغم تأكيده المستمر على مدى التاريخ حياته الحافلة.. بانه انما هاو وعاشق للفن ليس الا .. وان كل ما قدمه وابدع فيه لا يخرج عن نطاق الهواية والتسلية.. وانطلاقا من ذلك العشق لفنه وشعار التفوق والتميز فقد جاءت تجربته الاولى حين لحن قصيدة الشاعر الكبير محمد سعيد جرادة ومن الشعر الفصيح اغنية (وقفة) التي تقول في مطلعها:

هي وقفة لي لست انسى ذكرها

انا والحبيب

في ليلة رقصت

من الاضواء في ثوب قشيب

فكانت بحق مفاجأة كبيرة اثارة الاعجاب المنقطع النظير.. جاءت تجربته الاولى هذه لينطلق الى عالم الشهرة من واسع ابوابها رغم التسليم بصعوبة تلحين الشعر الفصيح، ورغم هيبة التجربة في التلحين بحد ذاتها ايضا فدفعه ذلك نحو الدخول في خضم تجربتين اخريين.. فلحن من بعد (وقفة) (شبابك ندي ريان) و(هجرت وابعدتني) وقد لقيتا ايضا نفس القدر من الترحيب والاعجاب والنجاح عند المستمع وكذلك حظهما في الانتشار.

هذه الاغنيات الثلاث في تجاربها اللحنية قد نقلته من التقليدية التي كانت سائدة وقتها في ترديد الاغاني التراثية الى مضمار التجديد.. رغم ان فنا جديدا قد ظهر اعتمد على الايقاعات المصرية بالاخص.. الا ان المرشد كان قد فهم التجديد على انه مدلول فني يتكيء في خصائصه الفنية على الموروث الغنائي الاصيل تستنبط منه افكار لجمل لحنية جديدة تتماشى مع القصيدة الجديدة.. وهكذا فعل ابوعلي وقد تأمل كثيرا في مسألة التجديد خاصة بعد ان نجح في تحقيقها على مستوى مدينة عدن التي اعتبرها اولى مراحله نحو التجديد.. اما خطواته اللاحقة وبعزمه الذي لا يلين وبثقته بقدراته انتقل نحو مرحلة ثانية في الحانه التجديدية فاتجه صوب لحج الغناء لحج الخضيرة فلحن اغنية (البدرية) للامير احمد فضل القمندان واغنية (لا وين انا لا وين) للاستاذ عبدالله هادي سبيت.. واغنية ثالثة من نفس الروح هي (غنوا معي غنوا) لعلي محمد لقمان.. فكانت هذه التجارب الاخيرة كما وصفها المرشدي بانها كانت محاولة في طريق الوحدة الفنية الجنوبية هدفها خدمة الوحدة السياسية.. لان الوحدة الفنية والتقارب لا تأتي من خلال الكلمة وحدها.. وانما بالنغمة المرتبطة بالموروث الشعبي الغنائي في الجنوب حسب تعبيره في اللقاء الذي اجراه معه الاستاذ محمد مخشف لمجلة تي في السعودية ونشر تباعا في عدة حلقات خلال عام 1996م.

غنى المرشد هذا التنوع في الالحان في تلك الفترة من عام 1955 وقد صاحبها تنامي وتطور في الوعي السياسي والثقافي في مدينة عدن وانتشار عدد من الصحف اليومية والاسبوعية التي اصبح لها دور متعاظم في توعية الجماهير وتاثر بها كثيرا الفنان الكبير المرشدي ومع زخم الثورة المصرية ثورة 23 يوليو في عهد عبدالناصر فزاده ذلك قوة ودفعا.. وتوافقت هذه الفترة بانطلاق اذاعة عدن التي استطاعت ان تجذب اكبر قدر من المستمعين من خلال البرامج الفنية المباشرة على الهواء وفقا لامكانيات ذلك العهد، حتى جاءت النقلة اللاحقة للاذاعة وهي تسجيل اغاني الفنانين والمطربين على الاشرطة لاذاعتها في أي وقت.

ولما غزا صوته عبر الاثير عدن الكثير من دول المنطقة في الجزيرة والخليج وتعرف اهل هذه المناطق لفنه كما هو الحال مع بقية الفنانين في عدن وحضرموت.. دعى هو وزميله الموسيقار احمد قاسم لزيارة الكويت والمشاركة في احتفالاتها بالذكرى الاولى لاستقلالها.. وكما يقول المرشد يرحمه الله انه اذا دعي الفنان الى خارج بلده من الدوائر الرسمية في تلك البلدان فانه لا يتم اعتباطا بل يرشح بدقة من قبل المسئولين فيها وهو اعتراف بمكانة الفنان.

وهنا تأتي مرحلة جديدة في نجاحات هذا الفنان الكبير يرحمه الله وقد اعتبر هذه المرحلة ليست فقط بالنجاح على المستوى الشخصي.. بل كانت في حقيقة الامر نجاحا في انتشار الاغنية اليمنية الجديدة عموما في دول الجزيرة والخليج.

كانت رحلة الكويت الاولى وما تلتها من زيارات اخرى متلاحقة قد حققت له انتشارا واسعا باعتباره احد رواد النهضة الفنية في مدينة عدن، وركائزها وتعرفة بأكبر قدر من فناني منطقة الخليج ورغبة عدد منهم في ان يغنوا من الحانه.. وقد فعل حين غنى الفنان الكبير محمد عبده عددا من الاغنيات للمرشدي كانت فاتحتها (ضناني الشوق) ومن بعده كان لفهد بلان وصباح حظ معه.. اغنية يا نجم يا سامر حققت بدورها شهرة كبيرة لفهد بلان في المنطقة.

غنى المرشد للوطن للثورة وللحب ولحن للعديد من فناني الوطن.. ولا ننسى ان كان له نصيب في اشهار المنولوج ولحن لاشهرهم الفنان المنولوجست فؤاد الشريف العديد من المنولوجات ذائعة الصيت والتي اشتهر وعرف بها فؤاد الشريف.

الحديث يطول ويطول ولن نستطيع ان نوفي الرجل حقه في هذا الحيز الضيق.. لكن اسمحوا لي ولو لبعض لحظات ان اعرج الى ما جاد به فكره واختطت يداه ويراعه من مؤلفات هي في واقع الامر من اهم ما امتلكته المكتبة اليمنية في توثيق تاريخ العناء والموسيقى بدءا بكتابه الاول عام 1959م (من اغانينا الشعبية) وكتاب (الغناء اليمني القديم ومشاهيره) عام 1983م و(صفحات من الذكريات) عام 2000م واخرها (اغنيات وحكايات) عام 2001م.

اما خاتمة الحديث فلنتذكر ببعضا من اغانيه الوطنية: (ابن الجنوب)، (هات يدك على يدي)، (اخي كبلوني)،(نداء الحياة)،(شعبي ثار اليوم)،(انا الشعب)،(امنعوا الهجرة).

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص