آخر تحديث :الاحد 19 مايو 2024 - الساعة:00:28:33
صور من هذا الزمان..الحرية والكتابة مع الصديق أحمد عبداللاه
علي صالح محمد

السبت 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

كتبت إلى صديقي الرائع أحمد علي عبداللاه، المهاجر في أرض الله الواسعة بحثاً عن فضاء يحتضن ملكاته المهنية كمختص في جيولوجيا البترول (دكتوراه من ألمانيا)، ومكنوناته الإبداعية ككاتب وأديب وشاعر له ديوان (نورا)، وذلك بعد أن جرب الوطن المهزوم، ووصل معه الى مفترق ثم فراق، فذهب بعيداً بحثاً عن عالم يجد فيه قدراً من الحرية، لأنه "حيث تكون الحرية يكون الوطن" كما يقول (بنجامين فرانكلين).

كتبت إليه قائلا: يا صاحبي؛ مواضيع الكتابة شأنها كالشعر تأتي الأفكار بلا استئذان، الفكرة تشكل جوهر الموضوع، وحين تفرض علينا الأفكار لا تجد لها صدى في عقولنا، حتى الكلمات تتبخر، وأشعر بالظمأ للحروف، وأجمل الأفكار هي تلك التي تنبع من القلب، ومن العقل معا، تلك التي تنساب بلا ضغوط لترسم الصور بالكلمات تعبيراً عن الحرية .. حرية العقل قبل كل شيء، لأن "العقل روح الحرية" حسب (ليبتز)، والحرية مضمار العقل.

وهناك القيود، وذلك الشرطي الداخلي متعدد الوجوه الذي يقيدنا، ويتحكم في سلوكنا.. وهي القيود التي تولد وتنمو وتكبر معنا - رغماً عنا - لتتقوى وتتشعب لنصبح أسرى لأسوارها وموانعها الذهنية، والمادية الكثيرة.. حكاماً ومحكومين، لهذا يصيح (طاغور) - بحزن - "ثقيلة هي قيودي، والحرية كل مناي، وأشعر بخجل وأنا أحبو إليها"، فهناك شرطي العادات والتقاليد، والشرطي الاجتماعي، وشرطي الحكومة، وشرطي المرور، وشرطي البيت، وعاقل الحارة.. ومع التطور التكنولوجي نشأ شرطي التقنية، الذي يرافقك في بعض البلدان  في كل مكان، عوضاً عن الشرطي البشري، حتى أصبح (الهاتف الذكي) شرطيا جديدا ومرافقا لصيقا يحصي ويرصد كل حركة، بما في ذلك الأنفاس - كما يبدو، وإن تحررت من احدها لكنك لا تستطيع الفكاك او أن تتحرر من الشرطي الداخلي المغروس في داخلك، الذي يرافقك في حلك وترحالك، وكما يقول (جان جاك روسو): "يولد الانسان حراً ولكنه في كل مكان يجر سلاسل الاستعباد". هكذا هو الحال يا صديقي، مع أن "الحرية شمس يجب ان تشرق في كل نفس" كما يقول (المنفلوطي).

أجابني الصديق الرائع (أحمد) بالقول:

"صباح الفل أخي الغالي (علي)، صباحك سكّر وأرضك عنبر ولك ألف محبة ومحبة وأكثر، ولقلمك الجميل تحية.. بالفعل ليس هناك اهم من الكتابة، فهي عالمنا الذي يولد كل يوم فينا، وننقله للقراء، العالم الذي يجب ان يكون، لو بيدي كنت فضلت ان أعيش في هدأة ريفية بعيدة، وأنذر حياتي للقراءة والكتابة.. لكن الواقع يفرض عليك الكيفية التي تعيش معها مثلما يفرض عليك تدافعه القوي والغريب.. نحن جيل عصروه حتى اليباس، وأخرجوا منه الافتتان الطبيعي بالحياة واستبدلوه بداخلنا بمفارقات ليس من السهل ان تتعايش دون ان تفجر فينا الغضب والرفض، وهو ما نحاول ان نعبر عنه بأقلامنا كثيراً، أو قليلاً، لكننا نعيش بذلك من أجل ان نتصور على الأقل أننا نساهم في تغيير هذه الكوارث، وذلك - لو تدري يا عزيزي- إنه عمل عظيم.. ولهذا قلمك الجميل يجب ان يفتتح حلمه عند كل نهار، ومهما تشعبت الكتابة، إلا انها تسير نحو هدف واحد.

تعرف - يا علي - زمان في الجنوب كان لنا نهر دون مياه، والآن لدينا مياه ولكن دون نهر، لهذا نظل نحفر في الأرض كي نشق مجرى لمياهنا تتعمق وتتكاثر، ويصير نهرا جميلا، وربما تمنحنا الأقدار - ذات يوم- فرصة ان نقف على شاطئه لنودع الأعمار بابتسامة شاردة، ونحن مطمئنون على جيلنا القادم".

دمت يا صديقي المبدع (أحمد)، ودام قلمك الرائع المتجدد كالنهر، والمفيد كالماء العذب.

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص