آخر تحديث :الاربعاء 20 نوفمبر 2024 - الساعة:01:26:46
غَيْضٌ من فَيْض !!
احمد محمود السلامي

الاربعاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

لا أدري؛ بماذا أصف شاباً في مقتبل العمر، يقول إنه يتعذب عندما يسمع الأغاني أو الموسيقى ـ أياً كانت ـ، له كل الحرية أن لا يســمع هذا أو يسمع ذاك, فهذه قناعته الشخصية ـ مهما كانت أسبابها ـ ولكن أن تتحول هذه إلى ظاهرة غريبة عن مجتمعنا، يراد منها الوصول إلى العفة وإقناع الآخرين بمستوى الأخلاق الحميدة، فهذه مشكلة  كبرى!.. مثلها مثل الإسراف في سماع الموسيقى والأغاني والأدعية، بالاستخدام الفج والمفرط لمكبرات الصوت في السيارات أو عربيات البائعين، أو أماكن بيع العسل التي تروّج لمنتجاتها المغشوشة، ومنشطات (الفحولة) وتطويل الشعر وعلاج البواسير!!

تناقض واضح .. نرفض الاستمتاع والتذوق للموسيقى، بل يصل بنا الحال إلى العذاب منها، ونستخدم في كل دقيقة في حياتنا أشياء من صنع وإنتاج غير المسلمين عبر تجارة واستثمارات مبنية أساساً على القروض والمرابحات البنكية، ابتداءً من إبرة الخياطة ومروراً بقماش الكفن والكافور والأعشاب والمقويات الجنسية وحبوب الهلوسة، إلى أن نصل إلى الحاسوب والسيارة والطائرة، كلها منتجات أجنبية تماماً.. إن وجدت صناعات عربية هنا أو هناك، سنجد أنها بخبرة وإشراف أجنبي .. أو تقليد سيء لمنتج عالمي !!

ماذا نعمل نحن؟! غير الاستهلاك والتعاطي الأعمى، والسطحي لكل ما يصل إلينا من سلع يتفنن أصحابها لتلبية حاجاتنا، بعد قيامهم بدراسات متخصصة لنفسية المواطن الغلبان الحيران بين الجنة والنار، الذي يكابد الحياة ويعيش حالات من العوز والفاقة، يضطر معها إلى مواكبة كل الأطروحات والبدع الجديدة التي لو أن أصحابها سخّروا مهاراتهم الخارقة في تطوير الحِرف الصناعية، أو الزراعية، لكان حالنا أفضل مما هو عليه الآن!!

المطلوب من شبابنا؛ تنمية عقولهم ومداركهم، وعدم القبول أو الرفض لأي فكرة أو مشروع إلا بعد التفكير العميق، وتكوين رأي أو موقف مبني على المنطق السليم .. ولأجل ننفتح على العالم؛ فلابد أن نسمع ونقرأ ونتعاطى مع الأفضل والأنفع مما يصلنا من الإنتاج الثقافي والفني والإنساني، مثلما نستهلك السلع الاستهلاكية الهائلة التي تعج بها الأسواق. كان العرب والمسلمون ـ قبل أكثر من ألف سنة ـ روّادا في العلوم والفلك والفن والطب والفلسفة، وكانت العاصمة الإسلامية (بغداد) مدينة العلم الأولى في العالم .. ولكن؛ أنهار كل شيء، وأُحرقت الكتب والمؤلفات العلمية، وهرب العلماء إلى أوروبا وبعض الدول، بعد أن أصدرت فتاوى تصف الاشتغال بالعلم أنه "رجسٌ من عمل الشيطان"!!

إننا ـ وعلى مدى ألف عام ـ لم نستوعب الدرس، لا نزال نفكر بالعقلية نفسها!، بل إن التخلف (عن العلم) أصبح ـ عندنا ـ ثقافة وإبداعاً ونظريات وتجارة وربحاً وخسارة .. تحول الإنسان إلى كائن بيولوجي بحت، يأكل وينام ويتناسل! وقُضي على كل شيء له علاقة بالوجدان .. أصبح الفن (منكراً)، والتذوق الجمالي الراقي رذيلة!!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص