آخر تحديث :الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 - الساعة:12:14:34
ضوابط التكفير أم التفكير ؟!
فائز سالم بن عمرو

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

في أمسية أدبية في أروقة اتحاد الأدباء والكتاب احتشد نقيض غريب مما يسمى مثقفون ونخب وضيوفهم مما يسمى السلفيون أو جماعة الإسلام السياسي يتربصون لمناقشة قضية خلافية مثل معظم قضايانا السياسية والاجتماعية والأدبية والدينية والمذهبية ، وحينها شرعت جماعة من الضيوف توزع كتيبا صغيرا يتوسطه عنوان مذهب وجميل يحمل اسم " ضوابط التكفير " ، فانبرى احد المثقفين ممازحا وناقدا مطالبا بأدب جم قائلا " نحن نحتاج لضوابط للتفكير وليست ضوابط للتكفير " .

هذه اللفظة البسيطة " فِكر وكُفر " فضحت النخبة وكشفت هشاشة المجتمع وعرّت ثقافته المجتمعية التي تختزل بين حرفي " الفاء والكاف " فإذا تقدّم حرف الفاء دلّ على الرقي والتطور والتفكير والتنوير ، أما إذا تقدّم حرف الكاف اشتعلت الدنيا دمارا وإقصاء وبغضا وأحقادا ودما أسود يراق في عبثيات التاريخ وصراع المصالح ، حياتنا ومواقفنا واتجاهاتنا وآراؤنا تتنازعها ثنائية مقيتة قائمة على معادلة متناقضة مفادها : صحيح وخطا ، كفر وفكر ، قتل وسلام .

تغزونا بعض الجماعات الإسلامية بخطاب متعالٍ مفرداته التهديد والوعيد والخضوع والانقياد ورفض التفكير والنقاش ؛ وان ادّعى عقلاؤهم وحكماؤهم وضع قيود وضوابط للتكفير والإقصاء ، واقتضت منظومة الصراع على المصالح تعميم التكفير والإقصاء الديني ليطال التكفير المجتمع والسياسية والثقافة . لا يستطيع أي عاقل المجادلة والنقاش بان التكفير والولاء والبراء أصل من عقيدة المسلمين ، ولكن مثل تلك القضايا العقدية والفقهية الخطيرة والدقيقة التي تحلِّل رقاب ودماء وأعراض وأموال المسلمين وغير المسلمين تناقش وتعالج في أقسام الجامعات التخصصية والمجامع الفقهية ، لا تكون مادة متاجرة ومزايدة وصراع ديني وطائفي ومذهبي في منابرنا ومساجدنا ومدارسنا ومناهجنا ومجالسنا ووسائل إعلامنا ؛ ليصير مجتمعنا وأوطاننا ومواطنينا نهبا للتكفير والتفسيق والتصفية ، وتتعمّد ثقافة التكفير وتنتهجها مجتمعاتنا العربية والإسلامية وسيلة حياة .

النخبة المثقفة والناطقة باسم المجتمع تحلِّق في سماء الخيال وتبشر مريديها والمجتمع بضرورة وضع شروط و" ضوابط للتفكير " ، وكأننا أمة عرضت قضايا المجتمع ومشاكله ومعضلاته للنقاش والحوار ، واخترنا التفكير والبحث العلمي شعارا يسطِّر حياتنا ، ويتحكم بنهجنا وطريقة علمنا وسلوكنا الشخصي والمجتمعي . أيتها النخبة المثقفة علينا الإبحار كثيرا والانطلاق من الصفر لتأسيس بدعة اسمها التفكير والإبداع ، فمجتمعنا يحبو على مواد الكبار والغرب ، وجامعاتنا ومدارسنا ومناهجنا تكفِّر التفكير واستعمال العقل ، وتفرض على طلابها الإتباع والخضوع ، كما أن مجتمعنا ونخبه تبدّع التفكير وتحضره وتخضع صاحبه لكل العقوبات المجتمعية والسياسية تحت الفصل السابع! .

المشهد المجتمعي ونخبه تعلوه قتمة سوداء ، فالفجوة تكبر وتتسع بين سلوكنا ومعاملاتنا وبين قيمنا وأخلاقنا المحفوظة في ديننا وتاريخنا البعيد ،الطريق طويل وشاق ويحتاج منا كأمة ومجتمع ونخب أن نغلب ثقافة وسلوك الحوار والتسامح وقبول المخالف ، إذا أردنا أن يتذاكر أجيالنا بان هناك شيئا اسمه وطن ومواطن ؟! .           

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل