آخر تحديث :الاربعاء 27 نوفمبر 2024 - الساعة:23:49:35
عدن السكان التعايش الأديان
علي ناصر محمد

الاربعاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

منذ بداية الاحتلال البريطاني في سنة 1839، صارت عدن نقطة انطلاق للرحلات الاستكشافية والإستخبارية والتبشيرية التي كان الغربيون يقومون بها في سواحل شرق أفريقيا، فخلال القرن التاسع عشر انحصر الوجود الغربي في عدن في الجنود والموظفين الحكوميين وعدد محدود من التجار الذين فتحوا في عدن فروعًا لشركاتهم الضخمة، وذلك بغرض تنظيم حركة التجارة والملاحة بين أوروبا وسواحل أفريقيا والهند والشرق الأدنى. ويذكر سيمونان أن الإنجليز، بفضل فعالية وكلائهم الفارسيين، يأتون في المرتبة الأولى بين التجار الغربيين. أما الفرنسيون، فقد كثفوا وجودهم التجاري في عدن بعد افتتاح قناة السويس وتأسيس شبكة خطوط الملاحة الفرنسية. وقد ازدهر عدد من الشركات الفرنسية التي تعمل في عدن مثل شركة فياني- مازاران- بارديه وشركة أنتوني بس، بالإضافة إلى ذلك منذ نهاية ستينيات القرن التاسع عشر أسهم الفرنسيون في إنشاء الفنادق الكبيرة في عدن، ففي سنة 1867م، قام تيان سويل بافتتاح "فندق الكون الكبير" في التواهي.

وفي بداية القرن العشرين تضاعف حجم العنصر الغربي في عدن مع تصاعد أهمية عدن كقاعدة عسكرية وزيادة عدد الشركات التجارية الغربية التي لم تعد قادرة على الاكتفاء بالموظفين الهنود واضطرت إلى جلب عدد كبير من الموظفين من أوروبا. فأنتوني بس مثلاً كان يُحضِر معظم سكرتيريه ومُديريه من فرنسا وبريطانيا. ومن الطبيعي أن تؤدي زيادة عدد الأوروبيين في عدن إلى ظهور بنية تحتية غربية في عدن، كالكنائس والمدارس والنوادي والمسارح، ومنتجعات جولد مور ومعاشيق، و.. بعض الخلايا الماسونية.

كان الهنود سنة 1861، بغالبيتهم المسلمة، يشكلون أوسع جالية في عدن. ولا شك أنّ أفراد كتيبة المشاة المستقرة حينئذٍ في عدن، قد أسهمت في توسيع هذه الجالية. لكن الباحث الفرنسي لويس سيمونان يفسر كثرة الهنود المسلمين في عدن بأسباب أخرى تتجاوز السياسة البريطانية، حيثُ يكتب: "لقد توقف الهنود في هذه المدينة العربية في طريقهم إلى الكعبة، أو عند عودتهم من الحج الذي هو واجب على كل المسلمين. وتبدو عدن محطة مريحة وجذابة لمسلمي الهند، فينصرف كثيرٌ منهم إلى الأعمال المربحة فيها". ومع ذلك يتكوّن جزء لا بأس به من الهنود في عدن من الهندوس "البانيان" الذين يعملون في التجارة، بينما نجد أنّ معظم الهنود الذين يعملون جنوداً أو موظفين في الجيش البريطاني من المسلمين. وقد أثار ارتفاع عدد الهنود في مدينة عدن التي تقع في شبه جزيرة العرب دهشة الرحالة الفرنسيين. فعالم الاجتماع آرثر دي غوبينو، مثلاً، بعث برسالة لأخته في 5 مايو 1855، كتب فيها: "في عدن شــاهدنا مدينة هندية فوق أراضٍ عـربية، وســط الصخور". 

وفي الحقيقة، منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، اكتسبت عدن بعض سمات المدينة الهندية التي تميزها من بقية المدن في الجزيرة العربية. وقد أسهب عالم الاجتماع آرثر دي غوبينو في تقديم مختلف فئات الهنود في عدن من منطلقات أثنولوجية، فهو يقول: "لقد كنّا نعتقد أننا في الجزيرة العربية، لكن كم كانت دهشتنا كبيرة! فعند دخولنا أحد الشوارع وجدنا أنفسنا وسط الهند"

ونتيجة لهذا الطابع الهندي يؤكد بول موراند، في كتابه "طريق الهند"، أنّ المسافر القادم من أوروبا لا يكتشف الشرق إلا عند وصوله إلى عدن "فسوقها يقدّم للمسافرين القادمين من أوروبا عيّنات - فاتحة للشهية- من عجائب الهند، ويسمح للعائدين بشراء ما لم يتمكنوا من شرائه هناك. فقاعات البيع الكبيرة التي يمتلكها الفارسيون في التواهي تضاهي تمامًا الدكاكين الضخمة في بومباي".

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل