آخر تحديث :الخميس 02 مايو 2024 - الساعة:01:36:08
أزمات الحكومة الإتحادية في المانيا الى اين تتجه بوصلتها
محمد مرشد عقابي

الخميس 20 مايو 2020 - الساعة:23:54:05

 

بعد استقالة "أنغريت كرامب كارينباور" الخليفة المفترضة للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل حلت أزمة سياسية بالحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، تحاول أنغيلا ميركل مرة أخرى إدارة هذه الأزمة لكن منذ ذلك الحين تزايدت الشكوك حول نجاحات الحزب الألماني الحاكم، وكانت أنغيلا ميركل مستشارة لألمانيا منذ عام 2005م حتى يومنا هذا، و تولت رئاسة الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) منذ 20 عاماً، ويعزى نجاح أنغيلا ميركل إلى حد كبير إلى قدرتها في تشكيل تحالف بين حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والحزب الديمقراطي الإجتماعي الألماني (SPD) الإتحاد الإجتماعي المسيحي في بافاريا (CSU).

ومع صعود الشعوبية واقتدار الأحزاب الوطنية في أوروبا واجهت مكانة هذا التحالف تحديات كبيرة ايضاً، ففي انتخابات البرلمان الأوروبي على الرغم من هزيمة الأحزاب القومية الألمانية انخفضت اصوات الحزب الديمقراطي الألماني إلى أقل من 16% كما انضم بعض أعضاء اليمين في الحزب الديمقراطي المسيحي إلى منافسهم الأكبر اي البديل من أجل ألمانيا (AfD)، وتفاقمت الأزمات منذ ان هزم التحالف الذي يضم حزب أنغيلا ميركل (CDU) والحزب الإجتماعي الديمقراطي (SPD) في انتخابات ولاية هيس في غرب المانيا العام الماضي، حيث خسر هذا التحالف في هذه الولاية عشرة بالمائة من أصواته بحيث لم يسبق لهذه النتيجة ان حصلت في الولاية منذ عام 1946م، وبعد هذه الانتخابات أعلنت أنغيلا ميركل أنها لن ترشح نفسها في انتخابات 2021م، من بين الخيارات الثلاثة التي ستخلفها، وفازت "أنغريت كرامب كارينباور" على منافسها الرئيس وخصم ميركل التقليدي اي السيد "فريدرش ميرتس" بـ 517 صوتاً من اصل 999 صوتاً في انتخابات نوفمبر الماضي، وبعد هذه الانتخابات تعززت آمال جناح اليمين المعتدل في ألمانيا الى حد ما، وكانت "أنغريت كرامب كارينباور" في السابق أمينة عامة لهذا الحزب ولديها سجل حافل في البرلمان الاتحادي الألماني كشخص براغماتي لهذا الحزب، وتعرف أيضاً باسم "ميركل الصغيرة".

من جهة أخرى وفي 30 من نوفمبر 2019م عندما تم انتخاب "زاسكيا اسكن" و "نوربرت فالتر بوريانس" لزعامة الحزب الإجتماعي الديمقراطي الألماني (SPD) عارضا تحالف هذا الحزب يعتقد الجناح المعارض للحكومة الإتحادية بين الإشتراكيين الديمقراطيين أنه يتعين التفاوض مع الديمقراطي المسيحي (CDU) والحزب الإجتماعي المسيحي (CDU) وتقديم شروط جديدة لمواصلة الائتلاف، وتشمل هذه الشروط الإستثمار بالمليارات في المناخ والبنية التحتية بالإضافة إلى ذلك يطالبون زيادة الحد الأدنى للأجور وتصل إلى 12 يورو في الساعة، هذه الخلفيات السياسية والحزبية التي خلقت تحدياً في الأحزاب المتحالفة كانت تنتظر شرارة صغيرة لتكشف عن العيوب والمخاوف بشأن مستقبل الائتلاف وتقسيم السلطة في هيكل الحكومة حيث وقعت هذه الشرارة في ولاية تورينغن، وتمكنت تكتلات الحزبين الديمقراطي المسيحي والليبرالي من اجل الإطاحة بالزعيم اليساري للحكومة الائتلافية لولاية تورينغن بودو روميلو من انجاح مرشح الحزب الديمقراطي الحر "توماس كمريش" عبر تحالف غير رسمي مع حزب البديل من اجل ألمانيا (AfD) بينما جميع الأحزاب الديمقراطية الألمانية قد تعهدت في السابق بعدم التحالف مع حزب البديل من اجل ألمانيا ابداً لأن التحالف مع هذا الحزب كان ينظر إليه على أنه انتهاك لمبادئ الليبرالية والديمقراطية.

الى ذلك كانت الأزمة القائمة بمثابة اختبار لتقييم قدرة كارينباور لرئاسة حزب الإتحاد الديمقراطي المسيحي ومنصب المستشارة المستقبلية، وبعد انتخابها رئيساً للحزب تحملت النقاشات والإنتقادات بحيث أنها بحلول نهاية عام 2019م خاطبت اعضاء حزبها وقالت إما ان يقوموا بدعمها أو عزلها من هذا المنصب الذي ينتظرها بعد أزمة تورينغن، وكان اول رد فعل لـ كارينباور هو إعلان استقالتها في المستقبل القريب.

وأعلن متحدث باسم الحزب الديمقراطي المسيحي الألماني هذا الأسبوع أن كارينباور قد أعلنت خبر استقالتها في مقر رئاسة هذا الحزب، حيث أعلنت كارينباور أنها ستخطط لملف انتخاب مرشح هذا الحزب لمنصب المستشارة هذا الصيف وستعد حزبها لهذا الأمر وقد أثار هذا الامر جشع خصم ميركل التقليدي فريدرش ميرتس الذي استقال من وظيفته في أكبر شركة استثمار والمعروفة باسم بلاك روك ألمانيا ليعد نفسه لخلافة كارينباور ومنصب المستشار مستقبلاً، ويعتقد بعض مؤيدي "فريدرش ميرتس" أن في رئاسته سيعود أعضاء اليمين الذين انضموا إلى الحزب البديل من اجل ألمانيا المنافس، الذين يروا ايضاً بانه ومع رئاسة ميرتس سيدمر كل ما كانت ميركل تفعله منذ سنوات لأن استراتيجية ميرتس الحزبية مختلفة تماماً عن ميركل وكارينباور.

وتعليقاً على طلب استقالة كارينباور اعربت ميركل عن شكرها لها، وطلبت منها البقاء في منصب وزير الدفاع لكن ميركل سرعان ما تابعت إدارة الأزمة حيث اخرجت كريستيان هيريت وزير الدولة للشؤون البرلمانية والولايات الشرقية، كما استقال توماس كامريش أيضاً من منصب رئيس وزراء مقاطعة ولاية تورنغن الشرقية.

واكدت بعض الترجيحات بان استقالة وزير الدولة للشؤون البرلمانية للحكومة الفيدرالية ورئيس وزراء تورنغن خفف وطأة الخطأ السياسي بعض الشيء لكنها لم تقنع بعد زعماء الحزبين الديمقراطي المسيحي والإجتماعي الديمقراطي،  وقال نوربرت فالتر بوريانس زعيم الحزب الاجتماعي الديمقراطي "يتعين على كارينباور أن تعلن للجنة الائتلاف عن ما هو الدور الذي لعبته في أحداث تورينغن" ويتهم الحزب الإشتراكي الديمقراطي الحزب الديمقراطي المسيحي بأنه وقع عن عمد في فخ حزب اليمين المتطرف.

ويرى الأمين العام للحزب الديمقراطي الإجتماعي الألماني أن كارينباور قد فاقمت الفوضى الموجودة وقالت "ساسكيا اسكن" وهي زعيمة اخرى للحزب الديمقراطي الإجتماعي إنه في ظل هذه الاتجاهات تضررت العلاقات القائمة على الثقة في التحالف الكبير بين القوى السياسية الالمانية وفي الوقت نفسه دعت كارينباور الحزب الديموقراطي الإجتماعي والخضر في تورينغن إلى تقديم مرشح لمنصب رئيس وزراء هذه الولاية لكن اليسار والحركة الخضراء ردوا على هذا الطلب بتوجيه الانتقادات، ويعتقد رئيس تكتل الخضر أن السيدة كارينباور ليست في وضع يمكنها من تقديم الاقتراحات أو الطلبات لذلك إن السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السياسية يعتمد على قدرات ميركل وشخصيتها.

ميركل التي تتمتع بسجل حافل في حل النزاعات الحزبية والائتلافية ومن جهة اخرى تحظى بشعبية واسعة في المجتمع الألماني وأعضاء حزبها تسعى بعد عقد اجتماع طارئ لحل الأزمة السياسية كما أعلن الزعيم البرلماني لتكتل الحزب الإشتراكي الديمقراطي الألماني أن مهمة أنغيلا ميركل الآن هي اعادة النظام إلى الحزب الديمقراطي المسيحي ويقول ان كارينباور لا قدرة لها على القيام بذلك لهذا فان مستقبل الحزب الديمقراطي المسيحي (CDU) و بديل كارينباور رافقه تحدياً خطيراً لان اليمين في ألمانيا وصلوا إلى البرلمان للمرة الأولى هذا من جهة ومن جهة أخرى حزب الخضر القوة القوية الناشئة والتي هي أحد الخيارات الجديدة والقوية لتحقيق التوازن ضد اليمين في ألمانيا ادارت ظهرها لـ كارينباور.

على ذات الصعيد تتزايد مخاوف الأحزاب المتحالفة من أن تحالفهم حول كارينباور يرتكز على ضمان الحصول على حصة عادلة من المناصب السياسية والوزارات خلال فترة توليها منصب المستشارة، ويرى البعض من هذه الأحزاب بانه حتى لو قامت ميركل بتهدئة الوضع فإن كارينباور هي التي يجب ان توفر هذا الضمان بأنها ستوزع المناصب السياسية بصورة عادلة.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص