- الشرطة الألمانية تعتقل نجل أمين عام الإصــلاح
- من فصول الدراسة إلى العمل الشاق.. واقع مؤلم لمعلمي لحج
- أسعار صرف الريال اليمني صباح اليوم الثلاثاء 19 نوفمبر
- أسعار الخضار والفواكه في العاصمة عدن اليوم الثلاثاء
- اسعار المواشي المحلية في العاصمة عدن اليوم الثلاثاء
- أسعار الأسماك اليوم الثلاثاء فى العاصمة عدن
- درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء في الجنوب واليمن
- أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 19-11-2024 في اليمن
- أسعار الذهب اليوم الثلاثاء 19-11-2024 في اليمن
- الرئيس الزُبيدي يزور مقر قيادة القوات المشتركة بالعاصمة السعودية الرياض
الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00
كل هذا النزيف والعنف والحروب والخراب ، وكل هذه الثورات والانتفاضات والمطالبات السياسية المشاهدة اليوم وفي أكثر من بلد عربي ، أعدها نتاج لغياب دولة المواطنة ،فحين غابت الدولة الوطنية العادلة الجامعة لكل مواطنيها ؛ كان ولأبد من بروز استحقاقات مجتمعية مختلفة ، تجلت بمطالبات طائفية وأثنية وجهوية ولغوية وفئوية .
فالحال اننا ازاء اقليات عرقية ودينية ومذهبية ومجتمعية ظلت طوال عقود وقرون تعاني من التهميش والاقصاء والاغتراب الداخلي في بلدانها ، ما أفرزت في النهاية الحالة الراهنة المشاهدة في العراق وسوريا واليمن ولبنان والسودان ومصر وليبيا وغيرها .
ولا تقتصر ازمة هوية الدولة على جمهوريات الربيع العربي ، وانما تشمل هذه الازمة الدول الجمهورية او الملكية الأخرى التي وان نجت من تسونامي طال ولأول مرة رأس النظام السياسي ، لكن ذلك لا يعني انها ليست حاملة في احشائها لتلك الازمات المجتمعية الطافحة الآن بقوة وحيثما توافرت لها اللحظة التاريخية كيما تعبر عن نفسها وبمختلف الوسائل المتاحة لها .
نعم ، شيء محزن ، ومفزع في ذات الوقت ، فمهما بذلت من عناء الجهد والتفكير ، فانك لا تعثر على دولة عربية واحدة تستحق ان تكون نموذجاً ديمقراطياً أو انسانياً أو اقتصادياً أو عسكرياً .
فما من دولة عربية واحدة يمكن اعتبارها دولة مواطنة ، فجميعها الجمهورية والملكية تماثل بعضها ، من ناحية تخلف الدولة واجهزتها التي مازالت تتفرد بالقمع والجبروت ومنطق الاخضاع والاذلال للأقليات المكونة لنسيج المجتمع ، وكذا من جهة رفضها المطلق لأن تكون مجتمعاتها متساوية ومتشاركة في كامل الحقوق والواجبات السياسية والاقتصادية والدينية ودونما فروقات او تمايز .
فسواء كانت اقليات اثنية او جهوية او مذهبية او طائفية ، فان انظمة الحكم السابقة او الحالية لا يبدو انها تحررت او ستتحرر من هيمنة العقلية العصبية المسكونة بالتسلط والاستعباد ورفض قيم ومبادئ الدولة الحديثة .
فحيثما ذهبت ووليت وجهك في وطننا العربي الكبير في مساحته وكثافته وموارده ، فلا تعثر الا على مجتمعات ينهش بها الاستبداد والفساد والاضطهاد بكل اشكاله وصوره القبيحة .
فهذه المجتمعات المتناثرة الممتدة من المغرب وموريتانيا على ضفاف المحيط الاطلنطي غربا وحتى سلطنة عمان واليمن الواقعتين على المحيط الهندي شرقاً ، جميعها لم تبرح مرابع العشيرة والقرية والطائفة والقبيلة وحتى السلالة النقية ،كما ولا تستحق ان نطلق عليها مجتمعات مدنية متحضرة منتمية للحضارة الانسانية المعاصرة ، شأنها شأن الشعوب الاخرى في اوروبا او امريكا او اسيا .
دعكم من مقدمة ابن خلدون ، ونظرته الفاحصة الثاقبة ،عن جلافة وغلظة البدو العربي النازع في طباعه لحياة البداوة ورفضه للتمدن ، بل ومقاومته الشديدة للنظام والتحضر ، فالمشكلة لم تتبدل او تتغير بتغير الازمنة والامكنة ، اذ مازالت كامنة في عقلية التسلط والهيمنة الذكورية على كامل العشيرة والقوم ، وان اتخذ الحكام القصور الفخمة بدلا من الخيمة والطائرة بدلا عن الحصان ، والشعب بدلا من القبيلة والعشيرة ، ففي المحصلة العقلية هي ذاتها الممانعة لكل اشكال التحديث والتطور .
احدثكم هنا عن دول كاثرة معترف بها في الأمم المتحدة ، ولدى كل واحدة منها علمها ونشيدها وجوازها وجنسيتها وحاكمها وجيشها وحكومتها ووالخ . لكنها ، ويا للأسف ، دولاً هشة ضعيفة ، وقد اثبتت تجربة العقود المنصرمة ، كم هي وهنة وغير محتملة لتظاهرة مجتمعية مطلبها الخبز والزيت والماء والدواء .
كما وبرهنت الاحداث حقيقة ان الدولة الهشة الضعيفة لا يمكن ان يعيش فيها غير مجتمع هش مفكك ومتناحر وغير مستقر ، وان ركب احدث الصناعات اليابانية او الكورية او تملك جيشه لأحدث الاسلحة الامريكية او الروسية او الفرنسية .
وكل هذا الوهن ما كان سيظل صفة ملازمة لمجتمعاتنا لولا هيمنة العقلية البدوية المتسلطة التي تأبى التطور المتحرر من اغلال القرون الماضية، وكذا بسبب ان مجتمعاتها -وبرغم محاولاتها القليلة المتعثرة – لم ترتق بعد الى مصاف المجتمعات الفاعلة والمؤثرة في صناعة قرارها الوطني والانساني ، فبرغم محاولاتها تلك الا أنها في المحصلة اخفقت في اقامة دولة المواطنة ، باعتبارها جوهر الازمات السياسية المتفجرة طوال مسيرة الدولة الوطنية .
وحين اخفقت في ان تكون مجتمعات فاعلة ، كان ولابد ان تفشل في ان تكون مجتمعات حاضرة ومساهمة في صناعة الحضارة الإنسانية .
السؤال القديم الجديد هو : هل ستكون الاحداث الدراماتيكية الحاصلة ستفضي لدولة مواطنة في نهاية المطاف أم انها ستخلق واقعا مغايرا أقل ما يوصف بانه مكرساً لدولة الغلبة الطائفية والسلالية والجهوية والمذهبية ؟ .
فلا أخشى أكثر من الغدر بهذه الثورات الشعبية ، فبدلا من تنال مبتغاها وتحقق دولة المواطنة المتساوية لجميع الفئات ودونما استثناء ، تعيدنا جميعا الى دولة الحاكم المطلق ، والى سلطاته القمعية البوليسية ، والى دولة الغلبة والجبروت .
اعتقد ، بل اجزم ، انه وما لم تكن حصيلة هذه الثورات والحروب والمآسي ، دولة مواطنة ولكل المواطنين وعلى اختلاف اعراقهم ومذاهبهم ولغاتهم واديانهم وافكارهم ومشاربهم السياسية ؛ فانه يستحيل احلال السلام والتعايش والتنمية والتطور وسواها من مفردات الحضارة الانسانية .