آخر تحديث :الخميس 28 نوفمبر 2024 - الساعة:01:01:13
خذلتم جعفر فلا تبكوه..
منصور صالح

الخميس 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

في مثل هذا اليوم ارتقى اللواء /جعفر محمد سعد شهيداً ،كان يومها محافظاً لعدن ،المدينة المنكوبة التي كانت حينذاك تشبه مدن الأشباح في أفلام الأطفال، مثّل حادث مقتل جعفر الشغل الشاغل لكل وسائل الإعلام ،

لكن على الأرض في عدن كان الواقع مختلفاً جداً ، خجلت يومها أن أقول لقناة "سكاي نيوز" وهي تسألني : إنني لم أجد في مكان استشهاده جندياً واحداً ليحرس على الأقل بقايا جسده المحترق؟! .وأن كثيرين من الذين تواجدوا في المكان لم يكن يهمهم استشهاد جعفر بل مشغولين في البحث عن شيء يمكن أخذه كغنيمة مسدس آلي ،بقايا فلوس لم تتحول إلى رماد؟!!!.

كان ما شاهدناه في مسرح الجريمة منظراً بشعاً و مؤلماً يكاد يساوي في بشاعة وألم سقوط جعفر ، تصوروا لقد شاهدنا رجالاً يتمنطقون سلاحاً على ظهورهم وهم يجرون بقايا من حديد سيارة جعفر!! .

خلال شهرين هي فترة توليه للسلطة في عدن ،ظل الشهيد جعفر ،يعمل وحيداً في الميدان ، من أزمة الكهرباء إلى أزمة الماء إلى الاختناق الحاد في غاز الطبخ ، كان يدرك أنه سيقتل في أي لحظة ،لأنه يعمل في حقل ألغام قابلة ومستعدة للانفجار في أي لحظة .

في ندوة أقامها مركز مدار للدراسات ، والهيئة الأكاديمية الجنوبية وكنت أتولى إدارتها ، طلبت إلى اللواء جعفر أن يتحدث قال : لا داعي ، قلت : طالما حضرت فلا بد إن نسمعك. ،  ابتسم بخجل وتحدث بهدوء قائلاً : " أبشركم كل الأمور تمشي إلى خير واليوم اتخذنا معالجات يمكنها أن تؤدي لانفراج أزمة الغاز ، وكل ما أطلبه أن تساعدونا في عملنا كلٌ من مجاله".

غادر جعفر القاعة تاركاً في قلوب الجميع انطباعاً استثنائياً مختلفاً عما كان عليه انطباع الكثيرين قبل دخوله ،وكانت تلك آخر مرة نشاهده فيها رحمة الله عليه.

ظل جعفر يصارع ويعاني وحيداً دون أن يساعده أحد ، حتى جيوش المفسبكين المتباكين عليه اليوم كانوا مشغولين في البحث عن مبررات لإدانته والسخرية منه ، لأنه لم يكن يستطيع دخول مبنى المحافظة الواقع تحت سيطرة المقاومة ،ولا دخول الميناء ولا المطار ، لأن كل المليشيات المحسوبة على المقاومة يومها كانت تشهر أسلحتها في وجهه البريء ،كان المفسبكون ينتقدون جعفر ولا يجرؤون على انتقاد المليشيات.

كلهم خذلوا جعفر في حياته ،شرعية ومقاومة و ناشطين ومواطنين ،وبعد موته يتسابقون لتلميع أنفسهم بادعاء أنهم يحملون مشروع جعفر وفكر جعفر ومدنية جعفر وروح جعفر! .

هي مأساة الجنوب وعدن أنهما للأسف لا يعرفان قيمة الرجال من أبنائهما إلا بعد رحيلهم ،فتبكيان عليهم بحرقة وندم حيث لا ينفع الندم.

في لحظة حاجته لهم خذل الجنوبيون جعفر ، لينفرد به المجرمون ،ليسقط ضحيتنا نحن ، لا ضحيتهم ، ولم يكن جعفر أول من خذلناه فقد خذلنا قحطان وفيصل عبداللطيف وسالم ربيع وعلي عنتر وعلي شايع وفاروق علي أحمد ،فمتى نفيق لنحافظ على ما تبقى لنا من رجال صادقين؟!! .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل