آخر تحديث :الجمعة 03 مايو 2024 - الساعة:01:08:19
الجنوب بين تغييب الخارج وقهر الداخل ؟؟!
د. فضل الربيعي

الجمعة 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

حين يثور الشعب في الجنوب ينادي في تمسكه بهويته الوطنية والمطالبة باستعادة سيادة دولة الجنوب المستقلة ، فذلك  لا يعني  التخلي عن الهوية العربية الجامعة التي تجمعه مع دولة الشمال وبقية الدول العربية. 

 لان الجنوب في الأصل دولة  مستقلة في التاريخ الحديث والمعاصر  إلى قبل عشرين عام ، قبل دخوله في مشروع وحدة غير مدروسة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية تم الانقضاض عليها بالحرب عام 1994م ، انتصر فيها طرف الجمهورية اليمنية وحول  جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية  إلى دولة  تابعة للعربية اليمنية . بينما كانت اليمن الديمقراطية كدولة حاضرة في الشأن العربي والعالمي  في الماضي . ومن أرضها انطلقت  الدعوات القومية في المراحل السابقة، وانفتحت دولة الجنوب  على محيطها  العربي وعلاقاتها بالخارج اكثر من دولة " الشمال" الجمهورية العربية اليمنية، وفي عدن عاصمة الدولة تواجدت ونشطت عدد من حركات التحرر العربية، وفيها أقيم أول مهرجان لتأسيس الدولة الفلسطينية. 

الجنوب في الأصل دولة عرفت بجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم اليمن الديمقراطية الشعبية ولم ترتبط بدولة الشمال إلا في عام 1990 م عندما دخلت بمشروع وحدة بين الدولتين الجارتين ةفشلت هذه الوحدة كسابقاتها في المنطقة العربية ، لأنها لم تستند على اُسس علمية  بل قامت تحت تأثير الوعي الزائف الذي حملته الذهنية السياسية ، عندما كانت الحركات القومية تهتم  بمبادئ العدالة الاجتماعية ومفاهيمها وترسيخ الهوية القومية.  وفي الواقع كان الفكر القومي يمارس كشعار بعيدا عن الواقع الفعلي في الاقطار العربية ، وتحت هذا التاثير وقع الجنوبيون ضحية هذا الوعي  الزائف حيث ذهبوا لوحدة لم تراعي التناقض والاختلاف بين الشعبين والنظامين في اليمن ولا فارق السكان الكبير بينهما ولا الثروة . لذا كان الجنوب ضحية  هذا الوعي القومي الوحدوي وضحية للصراع العالمي بين القطبين الذي انتهى بسقوط احدهما وهو  الحليف للجنوب .
 لذا شكلت الوحدة في هذه الحالة فخ كبير نصب للجنوب بهدف الاستحواذ على موارده ، وهذا أكدته كل الممارسات التي مارسها نظام صنعاء بعد الحرب  فالحرب قضت في الواقع وفي النفوس على الوحدة وحولتها إلى احتلال خلفّ الظلم والقهر و ضرب الهوية الوطنية للجنوب وتجاه ذلك  نما وعيا جديدا رافضا لهذا القهر والالغاء إذ وجد الجنوبيون أنفسهم بين معاناة التظليل الوحدوي والقهر الاجتماعي والسياسي الذي يمارسه  نظام صنعاء (نظام القوة ) فهو اليوم يناضل في سبيل التخلص  من الفكر الوحدوي الزائف الذي ولد الاستبداد والفقر،  عندما انتفض المجتمع  ينادي بالتحرير والاستقلال فمثلما نادي بالأمس بالتحرر والاستقلال من الاستعمار الأجنبي هو اليوم ينادي بالتحرير والاستقلال من احتلال نظام صنعاء  أي الاحتلال باسم الوحدة .

وهذا يتطلب التفهم  من قبل الاخوة العرب لوضع الجنوب  فو الشعب الوحيد المحتل الذي لا يعرف انه محتل  وهو الأمر الذي منع أي تعاطف أو الوقوف مع نضال الشعب في الجنوب من قبل بعض الساسة والأنظمة العربية  وما يزيد من هذا الالتباس وغياب الموقف المساند لحق الشعب في الجنوب هو طبيعة الأنظمة العربية الاستبدادية نفسها التي ترى بالثورات وبالتحر  خطرا يهدد عرشها ويشجع حركات التمرد داخلها قد تطالب بالانفصال إلا أن الحقيقة الغائبة أو المغيبة عند هؤلا هي أن وضع الجنوب ليس وضع داخلي كما هو في أي دوله عربية أخرى، بل قضية الجنوب هي قضية وطن ؟ واقرب صورة لفهم الوضع في الجنوب هي الحالة الكويتية  عندما تم عزو الكويت من قبل نظام صدام حسين (العراق) مع الفارق بأن هذه الحالة لم تسبقها خديعة الوحدة بل تمت بصورة مباشرة ولان طرف دولي كان رافضا لها وقف العرب مع شعب دولة الكويت وطرد المحتل العراقي من الكويت. أن ما جرى في الجنوب اذا ما أخذناه بمعزل عن خديعة الوحدة 1990 وتعاملنا مع الوضع الذي نشأ في 1994 فهو تماما كما حصل في الكويت عندما اجتاحته قوات العراق ونظام صدام  وسميت هذه بحالة الاجتياح أو الغزو ولو افترضنا عدم تدخل العالم والبلدان العربية وبقى صدام في العراق لعمل ما عمله نظام صنعاء في الجنوب ،  وبقي الفرق بين نظام صنعاء ونظام العراق . هو ان الأول دخل الجنوب ولم يخرج والثاني دخل الكويت وخرج بسرعة .

لذا كان وما زال نظام صنعاء الذي تمرس  في سياسة المراوغة والكذب والتضليل على العالم استطاع  ان يصور للعالم وجود دولة  في اليمن بينما في الواقع اليمن  مازال يراوح النزاع والتعايش بين الجماعات الاجتماعية والطائفية والسياسية وهذا ما يفسر نشوب ستة حروب في صعده من 2004 إلى 2009 م وأخرها ذلك الصراع الذي بين أجنحت السلطة في عام 2011م والذي أزاح بصالح كشخص وبقاء قوته ونظامه التي تحالفت اليوم مع مليشيات الحوثي  لتنفيذ اجندة  خارجية ارادت زعزعت الامن في المنطقة .

 وفي الجنوب ظهر الحراك السلمي الشعبي المتصاعد الذي بدا بعد اجتياح نظام صنعاء للجنوب في 1994 والذي تجلى بصورة ثورة عارمة في العام 2007 سقط خلال الفترة  الماضية الآلاف من القتلى والجرحى برصاص النظام . قد لا يتصور الأخوة العرب حجم التدمير المتعمد الذي مورس ضد الجنوب خلال السنوات الماضية بسبب عوامل عديدة ومنها العزلة والتعتيم الاعلامي ربما ذلك كرس حالة الذهنية العربية الملتبسة بأن الأوضاع عادية خصوصا عندما نجح نظام صنعاء في اللعب بأوراق عديدة لم ينتبه  لها المراقب الخارجي كموضوع القاعة والإرهاب .
الا ان الحرب الاخيرة قد كشفت الكثير من الحقائق للخارج وللاخوة في دول التحالف العربي . 

ان نظام صنعاء الذي الغا الجنوب تحت وحدة القوة وحاول  تذويب الجنوب وانصهاره من خلال فرض  ثقافة الأكثرية العديد على الأقلية ، بينما الجنوب عبر تاريخه الطويل تفاعلت فيه عدد من المقومات التي نتج عنها هوية تجسدت في دولته المستقلة  الذي عمل نظام صنعاء على إلغائها وعدم الاعتراف بالثنائية التعددية للهوية الجديدة للجمهورية اليمنية وفرض هوية الطرف الواحد بوحدة القوة .

 فقد جاء في بيان المؤتمر القومي العربي الثاني المنعقد في عمان 1991 ان الوحدة العربية من حيث المبدئ لا ينبغي فرضها بالقوة وان القسر اي كانت إشكاله عمل متعارض مع نموذج الوحدة والديمقراطية المنشودة وأكد المؤتمر القومي الثالث في عام 1992 على تعزيز الوحدة الوطنية على المستوى القطري لتسهم في إيجاد بنية ولادة الحركة العربية الوحدوية الشاملة فوحدة المجتمع القطري مدخل لتحقيق وحدة الامة وهنا نجد الإشارة إلى ان الجمهورية اليمنية كانت بيئة طاردة ومفتتة للمجتمع الأصلي اذ عمل نظام صنعاء على تدمير البنى الاجتماعية وخلق الصراعات بين المجتمعات الأهلية بدلا من تعزيز وحدته .  وعليه لا مخرج للجنوبيين الا بعودة سيادة شعب الجنوب على أرضة وبنا دولته المستقلة والتحرر من الفكر الوحدوي الزائف ومن ثم يعم الاستقرار بالمنطقة .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل