آخر تحديث :الاثنين 22 يوليو 2024 - الساعة:00:24:47
اغتيال الشهيدين اليزيدي و الجنيدي يكشف تاريخ أجهزة مجرمة في تراكم جرائمها البشعة
د. فضل الربيعي

الاثنين 00 يوليو 0000 - الساعة:00:00:00

تاريخ نظام صنعاء هو حافل بضحايـا الاغتيالات ، ومنها الاغتيالات الموجهة ضد أبناء الجنوب والتي بدأت مع إعلان مشروع الوحدة في 1990م ، فقد تم اغتيال عدد كبير من المناضلين السياسيين عسكريين ومدنيـين وبطرق مختلفة خلال السنوات الماضية ، وقد استغل نظام صنعاء تلك الاحتجاجات والمظاهرات السلمية التي تنادي باستعادة دولة الجنوب في مواجهتها بالنار ويتم من خلالها اتخاذ أسلوب التصفيات والاغتيالات السياسية لعدد كبير من نشطاء وقيادات الحراك الجنوبي، حيث أطلق نظام صنعاء أيادي العسكر في توجيه سلاحهم صوب هؤلاء الشباب الفاعلين في الحركة الثورية الجنوبية .

وهنا نلاحظ ان معظم العناصر التي تم اغتيالها لم تكن بمحض الصدف ، بل كانت مرتبة وتندرج ضمن عمليات الاغتيالات المنظمة بوصفها اغتيالات متعمدة تتم لأسباب سياسية وهي ضرب التوجه السياسي للحراك الجنوبي، وهذا ما يؤكده ذلك الفرق في تعامل نظام صنعاء مع المظاهرات والاحتجاجات التي تتم في الشمال وبين الاحتجاجات والمظاهرات التي يقوم بها الحراك في الجنوب ، وهذا يؤكد مشروعية مطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم وسيادتهم على أرضهم ، والتي تصف النظام بالمحتل والخروج من نظام غاشم .

وعليه ان ما جرى ويجري في الجنوب يقع ضمن مفهوم الاغتيالات السياسية التي " توصف بأنها جرائم قتـل منظمة تستهدف أشخاصا لهم تأثير فكري أو سياسي أو عسكري أو قيـادي ، يعتبرهم منظمو عملية الاغتيالات هذه بأنهم عائق في طريق استمرار هذا النظام الاستبدادي القمعي الذي حول الجنوب إلى ارض مستعمرة له ، وخلال السنوات الماضية تعرض الكثير من نشطاء وفاعلي الحراك الجنوبي السلمي لحالات الاغتيالات ، وتبين ان من يقوم بتلك الاغتيالات هي جهات أمنية منظمة يقوم بها أشخاص مدربون على ذلك كحالات القنص التي استهدفت بعض الشبان في الحراك وكانت إصاباتهم في أماكن حساسة " القلب والرقبة " مثلا ، وعادة ما يتم اختفاء هؤلاء القتلة ، ولم يقدم واحدا منهم للمحاكمة ، إذ يتم نقل عملهم إلى مناطق بعيدة ، ويعتبرهم النظام ابطالا، لأنهم ينفذون أهدافه وفلسفته بالحكم .

لقد كان اغتيال كل من الثائر الشاب المهندس خالد الجنيدي وهو احد القيادات الميدانية الفاعلة في الحراك الجنوبي ومن ابرز مهندسي العصيان المدني ، حيث تم إعدامه بصورة بشعة جدا عندما أخذوه بالقوة إلى فناء معسكر عشرين وأطلقوا عليه النار بطريقة تنفيذ حكم الإعدام عندما رموه برصاصة مصوبة على قلبه من مكان قريب جدا بحسب تأكيد الطبيب الشرعي وأخذوه إلى مستشفى الجمهورية ورموه هناك في باب المستشفى، ولم يمر يومان فقط إلا وتحل علينا فاجعة أخرى وهي مقتل الأستاذ الجامعي د. زين محسن اليزيدي وهو واحد من ابرز نشطاء وقيادات الحراك الجنوبي ، ولكن هذه المرة اختلفت وسيلة الاغتيال حيث تم اغتياله بواسطة الغازات السامة بقنابل مسيلة للدموع التي رميت على الشباب الذين كانوا محتجين في مسيرة بحي كريتر على مقتل زميلهم خالد الجنيدي عندما كان القائد الحراكي د. زين محسن متواجدا بين الشباب المحتجين ، تم اغتياله بنفس الوسيلة التي يستخدمها العدو الصهيوني في مطاردة الثوار الفلسطينيين الأبطال ..

نعم لقد فجع الوسط السياسي والأكاديمي بالجنوب بفقدان رجلين من ابرز قيادات الحراك الميدانية في أسبوع واحد هم المهندس الشاب خالد الجنيدي والدكتور زين محسن اليزيدي ، كان الشاب خالد الجنيدي الرجل الذي ألهب في شباب عدن الأبطال الحماس، حيث كان يتمتع بقدرات فائقة تكسبه الثقة والاحترام بين زملائه وتعرض للاعتقال أكثر من مرة وعذب في سجون صنعاء وعدن مرات عديدة وكل مرة يخرج من السجن أكثر حيوية وقدرة على النشاط الميداني ، رجل شجاع بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، أتذكر له احد المواقف وهو عندما كنا في موكب المرحوم هشام باشراحيل في كريتر وعندما أطلق النار الكثيف على مشيعي المرحوم من قبل الجنود والمصفحات الواقعة في القطيع بجانب البنك المركزي هرب الجميع تقريبا إلى المحلات والمنازل المجاورة إلا خالد الجنيدي الذي بقي يقود سيارته وسط إطلاق النار ويدعوا الجميع للبقاء في موكب الجنازة .

اما د. زين اليزيدي كان قد نذر كل حياته في العمل العلمي والنشاط السياسي والنقابي والخيري ، زين هو زين في سلوكه وعلاقاته وعمله أينما كان ، زين القائد الطلابي في الأمس والمعلم الجامعي والثائر السياسي اليوم .

لم نكن نتوقع لهم تلك النهاية وبتلك الصورة التي اختارها لهم أعداء الحرية أعداء الحياة ، عديمي الضمير ، إنها جرائم وحشية وإرهاب دولة يكشف لنا تاريخ أجهزة مجرمة تمتلك براعة في تراكم الضحايا من أبناء شعبنا الجنوبي المتمسك بنضاله السلمي ، إنها جرائم نكراء في سياسة القتل والغطرسة التي تنتهجها سلطات صنعاء ضد أبناء الجنوب .

لم يكن الشهيدان د. زين والمهندس خالد الجنيدي هم الأولين ولا الأخيرين فقبلهما سقط ما يقارب الالفان من شهداء الجنوب خلال الثمان السنوات الماضية سقط معظمهم وهم في التجمعات السلمية الحضارية التي تنادي باستعادة حقوقهم السياسية بدولتهم الوطنية ذات السيادة .

لقد بات نظام صنعاء المحتل للجنوب يستهدف بوضوح كل النشطاء الفاعلين والمؤثرين في الميدان ضناً منه أنه يستطيع إسكات هذا الصوت، إلا ان التجربة الراهنة تثبت بوضوح انه كلما سقط شهيد كلما زاد من إصرار الشباب على مواصلة نضالهم السلمي ، ولم تخفهم عمليات الاغتيالات التي أصبحت شيء مألوف في حياتنا اليومية ولا يمر يوم إلا ونسمع عن تلك الفجائع المؤلمة التي تلاحق حياتنا وحولتها إلى حياة بؤس وحزن ودمار .

عشرون عاماً من القتل والنهب والعبث، عشرون عام من انتهاكات متلاحقة لحقوق الإنسان ، عشرون عاماً والموت يحلق فوق رقابنا ويلاحق الرجال والنساء والأطفال ، تلاحق الأحرار في كل مكان ، عشرون عاماً تُصدر لنا ثقافة الدمار والفرقة والنميمة ، والشك والدجل والغش ، ثقافة تعارض حياتنا الطبيعية ، ترفع الفاسد والمخادع والماكر الدجال ، ثقافة تحارب كل معاني الحرية والصدق والأخلاق والحب والإخلاص . وتستهدف الرجال الأوفياء والأبطال من ينادوا بكلمة الحق .

هكذا تمر بنا الأيام في وطننا المسلوب يوماً بعد يوم وسنه بعد سنه ، يقتلوا أبنائنا وآبائنا بدم بارد ، أمعنوا الاستهتار بحياة الأبرياء وتنوع طرق ووسائل الموت التي يتعاملون بها (بالسلاح ، والقنابل والصواريخ ، بالسم ، بالغازات ، بالتجويع ) ،الاّ أن ذلك لا يمكن أن يحقق لهم ما يمضون إليه ، فصوت الحق والحرية لن يسكت مهما قتلوا فينا ، وسينال شعبنا حقه بتقرير مصيره باستعادة دولته الوطنية المستقلة على كامل التراب الوطني الجنوبي .

رحمكم الله د. زين محسن والمهندس خالد ، ورحم كل الشهداء الابرار ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص