آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:10:51:00
ما من حورية في الجحيم ؟!
محمد علي محسن

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

نام صاحبي ولما افاق يوما وجدته وقد استبدل وجهه وصوته ، أخذ يحدثني عن الفردوس وخمرته ومذاقها ونشوتها ، وعن حورياته الغانيات اللائي كن قد سلبن لبابه . ليته كان يدري ان المرء جوهره عقله وإيمانه ضميره ؛ فمتى ذهب لبابه او مات ضميره صار أشبه ببهيمة ناطقة لا اكثر !

كان هذا اخر ما سمعته من احمد الذي عاش بيننا زمنا قبل ان يتزمل بنسيج نعيم الخلود ، ينشد موال الرعب والموت  ، يلتحف الثرى المخضل برائحة البارود . نعم قبل ان يصير مسخا شيطانيا في دثار آدمي .

اذكر انه وقبيل وداعه لنا اشار بيده للأفق البعيد قائلا : سأذهب الى هناك .. حيث الشمس لا تغيب والشهب والنجوم لا تفل .. الى فضاء افسح من سماكم ، والى حلم وامل ووطن اعظم واجمل من وطنكم ، الى سدرة منتهى لا يطاءها إلّا نبي او رسول . . الى مرتقى لا يبلغه غير صفوة البشر وخيارهم الابرار الميامين .

التحق احمد في زمرة جند الله المحاربين لشياطين الانس الكافرة المارقة – هكذا ظن نفسه – أسبل شعر رأسه ولحيته وحتى ردائه ، تأزر بحزام ناسف ، ركب دراجة صينية ، امتشق بندقيته وزاد فوقها قنابل روسية مختلفة الصنف ، حمل قطعة قماش سوداء كئيبة إلَّا من بياض هامشي لكلمات الشهادتين .

بطن خاوية ، وذهن خامل جاهل ، ونفس جدبة شبقة لعاطفة وحنان ، فهذه الثلاثة الاشياء بلا شك هي كل ما أخذه احمد الى جماعة الموت . فقر وجهل وحرمان وكلها مادة اساسية لصناعة القتلة ، لغسل ادمغة الضحايا وجعلهم مجرد كائنات فاقدة الاحساس والرابط بانتمائها الى الاحياء .

كان احمد لا يحتمل رؤية ذبح دجاجة او شاه ؛ لكنه وبفترة وجيزة لاستقطابه بات اشبه بوحش فتاك لا يتوقف عن اصطياد فرائسه . النفس الآدمية في هذه الحالة ثمنها يساوي رصاصة في الرأس او مدية في الصدر . بمضي الايام صار القتل ولعه المحبب ، الدم النازف ، اشلاء الضحايا المتناثرة ، دموع الثكالى ، رائحة الديناميت ،فكل هذه المشاهد المروعة بالنسبة لأحمد باتت مسألة عادية ومألوفة .

أخر فظائعه كانت حين داهمت خليته المكلفة بنسف مستشفى يرقد فيه ابيه إثر نوبة مباغته سببها المباشر انه لم يحتمل فظائع نجله في عيون وألسنة الاخرين . قُتل ابيه وبجواره قُتلت أُمه وشقيقه الاكبر اللذين صادف وجودهما مع الهجوم الحاصد لعشرات المنايا المتعبة الموجعة . احمد وعناصر خليته الارهابية لم يكتفوا بمهاجمة المستشفى بحمولة سيارة من مادة الديناميت المتفجر في فناء المكان ؛ إذ زادوا في بربريتهم ولحد مهلك للمريض والزائر والطبيب .

عقب العملية عُثر على جثة احمد وبمكان ليس ببعيد عن غرفة ابيه الذي قضي نحبه فيها الى جانب أمه وشقيقه . مأساة ينصدع لها الصخر ، فكم هو محزن ومؤلم ما حدث لأحمد وعائلته ؟ مأساة بلا ريب ستظل محفورة في ذاكرة الناس الذين عاشوا فصولها .

 ليس المخيف الموت ولا ان يهلك الانسان في حادثة ما ، إنما الرهيب هو الموت المخزي المخجل الذي يلحقه الاحتقار والازدراء .

حاولت ان اتمالك نفسي ، ولكن المصيبة اعظم من تحبس دموعك أو لعابك ، فضحايا المذبحة لابد وان يقسروك على النحيب ، كما ولن تمضي لسبيلك دون ان تبصق ريقك على برابرة العصر .

غصة وحرقة ومع ذلك تجشمت وتجاسرت فقلت مخاطبا جثة احمد المتفحمة : ما من جنة افضل من جنان ابويك ! وما من حورية ترجى لضال وباغ ! وما من نعيم ورغد ومنزلة في الفردوس للقتلة المتوحشين السفاحين الفاحشين ! فما من الله وما من رسول وما من دين وشريعة تجيز قتل النفس المحرمة واستحلال اموال واعراض الاخرين أيا كان دينهم وجنسهم !

احمد .. تبا لك ولجماعتك ، لقد قتلت والديك وشقيقك ، وقبلهم اهرقت دم الابرياء والعزل والاسرى ، واخفت الامنين والمسالمين ، وسرقت مال المودعين والعاملين ، وطعنت دين الاسلام شر طعنة ، وذبحت رقاب المسلمين وغير المسلمين دونما ذنب او جريرة سوى رغبتك الدفينة في الانتقام من الحياة .

نعم ما من غانية وجنة يمكنك العثور عليها في الجحيم ! فنم الآن في عذابك ؛ فما خلقك الله للبغي والعدوان والقتل والسبي والذبح والترهيب والبغض والانتحار وسواها من الافعال الشريرة المغالية في بشاعتها وفظاعتها واساءتها . 

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص