آخر تحديث :الخميس 11 يوليو 2024 - الساعة:23:21:59
الوحدة.. أفقدت اليمن توازنه
عياش علي محمد

الخميس 00 يوليو 0000 - الساعة:00:00:00

كان اليمن يحظى بنوع من التوازن بين شماله وجنوبه، قبل أن يتحدا في وحدة اندماجية عام 1990م، وظهر هذا التوازن حتى في ظل وجود نظامين سياسيين. وفي ظل هذا التوازن كان اليمن ينمو في رحاب اقتصاد دولتين كل واحدة منهما تنمو على طريقتها الخاصة, والوعي التنافسي كان يجري مجرى الدورة الدموية وكانت الأرض رحبة، والصدور مفتوحة ومتسعة للجميع.

 

وعلى قاعدة هذا التوازن كان الجنوب واحة يستطيب فيها الشمالي بالعيش الرغيد من خلال ما فتح لهم من أبواب البيوت، والمدارس والأشغال العامة، بل وصل الأمر أن يمنح الجنوبيون ثقتهم بأهل الشمال بأن منحوهم مراكز مرموقة في الدولة والتجارة والمجتمع.

وكانت الجنوب (وعدن خاصة) ملجأ لأهل الشمال الذين يواجهون الظروف العسرة والظالمة، أو الذين هم مهدوون بالاستبداد والظلم أو الذين تعسرت عليهم السبل وحاولوا الهجرة إلى بلدان العالم فكانت (عدن) هي جسر التواصل معهم ومن مياهها الدولية انقذت حياة الكثيرين، وأعطتهم حياة جديدة في مجتمعات أرقى وحياة عصرية وإنسانية.

 

هذا التوازن كان نعمة على اليمن وخيرا لسكانه، ولكن هذا التوازن أمسى بين ليلة وضحاها هدفا لمجموعة متعصبة في الشمال سيطر عليها حب التملك والاستئثار بأملاك الغير ونظرة الاستعلاء وأعطت لنفسها الحق في ممارسة التملك والثروة على حساب ممتلكات غيرهم، فكانت الطامة الكبرى التي أصابت التوازن في مقتله، وانقلب ذلك التوازن إلى كارثة وفكرة سادت ثم بادت.

 

والجنوبيون اليوم لم يعد باستطاعتهم أن يتحملوا نظاما وحدويا جائرا، يظهر ذلك من خلال ملامحهم الشابة المجعدة، ونظراتهم المثقلة بالهموم، بعد أن شاهدوا وخبروا كيف تحول نظامهم ومؤسساتهم إلى كومة من الدمار، وكيف تم تصفية منجزاتهم الفنية والمهنية والاقتصادية وجعلها أثرا بعد عين ومنها تحول الوعي بالوحدة إلى نقيضه وتبلورت مفاهيم لدى الجنوبيين كلها تنصب إلى أن الوحدة التي كانوا يتصورونها بأنها (جنة عدن) أصبحت في بحر عدد من السنين وحدة اعتراها المرض ورقدت في موت سريري لمدة 19 عاما ووافاها الأجل، وهي الآن بحاجة إلى إعلان موتها، وإقامة مراسيم دفنها.

 

كان الإدراك واضحا عند الجنوبيين بأن دخولهم الوحدة مع أشقائهم في الشمال في وحدة اندماجية نتاجا لمعرفتهم بأن الشماليين يبادلونهم الحب والوفاء، وأنهم سوف يتقاسمون معهم الهموم, كان ذلك بسبب ما كان يصب على رؤوسهم من شعارات يومية تسقي أفئدتهم بحليب يومي عاطفي تدفع العقول والقلوب طوعيا إلى قبول وحدة اندماجية دون فترة اطمئنان انتقالية أو حذرة بين الشعبين في الشمال والجنوب، وكان لبن الشعارات سببا في التخدير الوحدوي.

 

وحتى الشكوك المتعلقة بالعقلية القبلية المسيطرة في الشمال تم التغاضي عنها بسبب ميل الجنوبيين للتطور السريع بالاتحاد مع الشمال وأن قبائل الشمال يمكن التأثير عليها وجعلها تسير مع قوافل السير نحو التقدم مثل تلك القبائل التي قادت مجتمعاتها نحو التطور مثل قبائل آل عثمان التي قادت تركيا نحو التطور, أو قبائل الهون الصينية التي جعلت من الصين (دره الاقتصاد العالمي), أو قبائل الساموراي في اليابان التي حولت اليابان إلى أكبر دولة صناعية في العالم, لكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فقد صدم الجنوبيون حين وجدوا أن قبائل الشمال لازالت متمسكة بموروثها الاجتماعي في السيطرة على المجتمع، والدفاع المستميت عن إرثها الخرافي في السيطرة على الأرض والثروة والإنسان وجعل كل تلك المصادر أدوات تحت سيطرتها التقليدية في الحفاظ على نظامها القبلي وديمومته.

 

بعدها أدرك الجنوبيون صحة وجود ثقافتين تعيشان في اليمن، وأن ثقافتهم لها خصوصية تتناقض مع ثقافة الشمال ولا رابط بينهما ولكل منهما تاريخ وجغرافيا وأنماط السلوك، وعلى الرغم من الوحدة السياسية التي أقامها النظامان في الشمال والجنوب فإن الثقافتين بين الشعبين اليمنيين لم تتوحدا، ولم يخلق ذلك التوحد ثقافة متوحدة، فظل الجنوب متمسكا بثقافته القومية المنفتحة على الآخر، وبقيت ولازالت الثقافة في الشمال (ثقافة باطنية) تقول شيئا وتفعل نقيضه وتجهر بالشيء وتبطن نقيضه.

 

إذن توحدت الدولتان ولكن لم تخلقا توازنا في المجتمع والدولة ومع الخارج واختل التوازن جراء السياسة والحرب والاقتصاد والتعليم المشوه.. والاختلال لن يمحى إلا إذا خففت الأحمال على هذا الوطن والشعب, والتوازن لن يعود إلا إذا تحملت كل دولة عبئها ومسؤوليتها وإن استعادة زمن التوازن لن يأتي إلا بالعودة إلى الوضع التاريخي لليمن وهو وجود دولتين تسمى الأولى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والدولة الأخرى تسمى الجمهورية العربية اليمنية.

 

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص