آخر تحديث :الثلاثاء 12 اغسطس 2025 - الساعة:21:10:43
هل يهزم الجنوبيون الإخوان ومعسكر فرض الوحدة بالقوة ؟
(الأمناء / د . يحيى عبد الله الدويلة :)

بكل أسف؛ أصبحت معظم النخب الشمالية المثقفة والأكاديمية من أساتذة جامعات ودكاترة في كافة المجالات والتخصصات في حالة من اللاوعي والانكار بحيث إنها لا تستطيع التمييز بين الحق والباطل، والخطأ والصواب لدرجة أنها وقعت أسيرة الفكر الإخواني اللاعقلاني الذي تمكن من اختطاف عقلها الجمعي التحليلي وشل قدرتها على استيعاب حقيقة ما يدور؛ فلم نعد نسمع أصوات عاقلة توقف هذا السيل من الكذب والتزييف والعبث في تبديد جهد المثقفين والناس في السير قدما في طريق الضلال والغي. فلم تعد تمتلك سوى السب والقذف والشتم بديلا عن مواجهة الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة. ونتحدث هنا عن مسألة إمكانية بقاء الوحدة مشروطة بتقديم مزيد من الدماء وفرض الوحدة بالقوة وإدخال الجنوبيين إلى بيت الطاعة بالقوة، وهل الجنوبيون غير قادرين على إدارة دولتهم لأنهم دائما ما يقتتلون فيما بينهم ولذلك يجب الحجر عليهم والدليل ما يحدث اليوم باعتبار الصراع المسلح القائم هو صراعا ًجنوبياً جنوبياً طبعا حسب ما يسوغون له. أسئلة وأسئلة كثيرة نجيب عليها في هذا المقال التحليليّ .

 

الوحدة اليمنية: أكبر عملية سطو في التاريخ المعاصر

عقدت القوى الشمالية بمختلف اتجاهاتها السياسية والفكرية العزم على إن ضمان استمرارية الوحدة اليمنية منذ قيامها لن يتم إلى بتحقيق هدفين؛ الأول هو اسقاط الشريك الجنوبي للوحدة والمتمثل بالحزب الاشتراكي اليمني والثاني وهو سلب كل مكامن القوة الاقتصادية من أصحاب الأرض والمتمثل بالاستيلاء على ثروات الجنوب الطبيعية من نفط وغاز وتدمير وطمس كل عوامل القوة الاقتصادية والمتمثل بالبنية الاقتصادية من مؤسسات صناعية وغيرها. ولتحقيق الهدف الأول تم تشكيل حزب معارض ديني متطرف هو حزب الإصلاح يكون معولاً لهدم أي قوى سياسية مدنية وتحديداً جنوبية المنشأ وقد دشنت هذه القوة المتطرفة خلال الثلاث السنوات الأولى من الوحدة بعمل سلسلة من الاغتيالات شملت 158 من الكوادر الجنوبية السياسية والاقتصادية وأيضا إقصاء الحزب الاشتراكي الشريك الجنوبي للوحدة من العملية السياسية وحل محله حزب الإصلاح بعد عملية انتخابية مزورة. أما الهدف الثاني فقد تحقق بعد الغزو الأول للجنوب عام 1994م وقد تم ذلك أيضاً على يد الجماعات التكفيرية والمتطرفة حيث انتهى هذا الغزو بالتقاسم بين مشايخ قبائل شمال الشمال (الزيود) وبين المتنفذين من البيوت التجارية الكبيرة (الحجرية وقبائل أخرى) وكان من نصيب الفئة الأولى النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى وقد تم تقسيمها في بلوكات أخذت أسماء أشخاص وأفراد بحيث لا تدخل عائداتها إلى خزينة الدولة، وقد كان من نصيب الفئة الثانية المؤسسات الاقتصادية من مصانع وعقارات وموانئ وكل ما له قيمة اقتصادية وقد تم الاستيلاء عليها باسم الخصخصة مع أنها كانت ناجحة وإنتاجها عاليا وكانت تفي بتغطية احتياجات السوق المحلية والبعض منها كان للتصدير الخارجي. أي أنه لم يكن يسمح للجنوبيين بتمليك أي مؤسسة اقتصادية مهما كانت، حتى إنه لم يكن يسمح للمستثمرين الجنوبيين المغتربين في الخارج بالاستثمار داخل الجنوب. باختصار تعرض الجنوب لأكبر عملية سطو في التاريخ المعاصر وتم ذلك بمخططات تآمرية على كل منجزات دولة الجنوب من قبل النظام الشمالي وإقصاء أي قوى سياسية تعبر عن حقوقه وآخرها المجلس الانتقالي الجنوبي مع سبق الإصرار والترصد.

 

الأب الروحي للإرهاب يصنع منه الإخوان قائداً ثورياً

تبدأ حكاية الإرهاب في اليمن من عودة عناصر القاعدة وأذرعها من التنظيمات الإرهابية الأخرى من أفغانستان والشيشان حيث قام الجنرال علي محسن الأحمر باستيعابهم فيما يسمى بالفرقة الأولى مدرع وهي أكبر وأضخم تجمع عسكري وأعطاهم رتبًا عسكرية عالية لدرجة أن الأمر وصل إلى المصاهرة مع زعمائهم. وتأتي ثورة الشباب في 11 فبراير 2011م ويقوم حزب الإصلاح بسرقة هذه الثورة وفي تطور دراماتيكي تحدث المأساة بانضمام هذا الجرنال أيضا إلى ثورة الشباب واستطاع الإخوان أن يصنع منه قائداً ثوريا. وتمر الأحداث ويستولي الحوثيون على العاصمة صنعاء بتواطؤ إخواني بتسليم أسلحة ومعدات الفرقة الأولى والمتطورة وهروب قادتها والتجمع في مارب. ويجد الحوثيون مقاومة من أبناء عدن ويفشل سيطرتهم عليها وتعلن دول التحالف العربي الحرب على الحوثيين. ويكلف الأحمر بمهمة إعادة هيكلة ما يسمى بالجيش الوطني ولكن أول ما قام به هو الاستغناء عن الجيش الوطني الحقيقي وأعاد تأسيس جيشا إخوانياً بعقيدة إخوانية بحيث يكون أداة أو مظلة حقيقية للإرهاب ويتحكم فيه الإخوان ويستخدمه في رسم الخريطة الجيوسياسية لليمن بما يلبي طموحاته. ولذلك قام الأحمر بمنح عناصر الإخوان رتباً عسكرية عليا وتجنيد أعضاء الإصلاح والقبائل غير المؤهلة فيما يسمى الجيش الوطني. ومنح الأحمر دعماً ماديا سخياً ومباشرة للتنظيمات الإرهابية والاعتماد عليها في تنفيذ مخططات حزب الإصلاح. وبدلاً من تسخير هذا الجيش والذي تم تأهيله والصرف المادي اللامحدود عليه لمواجهة الحوثيين وإسقاطهم وهذا كان هدف التحالف الأساسي، راح يدير ظهره لمقاتلة الحوثيين ووجه كل إمكانيته في الحشد في عاصمة الجنوب عدن تحت مظلة الحرس الرئاسي بحيث يكون مكافئا للحزام الأمني للمدينة وكان طبيعيا أن يكون قادة الحرس الرئاسي من تنظيم القاعدة وأخواتها فهم وليس غيرهم يمكن الاعتماد عليهم في مهمة كهذه. وقد كشفت الأحداث الأخيرة لعملية غزو الجنوب الخلفية الإرهابية للمعركة. فقد أطلقوا مثلاً على معركة شبوة بغزوة بدر، تصوروا أنهم اعتبروا أهل شبوة والنخبة الشبوانية كفاراً يجوز قتلهم.

 

أبين ضحية الإرهاب..

كان أهم تدريب عملي باستخدام تنظيم القاعدة 2011م (أنصار الشريعة) كأداة لتهديد الأمن القومي اليمني ونشر الفوضى هو السيطرة على مدينة زنجبار – أبين الآمنة وقام هذا التنظيم بهدم بيوتها المتواضعة وعبث في أرضها فساداً ونهب بيوتها وكان محافظها آنذاك المهندس أحمد الميسري الذي لم يدافع عن المدينة ولو بطلقة رصاصة رغم وجود عدة ألوية كانت تحت إمرته بل إنه سهل لها السيطرة على المدينة بتوجيهات عليا وتعرض أهلها لحالة من الرعب والخوف وغادرها معظم سكانها نازحين للعيش في عدن وبتوجيهات أيضا من الإخوان انسحبت من المدينة بعد أن عاثت في الأرض فساداً وتدميراً. وحينما صرفت تعويضات من الدول المانحة للمواطنين الذين تضررت منازلهم، لم تصرف هذه التعويضات كاملة بل صرف ثلث المبلغ بعد أن تم التلاعب فيه. والمأساة الكبرى أن المبلغ المتبقي قام وزير المالية بصرفه لجامعة الإيمان التابعة لحزب الإصلاح لتقوم بتصنيع مزيدٍ من العبوات الناسفة والمتفجرات لتستخدم في عملياتهم الانتحارية. إن حرمان أهالي زنجبار أصحاب الحق لهذه التعويضات لترميم منازلهم والعودة إليها والاستقرار في بيوتهم لهو كارثة إنسانية تتحملها الجماعات الإرهابية المدعومة من حزب الإصلاح والتي بسببها لا يزال الكثير من الناس باقين في عدن كنازحين. وبذلك أصبحت القاعدة هي المستفيدة من كل هذه المعاناة الإنسانية لهولا الناس الطيبين.

 

ومن المخزي جدا أن هناك إشاعات تقول إن معظم شباب قرية الوضيع وهي مسقط رأس الرئيس هادي ينتمون إلى تنظيم القاعدة، لكن ما يدعو للتساؤل هو لماذا جرت عملية الاستقطاب للقاعدة بشكل رئيسي من منطقة أبين والبيضاء (بحكم تشابه ناسها مع أهل أبين ظاهريا). السبب أظهرته الأحداث الأخيرة في عدن وهو حتى تبدو المواجهة المسلحة بين أبناء أبين (القاعدة) من جهة والضالع ويافع (الأحزمة الأمنية) من جهة أخرى، رغم إن الأحزمة الأمنية ليس كلهم من أبنا الضالع ويافع ولكن أجهزة الإعلام الإخوانية تحاول دائما أن تصدر هذه الصورة الزائفة فيصدقها الناس، لذلك نراهم في كل مناسبة يقولون: إن المعركة جنوبية – جنوبية ليقفزوا إلى استنتاج مسبق وهو أن الجنوبيين لا يستطيعون حكم أنفسم بأنفسهم فهم سيتقاتلون فيما بينهم وهذا برأيهم الساذج مبرراً لاستمرار الوحدة، ولكن أظن بعد أن اتضحت الصورة أن الأمر بات سخيفا ومكشوفا فهذه اللعبة لن تنجح مع الجنوبيين وباتوا يدركون أن هذا المطب الذي يحاول أن يضعهم فيه حزب الإصلاح لم يعد مجديا بل فاشلاً خصوصا بعد أن ثبت مشاركة أساسية لعناصر شمالية؛ لكن الرد العملي على هذا المخطط هو الرجوع إلى التصالح والتسامح الذي اتفق عليه الجنوبيون وهو وسيلة لتجديد الثقة فيما بينهم؛ لأن ذلك سيكون بمثابة انتصار لمشروع الجنوب وحلمهم وهو الانفصال . 

 

الدور المزدوج للجيش والقاعدة

أخبرني في أحد المرات أحد الزملاء ولديه أقارب في تنظيم القاعدة، يقول بصريح العبارة: إن هناك ما يسمى بالخلايا النامية وعددهم كثر في محافظة أبين يقومون بأدوار مزدوجة فحينما يتم الإعلان عن سيطرة تنظيم القاعدة على أي مدينة يقوم هؤلاء بخلع ملابسهم الميري (بدلة الجيش) ويرتدون الزي الأفغاني ويرفعون أعلام القاعدة وعندما يطلب منهم الانسحاب فإن كل ما يفعلونه ببساطة هو خلع اللبس الأفغاني ولبس بدلة الجيش بهذا الشكل يقوم الفرد بدور مزدوج إما قاعدة أو جيش حسب الطلب وتلك هي المصيبة والعار وبذلك يسقط الجيش كحامٍ للشرعية والبلد بل يكون حاميا للإرهاب ومن يقف خلفه من الأحزاب والجماعات المتطرفة.

 

قطر والإخوان والحب الدفين!

للوهلة الأولى كان وجود قطر ضمن التحالف العربي مريبا إلى حد كبير بل إنها لعبت دورًا مهما في إفشال التحالف في تحقيق نتائج مثمرة في قتال الحوثيين على الأرض وهذا يمكن اكتشافه من تقاعس أداء حزب الإصلاح في المعركة، وقد ظهر ذلك جليا حينما انسحبت قطر من التحالف فحول الإخوان معركتهم إلى الجنوب صراحة بل إنها تظهر بين الحينة والأخرى سلوكاً عدائيا مع السعودية والإمارات واتهامهما بتقسيم الجنوب وفقاً لمصالحهم وبذلك انحرفت سياستهم بدرجة 0360 بل إنهم باتوا يتحالفون علناً مع الحوثيين، فأصبحت بياناتهم تتنكر لأي انتصارات للتحالف على الحوثيين مثل انتصارات قوات العمالقة وفصائل الجنوبية الوطنية والتي شاركت في تحرير الجنوب من الحوثيين منذ 2015 ولا تزال تقاتلها في الساحل الغربي ومحافظات الحديدة وتعز والبيضاء والضالع لدرجة إن الأمر وصل بالإخوان إلى سحب معسكراتهم من جبهة الضالع لصالح الحوثيين. وقد لوحظ أن حزب الإصلاح يتدخل لصالح الحوثيين عندما يرى انتصارا للمقاومة على الحوثيين بتحريك الشرعية والمختطفة من الإخوان لمسار تفاوضي كما حصل في جبهة الحديدة عندما كادت أن تسقط بيد المقاومة فتم انقاد الحوثيين بإجراء مفاوضات في استكهولم. المهم غيرت الحكومة الشرعية المختطفة من الإخوان بوصلتها بحيث تساند قطر في كل سياساتها وأصبحت تهاجم التحالف في أي مناسبة وتتهمها باحتلال الجنوب وتبتدع الأحداث وتضخمها، بل إنها وجهت أدواتها الإرهابية في تحقيق هذه الأهداف.

 

خاتمة:

من هذا كله يتضح أن حزب الإصلاح أستطاع أن يسوق لنفسه باعتباره القوة السياسية الوحيدة القادرة على الحفاظ على الوحدة باستخدام التنظيمات الإرهابية وإصدار الفتاوي الدينية التكفيرية التي من الممكن أن تهيج الجماهير اليمنية الشمالية تحديدا وبالاستعانة بأكبر إمبراطورية إعلامية وهي قناة الجزيرة يمكن تزييف الوقائع على الأرض بتصوير الأحزمة الأمنية والنخب الشبوانية بأنهم جماعة متمردة على الشرعية اليمنية وأنهم من طائفة معينة وأنهم في مواجهة مع جنوبيين آخرين. لكن سرعان ما تجلت الصورة الحقيقية فحبل الكذب قصير، فعام 2019 ليس كعام 1994 فالمجتمع الدولي أصبح لديه معلومات كافية لما يحدث، فمن أطلقوا الفتاوي في 2019 هم أنفسم الذين أطلقوها في 1994 مع فرق بسيط وهو أن هؤلاء مطلوبين دوليا كعناصر إرهابية وقائد جيشهم أيضا مطلوب دوليا بل إن حزب الإصلاح نفسه مصنَّف كحزب إرهابي من السعودية والإمارات نفسها. وجماهير الشمال بدأت تستيقظ وتعي أن الصورة التي يروجها حزب الإصلاح ليست إلاّ تشويها وأكاذيب وتزييفا للواقع. ومهما بذلت الحكومة الشرعية والمختطفة من حزب الإصلاح من جهود لإنكار وجود أعضاء تنظيم القاعدة في وسطهم فإن أنصار الشريعة والقاعدة والدواعش دائماً ما يصدرون بيانات يدَّعون دورهم في الهجوم على قوات الانتقالي الجنوبي والذي دون غيره مؤهلاً عقائدا لمحاربة الإرهاب. إذن لابد من تحكيم العقل بإقصاء حزب الإخوان المحظور نشاطه جنوبا وأن يجتمع الشمال والجنوب في حوار مباشر لوضع خارطة طريق تضمن للشمال والجنوب خروجاً موضوعياً وسلمياً وآمناً وبأقل الخسائر من هذه الأزمة وإعلان حل الدولتين وفك الارتباط بين الشمال والجنوب وهي الوسيلة الوحيدة لمواجهة الحوثي . 


#
#
#

شارك برأيك