عدن التاريخ, عدن مدينة النور والإشعاع العلمي.  عدن منار العلم والثقافة الذي أضاء نوره أصقاع العالم.   كان كل شيء فيها ينبض بإخلاص وحب, فيها العلم والفن متلازمان, فيها الثقافة والجمال قرينان, فيها بساطة الإنسان والتاريخ مرتبطان.  حباها الله جمالا ربانيا وجعل منها قبلة للسائحين في فسيح أرضه.  من عدن استلهمنا العشق, ومنها استنبطنا الشعر, كانت أرضها للوافدين فراشاً والسماء لحافاً, فكانت ملاذاً آمناً لكل من أوى إليها.  هي مدرسة العلم التي فيها تعلمنا أبجديات الكتابة, هي المكتبة التي لُقنا منها فن القراءة, هي المنبع الذي خرج منها كل إبداع.  عدن كانت وستظل عنوان النهضة والمدنية والتنوير, وبوابة النهوض والتحديث والتغيير.

سوف نتحدث اليوم عن أهم معلم ثقافي أُنشئ في عدن في خمسينيات القرن الماضي, وهو مكتبة ليك (Lake Library ) أو مكتبة مسواط كما سُميت بعد الاستقلال.  كان أهل عدن يمارسون العديد من الهوايات وأهمها كانت القراءة, فكان من الضرورة إنشاء مكتبة عامة للسكان في عدن.  فجاء القرار بإنشاء مكتبة ليك في كريتر من قبل بلدية عدن, والتي أُفتتحت في العام 1951م.  كانت المكتبة تحتوي على ثلاثة أقسام وهي للكتب المتوفرة بثلاث لغات.  كانت اللغة الإنجليزية هي السائدة بين أُمهات الكتب الموجودة في المكتبة, ويتبعها الكتب العربية ومن ثم قسم صغير للكتب باللغة الأردية.

في بدايات إنشاء المكتبة, وصل عدد الكتب فيها إلى 18000 كتاب في قسم الإعارة, مع 500 كتاب في قسم المراجع والأبحاث,  كما تم إضافة 2500 كتاب إضافي, وكان كل كتاب يحتوي على ثلاث نسخ.  كان نظام الاستعارة في المكتبة يتم بطريقة تسجيل العضوية, حيث يتقدم العضو بطلب بطاقة عضوية التي عادةً ما تصرف لمدة ستة أشهر وتجدد فيما بعد, حيث تحرر البطاقة من نسختين, نسخة لمقدم الطلب ونسخة تبقى في المكتبة.   وكانت جميع الكتب الموجودة في المكتبة يوضع فيها بطاقة خاصة تحتوي على رقم التسلسل واسم الكتاب واسم المؤلف, وعند استعارة العضو لأي كتاب تؤخذ البطاقة وتوضع مع بطاقة العضو الخاصة بالمكتبة, وبعدها توضع البطاقتان في أدراج خاصة مسجل عليها التواريخ الخاصة بإعادة الكتاب, كما يوقع العضو على استلام خاص باستعارة الكتاب.  

كان النظام في المكتبة هو إعارة كتبها بطريقة ثلاثة كتب لمدة أسبوع, وفي حالة طلب العضو تمديد مدة الاستعارة, يجب عليه الحضور إلى المكتبة مع الكتب المُستعارة سابقاً ويطلب تمديد استعارتها, وحينها يخرج موظف المكتبة البطاقة الخاصة بالكتب من الدرج الخاص بتاريخ الإعادة الأول ويضعها بعد التسجيل في درج تاريخ الإعادة الجديد.  كما كانت توجد هناك مكتبة متنقلة للتنقل بين مناطق عدن لإعارة الكتب  وهي عبارة عن باص متنقل يحتوي على كل أنواع الكتب وبجميع اللغات, كانت هذه المكتبة المتنقلة مخصصة للمناطق التي لا يوجد بها مكتبات: كالشيخ عثمان, التواهي, خورمكسر, المعلا والمنصورة... وكان يتم زيارة هذه المناطق مرة كل أسبوع, وكان يوجد لها أماكن مخصصة للوقوف مع سائق وموظف.

كانت المكتبة تحتوي على أقسام عدة ومنها, قسم القراءة ويحوي طاولات وكراسي للقراء ويمنع فيه الحديث بتاتاً ويطبق عليه صمت رهيب.  كما كان يوجد في المكتبة وحدة خاصة لتجليد الكتب بالخيط وتغلف الكتب بغلاف من اللون البُني القرطاسي, وقسم آخر للمراجع الخاصة باللغتين العربية والإنجليزية, ويمنع إعارتها أو إخراجها خارج المكتبة.  وأيضاً كان يوجد في المكتبة قسم للغة العربية وقسم آخر للغة الإنجليزية وقسم خاص بالأطفال.  وكانت المكتبة تعمل على فترتين صباحية ومسائية, وتتكون من ستة أفراد يديرون المكتبة.   وتعاقب على المكتبة ثلاثة مدراء منذ إنشائها في العام 1951م, وهم: 

1-      الأستاذ حامد الصافي: وعمل مديراً لها منذ بداية الخمسينيات حتى بداية الستينيات.

2-      الأستاذ عبدالله باحشوان: وكان مديراً لها منذ بداية الستينيات حتى بداية السبعينيات (والد الزميل عيدروس باحشوان).

3-      الأستاذ صالح باجنيد وهو (والد الفنان عبدالرحمن باجنيد): وعمل مديراً للمكتبة منذ بداية السبعينيات حتى يوم إقفالها.

وبعد هذه النبذة الموجزة عن تاريخ إنشاء مكتبة ليك (مسواط)  أين نحن من هذا النشاط الثقافي المبكر  ولماذا اختفت هذه الظاهرة الخلاقة ولماذا لم نطورها ؟؟ أسأل الله بأن يحفظ عدن وأهلها من كل سوء يحيط بها ومن كيد الكائدين وحسد الحاسدين..