- الداعري: موانئ عدن والمكلا ترفع جاهزيتها القصوى لاستيعاب تدفقات الغذاء والدواء بعد تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية
- الخزانة الامريكية تفرض عقوبات على سبعة قيادات حوثية لتورطهم في تهريب مواد عسكرية وأنظمة أسلحة
- القضاء في عدن يستعيد أكثر من مليارين ونصف تم نهبها من المال العام
- ازدحام كبير في منفذ الوديعة البري وغياب الخدمات والحلول الفعّالة
- الرئيس الزُبيدي يرأس اجتماعا للوقوف على نتائج عمل فرق التواصل وتعزيز الوعي السياسي بمحافظات الجنوب
- حظر بيع الألعاب النارية للأطفال في شبوة
- مقتل مواطن على يد قُطاع الطرق في مأرب
- تقرير حقوقي يوثِّق 692 انتهاكاً حو.ثياً في صنعاء
- جماعة الحوثي تعلن إسقاط طائرة أمريكية في الحديدة
- برعاية انتقالي المهرة.. انطلاق النسخة السادسة من بطولة الفقيد البسيسي بالمحافظة

خلق الله الأرض بما تحتويه من أسباب الوجود والبقاء وأودع فيها القوانين والسنن التي تسيرها، وخلق الإنسان أرقى أنواع الخلق وأكثرها كمالاً بما ميّزه من قدرة على التعقل والعقل، وعلى قاعدة هذا التميز قامت فكرة الاستخلاف الإلهي للإنسان في إدارة شؤون دنياه بما يتفق مع القوانين والسنن المودوعة فيها الذي يقع على الإنسان اكتشافها والامتثال لها.
وفي الوقت الذي تشكل الإنسانية حلقة موحدة في منظومة التمايز والتنوع التي يقوم عليها النظام الطبيعي، فقد جعل الله للإنسانية بنيانها الداخلي الذي بموجبه تمايزت الشعوب وتحددت جغرافية حقوق السيادة لكل شعوب الأرض، كما جعل لكل شعب بنيانه الاجتماعي الداخلي القائم على التقابل والتكامل، فتحددت تأسيساً على ذلك طبيعة العلاقات الخارجية بين الشعوب والعلاقات الداخلية المتكاملة بين المكونات الاجتماعية داخل كل شعب.
قال الله عز وجل : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير)). فإحدى النتائج الكبرى التي أثمرها المجرى العام للتاريخ الإنساني هي ظهور البنية الشعوبية للمجتمع الإنساني واقتسام حقوق السيادة بين الشعوب على أقاليم الأرض.
حق تقرير المصير
تلكم هي الحقائق التي أدركها العقل البشري وأقربها حقائق ثابتة، فحولها من واقع حقوقي تضمنه النظام الطبيعي إلى تشريع قانوني ملزم ومنظم للعلاقات بين البشر أفراداً وشعوباً ومكونات اجتماعية ودول، وتأسيساً على ذلك أقامت الشعوب دولها الوطنية واعترفت ببعضها البعض، كما اعترفت بحق كل شعب في السيادة على أرضه وحقه في تقرير مصيره، وبناءً على ذلك قام النظام الدولي ومؤسساته الشرعية.
على هذا النحو صار واضحاً أن القانون لا يكتسب صفة القانون إلا إذا كان مجسداً في مضامينه للحق وتعبيراً عنه وإلا كان ضرباً من الأهواء، وإن الاجتماع والسياسة لا يكتسبان شرعيتهما إلاّ إذا كانت تكوينات بنيوية وعلاقات تجسد الحق والعلاقات الحقوقية بين البشر وتكويناتهم الاجتماعية والسياسية التي أنتجها المسار العام للتاريخ وشرعنها النظام الإنساني العالمي.
ليعلم كل أبناء شعب الجنوب (شعب جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) ونخبه الوطنية، وليعلم الشعب في الشمال (شعب الجمهورية العربية اليمنية)، وليعلم النظام الإقليمي العربي عامة والخليجي خاصة، وليعلم العالم كله أن لقضية شعب الجنوب أصل راسخ ومداميك ضاربة في أعماق الأرض والتاريخ ترتفع عليها تتمثل بما يلي:
أولاً : الحق الطبيعي المقدس لهذا الشعب مثله مثل كل شعوب الأرض (حقه في الوجود والبقاء)، حق رسمته الإرادة الإلهية وحققته المسيرة التاريخية وأقرته القوانين الوضعية.
ثانياً: الأساس التاريخي والاجتماعي والسياسي المتمثل في التكوينات البنيوية الإنسانية (الشعوبية والاجتماعية والسياسية) التي أنتجها المسار العام للتاريخ الإنساني.
ثالثاً: الأساس الشرعي والقانوني المتمثل بالقرارات الدولية التي صدرت عن الأمم المتحدة التي قضت بالاعتراف بشعب الجنوب العربي وبحقه في السيادة على أرضه بحدودها الدولية المعروفة والمعترف بها دولياً وحقه في تقرير مصيره والاعتراف بدولته الوطنية المستقلة وقبولها عضواً كاملا في الأمم المتحدة ومؤسسات الشرعية الدولية الأخرى.
كل ذلك يضع هذه القضية في مصاف المقدس، ومن ثم فهي غير قابلة للمساومة والتنازل والحلول المنقوصة. فعلى هذه الحقائق وتأسيساً على الحق الناتج عنها قامت الدولتان (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية+ الجمهورية العربية اليمنية) اللتان نالتا الاعتراف الدولي وأصبحتا دولا كاملة العضوية في مؤسسات الشرعية الدولية.
لحظة تاريخية فارقة
شكلت تلك الأحداث لحظة تاريخية فارقة، جرى فيها الاعتراف بحقائق التاريخ وما نتج عنها من تكوينات بنيوية شعوبية واجتماعية وسياسية، نقلت المنطقة من حالة اللا دولة إلى واقع الشعبين والدولتين. وبهذا التحديد تحددت حقوق كل طرف وأصبحت العلاقة بين الطرفين محكومة بالقانون الدولي مثلهما مثل دول العالم كله، وهي حقوق تتوارثها الأجيال المتعاقبة للشعبين ما بقيت الحياة على الأرض ولا تلغيها أخطاء السياسة، تنتفع بها الأجيال ولا تملكها، ومن ثم فهي حقوق غير قابلة للتصرف.
إنه من المؤسف حقاً أن تختط السياسة وأنظمة الحكم في الدولتين طريقاً لا عقلانياً في التعامل مع الحقوق الثابتة لشعبي الدولتين ظهرت تفاصيله بالآتي:
أولا: بخروجها عن الأصول الشرعية للسياسة بإقدامها في أوائل العقد الأخير من القرن العشرين على خطوة إلغاء الدولتين باتفاق تذويبهما في شخصية دولية واحدة تحت شعار ما أسموه بـ" الوحدة اليمنية". لقد كان بحق خروجاً سياسياً كارثياً، نقل المنطقة من حالة شرعية محددة تتمثل بواقع الشعبين والدولتين إلى حالة من اللا شرعية واللا دولة أدخلت المنطقة كلها في فوضى الأزمات والإرهاب والحروب، بدأت ولم تتوقف منذ تم الإعلان عن إلغاء الدولتين في مايو 1990م إلى اليوم.
ثانياً: لقد صُدت جميع المحاولات المحلية والإقليمية والدولية بشأن إعادة التفاوض في الخطوات الكارثية التي وقع فيها القادة السياسيين في موضوع الإعلان الوحدوي المتضمن إلغاء الدولتين، فجميعها أجمعت على القول أن الخروج السياسي لأنظمة حكم الدولتين وما ترتب على ذلك من فوضى الأزمات والحروب، كان خروجاً عن الحق وعن النظام الطبيعي الذي يتأطر فيه هذا الحق، كان خروجاً عن إرادة الشعبين وخروجاً عن القانون الدولي وسابقة مدمرة في بنية النظام الدولي بمستوياته المحلية والإقليمية والدولية. وبالتالي فإن الضرر المترتب على ذلك كان بالغاً وشاملا لم تتوقف حدوده عند حدود الشعبين والدولتين، بل طال الجوار الإقليمي والنظام الدولي ومثل خرقاً واضحاً للقانون الدولي المنظم للعلاقات بين البشر، فكانت له تداعياته الخطيرة على العالم كله، الأمر الذي عبرت عنه المواقف والبيانات التي صدرت عن دول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والقرارات الصادرة عن مؤسسات الشرعية الدولية وبوجه خاص القراران الدوليان (924) و (931) الصادران عن مجلس الأمن الدولي، والتي أجمعت على عدم شرعية فرض الحلول السياسية بالقوة، وإن استمرار "الوحدة " بين الطرفين من عدمها أمر يعود إلى اتفاق طرفيها.
إن الواقع الغير طبيعي الناشئ الذي فرضته نتائج حرب 1994م وانتصار القوى المغتصبة للحكم على الجنوب وضمه إلى دائرة نفوذها مكنها من الاستحواذ على كل أسباب ومفاصل القوة وعزز من قدراتها في التصدي لكل المحاولات والمواقف الإقليمية والدولية الرامية إلى منع انزلاق اليمن نحو مزيد من الفوضى والحروب وأفشلتها، فسارت الأوضاع من سيئ إلى أسوأ فتحول نظام الحكم في صنعاء إلى موقع العائق الأول لمسارات الحل السياسي.
إن انتصار قوى الشر في صنعاء واجتياحها للجنوب وفرض واقع الاحتلال العسكري وتمكنها من عرقلة وإفشال المواقف والبيانات والقرارات الإقليمية والدولية أدرك الجنوبيون حينها حجم التحدي الوجودي الذي بات يهدد مصيرهم، فكان لابد من التحرك الشعبي لإسقاط هذه التحديات والخروج من الفوضى واستعادة دولتهم الوطنية الحرة المستقلة، وتحت هذا الهدف انطلق الحراك الشعبي الجنوبي.
إن ذلك الواقع الذي فرضته نتائج حرب 1994م لم يكن تحدياً خطيراً خص شعب الجنوب ودول الجوار العربي فحسب بل أن انعكاساته السلبية الخطيرة مسّت شعب الشمال الذي آزر الحرب، فقد تأكد له فيما بعد أن احتلال الجنوب مثّل من الناحية العملية توسيعاً لدائرة نفوذ مغتصبي الحكم في صنعاء، فقد عززت قدرات وثروات دولة الجنوب من سطوة النظام المغتصب وتقوية آلياته القمعية، فكانت ثورة 11 فبراير 2011م السلمية في الشمال التي رفعت شعارات التغيير وإسقاط النظام.
ثالثاً: لقد بينت الثورتان في كل من الجنوب والشمال بما ترفعه من شعارات وأهداف الطابع المركب لمشكلات وقضايا اليمن. قضية احتلال دولة واستباحة أراضيها وثرواتها في الجنوب ومشكلة اغتصاب سلطة ونظام حكم لا يعبران عن إرادة الشعب في الشمال.
خارطة الصراع السياسي في اليمن
والإقرار بهذه الحقيقة يضع الأساس القوي لصناعة الحل السياسي، حيث أظهرت هذه الحقائق خارطة الصراع السياسي في اليمن وبوضوح تام موضوعاته وأطرافه:
الأول: طرفا الجنوب+الشمال والقضية فشل الوحدة المعلنة في مايو 1990م واحتلال أراضي دولة الجنوب في 1994م.
الثاني: طرفان الشعب في الشمال وسلطة اغتصاب الحكم في صنعاء والقضية فساد النظام السياسي واغتصاب السلطة.
رابعاً: حول هذه الموضوعات وغيرها احتدت الأزمة في اليمن وخيم شبح الانفجار وكان التدخل الدولي الثاني المتمثل في المبادرة الخليجية والقرارات الدولية الداعمة لها لنزع فتيل الانفجار، حيث أعطت الأولوية لإزاحة معوقات الحل السياسي ثم الانتقال إلى البحث في الحل السياسي.
لقد تركز الجهد الدولي على تمهيد الطريق لانطلاق مسار الحل السياسي على البدء من بوابة إزاحة سلطة الاغتصاب ونظامها السياسي بوصفها العائق الأول أمام الحلول السياسية لمشكلات وقضايا اليمن، ونقلها إلى سلطة انتقالية محايدة تتولى إدارة مرحلة انتقالية تم وضع وظائفها وسقفها الزمني، ووضعت خارطة طريق لنقل السلطة تمحور مضمونها حول ثلاثة بنود تترابط ببعضها ترابط محكوم بشروط أسبقية منطقية وزمانية، فتحقيق كل بند منها مشروط بتحقيق ما قبله وهي:
1- تسليم السلطة (يسلّم الرئيس سلطاته إلى الرئيس الانتقالي الجديد).
2- الهيكلة - (ليكتمل تسليم السلطة وضعت الهيكلة كآلية لنقل كل أدوات السلطة إلى السلطة الانتقالية).
3- الحوار- خصصت البندين الأول والثاني لإزالة معوقات الحل السياسي، فيما خصص البند الثالث لإطلاق مسار الحل السياسي (الحوار بين ممثلي الشعبين-طرفي الوحدة المعلنة)، بحيث يكون التمثيل بين الطرفين مناصفة 50% للجنوب و50% للشمال.
سادسا: قوبل كل ذلك بمسلسل التحايل والالتفاف على الثورتين والشعبين وأهداف كل منهما، وعلى الجهد الدولي، مدشنين ذلك بما عرف بمسلسل الانضمامات المريب لأجنحة النظام السياسي التي انقسمت إلى ثلاثة: الأول انضم إلى تيار الحوثي فوضع بذرة التحالف الانقلابي الذي ظهر لاحقا، والثاني انضم إلى ثورة الشباب ليصبح لاحقا ممثلا لها ومحاوراً باسمها وشريكاً باسم ثورة الشباب في السلطة الانتقالية، فيما بقي الجزء الثالث صامتاً ليتولى مقاليد السلطة الانتقالية وتشكيل الحكومة الانتقالية، وكان له هذا الدور لانتماء معظم رموزه للجنوب منعاً لاندفاعهم صوب الانضمام للحراك الشعبي الجنوبي وانكشاف معادلة الصراع في اليمن بأنها بين الجنوب والشمال على خلفية فشل الوحدة وما تسببت فيه من حروب.
نجح هذا المسلسل المريب وكانت له تداعياته الخطيرة على تطور المشهد العام للأحداث في كل من الشمال والجنوب، حيث نجحت أجنحته في وأد الثورة السلمية في الشمال والتأثير على طبيعة تشكيل السلطة الانتقالية وسلبها حياديتها والتحكم في المسار التنفيذي لبنود المبادرة الخليجية، التي جرى التعامل معها من منظور المبدأ القائل " القبول في الشكل ورفض المضمون".