- صحيفة: مخاوف أمنية تعيق فتح طريق تعز خلال رمضان
- تشييع أم تجنيد؟ الحوثيون يستغلون جنازات قتلاهم
- مركز الملك سلمان يوقع اتفاقية مع البرنامج الإنمائي لاحتواء تسرب الوقود من سفينة "روبيمار
- لجنة اعتماد مساكن الحجاج تواصل استعداداتها لموسم الحج بزيارة المساكن في المدينة المنورة
- الرئيس الزُبيدي يناقش مع الفريق الصبيحي مستجدات الأوضاع العسكرية والإنسانية
- أسعار الخضروات والفواكه اليوم السبت 1 مارس بالعاصمة عدن
- أسعار المواشي المحلية بالعاصمة عدن اليوم السبت الموافق 1 مارس 2025
- أسعار الأسماك اليوم السبت 1 مارس 2025م في العاصمة عدن
- الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الشباب والرياضة وجهودها لتطوير البنية التحتية
- الرئيس الزُبيدي يطّلع على الأوضاع الخدمية والأمنية والعسكرية في محافظتي أبين والضالع

قام الباحث العدني "بلال غلام حسين" بالإشارة إلى مواضيع حساسة في الذاكرة الجمعية الجنوبية -التي مرت بمنعطفات كثيرة - خلال السنين الماضية، أثناء تنقله في إرشيف عدن ببريطانيا، الذي تحتاجه الأجيال، لتستلهم منه مكانة عدن التاريخية، وأبناءها من جميع الأطياف والديانات المختلفة، كالجَبرْت والعرب والصومال واليهود..
"الأمناء" أخذت على عاتقها الإضاءة على هكذا مواضيع وتدعو للبحث أكثر من قِبل جميع الباحثين والمثقفين الجنوبيين، لإثراء الواقع الجنوبي وتعريفه بوطنه وكذا تعميق الشعور والانتماء الوطني الذي كان عليه الأجداد، وهذه شذرات من أرشيف عدن كما كتبها الكاتب..
كبرياء عدن
مدينتي عدن تطل بشموخ في إطلالة متجذرة في أطناب التاريخ بكل كبرياء حاملة معها عبقاً سحرياً أصيلاً, مزهوة بعلوها فوق الجميع, تتحدى في وقفتها تلك مرور السنين, صامدة أمام تداول الأيام والفصول, حافظة على وقفتها من خلال جبالها وحصونها الشامخة. فمن بين جدران أرشيف عدن الصامتة ومن أعلى أقبيتها الواسعة التي تحوي على تاريخ الشعوب لآلاف سنين مضت,
أقضي جل وقتي كل يوم باحثاً عن تاريخ مدينتي العريق, وبنظرة بانورامية أرمق شريطاً طويلاً من الأصالة والتاريخ الذي أتنقل بين دفات ملفاته, تارة أتفقد أحوال القبطان (هينس) بين جدران سجن (كلكتا), وأراه عابس الوجه متذمرا يقلب كفيه معبّراً عن احتجاجه وغضبه مما حصل له فيحاكيني قائلاً: "هل هذا جزائي وأنا الذي جئت بدُرة الجزيرة العربية لمليكتي فيكتوريا وسلمتها لها على طبق من ذهب فيكون جزائي السجن الذي أقبع فيه من أجل روبيات قليلة صرفتها لتطوير عدن ولم يدخل في جيبي منها شيء...؟!!"
قادة أفذاذ
وأتحول إلى مجموعة ملفات أخرى بمراجع متسلسلة وأغوص في تفاصيلها لأُشاهد قادة عسكريين أفذاذاً يسعون لتأسيس جيش اتحاد الجنوب العربي للذود عن عدن والجنوب ويقفون بثبات ليكونوا حُماة له, لأنتقل بعدها إلى أحداث الشيخ عثمان لأحضر تفاصيل (المُدارجة) التي حصلت بين أبناء عدن العرب والصومال من عيال الشيخ عثمان عام 41م في ملف كبير لأكون شاهداً على التاريخ في (المُخابطة) التي حصلت فيما بينهم بالبواكير وجدال الحجار, وأجلس في ركن الشوكي وأتمعن في (الهوردال ورسمة الصومالي) وهو يدلي بشهادته في محضر الشوكي, ليأتي بعده مجموعة شهود ليعطوا شهادتهم في هذه الحادثة من صاحب المقهاية إلى الحلاق والشحاري, فصاحب البيت القاعي.
ومن هذه الحادثة أذهب بعيداً وأبحر في ملف آخر وأرى فيه (عمر محمد بازرعة) منهمكاً في مكتب السكرتارية الحكومي وهو يستأنف قرار أراضي التاج لبيعه قطعة أرض بقيمة يراها أكثر من سعرها, ومن ثم أقوم بزيارة مكتب حاكم عدن لأطلع على ملف رجلي الأعمال (علوي الكاف) و(علي محمد ذيبان) وشركائهم وهم يقومون بمحاولة جريئة لتأسيس (طيران اتحاد الجنوب العربي) ولكن الحاكم يرفض طلبهم لعدم استيفائهم بالشروط, وهكذا أنتقل بين كلمة وحكاية لأتحول إلى اتفاقية شراء مدينة عدن الصغرى بين العقارب والإنجليز.
وهكذا يأخذني شغفي وهوسي لأتنقل بين ملف وآخر لأتتبع أحداثاً مثيرة من تاريخ هذه المدينة العريق وأتوقف لبرهة لأتحقق ما حصل في أحداث قنبلة المطار, وقائمة الموقوفين من السفر ومنهم (حسن خليفة) و(عبدالله الأصنج), لأصل إلى أهم مجموعة ملفات تاريخ عدن والجنوب وعددها واحد وعشرون ملفاً متكاملاً سطر تاريخ ترسيم الحدود ، وأرى فيه لجنة حدود عدن وقائدها (عبدالوهاب) الذي يتصبب عرقاً وبيديه قارورة الماء وهو يشير بيديه لضباطه بوضع العلامات الحدودية هنا وهناك, لأتحول بعدها بشغف لعشرة ملفات مختلفة ألوانها تتحدث عن تأسيس شبكة مياه عدن ومفاوضات الإنجليز مع سلطان لحج وتبادل الرسائل فيما بينهما بالعربية والإنجليزية.
ونلبي دعوة (كميشنر) بوليس عدن في الشيخ عثمان وعدن لحضور استجوابات مجموعة من سكان عدن من الجبرت والعرب والصومال واليهود في معركة بالسلاح والعصي حصلت بينهم, وكل واحد يدلي بأقواله تخرج من الشوكي وقد رأسك فيبه خاوي.
وبعد يوم طويل أقضيه مع ملفاتي وأغوص في الزمن الجميل, أعود لأدراجي مرة أخرى إلى منزلي فوق الباص رقم (59) لأرتاح سويعات الليل وأستعيد عافيتي لمتابعة أبحاثي مرة أخرى...
شريط الأحداث
أحداث وتواريخ لا حصر لها حصلت هنا وهناك.. أتأمل في تفاصيلها وأحداثها, وأعيش معها لحظة بلحظة وكأني أراها تحصل أمامي وأعيش لحظاتها بتعمق, أحزن في مواقفها الحزينة, وأبتسم في أخرى, وأسرح بعينين مغمضتين في عبق ذلكم الماضي الجميل الذي أدمنته ولا أريد العودة منه مرة أخرى إلى واقعنا المليء بالمتناقضات والحروب والمآسي, لأبقى في زمن جميل أرخى سدوله ولن يعود من جديد ... أقولها بكل أمانة وصدق ..لو تعيشوا معي هذه اللحظات الثمينة التي أعيشها كل يوم ولحظة مع ملفات تاريخ عدن, أقسم بالله سوف يتحول هذا الشيء في أنفسكم إلى إدمان لن تستطيعوا العيش بدونه, وهذا ما يحصل معي حتى أنني أبدأ يومي تحت قبة هذا الصرح العلمي والثقافي التاريخي وأغرف من خزائنه ما شئت من تاريخ بلدي من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة الخامسة مساءً دون توقف, غير مبالٍ للمأكل والمشرب أو ما يحصل من حولي في تلك السويعات القليلة من عمر الزمان لكثرة انسجامي وشغفي بهذه الملفات, ولا أنتهي منها إلا عندما أسمع المنادي ينادي في المايكروفون في الساعة الرابعة والنصف بإعادة الملفات للاستعلامات مرة أخرى لإعادتها إلى خزائنها مع انتهاء الدوام, وهنا فقط أفقد توازني ولا أعلم ما يحصل لي وكأني عدت للتو من رحلة من خلف زمن مضى لأعود إلى واقع مصدوم وكأن أحداً سحبني بقوة دون إحساس مني من مكاني الذي أنتمي إليه إلى هذا الزمن المقيت...!! جميل هو تاريخ عدن لو تمعنا فيه وفي تفاصيله بإحساس المحب سنرى العجب العجاب وكأننا نعيشه حقيقة واقعة أمامنا...