آخر تحديث :الجمعة 28 فبراير 2025 - الساعة:12:43:49
تتنوع معاناة الأطفال بين الأعمال المختلفة فمنها الشاقة ومنها الخطرة! عَمَالة الأطفال.. براءة مسلوبة وظاهرة تفرضها الحاجة للقمة العيش(تقرير)
(تقرير/ الخضر عبدالله)

تشكل قضية عَمَالة الأطفال باليمن هاجساً للمسؤولين الحكوميين والمنظمات الوطنية والأجنبية في ظل ازدياد أعداد الأطفال الذين يعملون في الأسواق والشوارع والقليل منهم في القطاع الصناعي والخدمي، يواجهون ظروفاً صعبة يتعرضون للمضايقات الجنسية والضرب الجسدي والقهر النفسي، ويقف الفقر والجهل وراء تفشي ظاهرة عمالة الأطفال ..

وتعتبر عَمَالة الأطفال من بين الظواهر الاجتماعية التي أخذت أبعاداً كثيرة في الوقت الراهن وذلك نظرا للنتائج الوخيمة التي تنتج عن عمل الأطفال في سن مبكر بغض النظر عن القوانين الصارمة والردعية التي تحد من هذه الظاهرة أو جمعيات تحمي هذه الظاهرة , ولتسليط الضوء على هذه الظاهرة والتي انتشرت مؤخرا كالفطريات وشكلت منعرجاً خطيراً في حياة الأطفال التي دفعتهم الظروف القاسية قصد الخروج للعمل واتباع سياسة البحث عن المال، "الأمناء" قامت بجولة استطلاعية إلى أحد الأسواق الشعبية المشهورة بمحافظة أبين وهذه هي تفاصيل حصيلة هذه الجولة:

مأساة الفقر وبيع الأكياس والصحف!

قبل أن تكون لنا صورة عن هؤلاء الأطفال نزلنا إلى أكبر الأسواق الشعبية بعاصمة المحافظة أبين, حيث سرقت آذاننا أصوات تدوي في السوق وسط زحمة الناس وصيحات الأطفال تارة حول بيع الأكياس والصحف والمجلات ومرة عن حلاوة ورخص الفاكهة ، هي أصوات طفولة بريئة استُغِلت أو دفعتها الظروف للعمل ، ولمعرفة العديد من الخبايا حول الظاهرة كانت لنا وقفة مع العديد من الأطفال في السوق لنقل معاناتهم ، حيث عبّر العديد مِن مَن التقيناهم والكثير منهم أن الظروف الاجتماعية دفعتهم إلى ذلك . "أحمد "كأحد الأطفال يمتهن مهنة بيع الصحف والمجلات في الشوارع منذ قرابة ست سنوات ، كما تحدث إلى زميلَيه في المهنة الذي ولج إلى عالم الشغل بداية من مهنة البناء ليعرج بعدها إلى عالم السوق الشعبي ممتهنا بيع الصحف والمجلات .

كما لفت انتباهنا في العطلة الصيفية خروج العديد من الأطفال لحمل البضائع على عربات الجواري كمهنة استثنائية قصداً لتلبية حاجياته والتي عجز معظم الأولياء عن توفيرها ، وليس بعيداً عن السوق  توجهنا إلى سوق مدينة لودر المكان الذي يستقطب العديد من الأطفال لخدمة "حمل البضائع على العربات" هذه الشريحة التي لا تعرف الملل خاصة لما يتعلق الأمر بجني المال ، حيث يفسر لنا محمد صاحب 14 ربيعا :أن يستغل دائما فرصة العطل من أجل العمل بدل مراجعة الدروس واستدراك ما فاته ، وذلك نظراً - كما يحدثنا - أنه يحاول يوفر مصروف جيبه له ، ووالده لم يستطع توفير كل حاجيات البيت خاصة ونحن نعيش ظروفاً صعبة وارتفاع الفاحش للأسعار في كل شيء، ومن باب الحيرة عبّر لنا عن تمعضه الشديد عن غياب مستلزمات العيد في بيته هذا العام نظرا للظرف السابق ذكره.

تنوع معاناة الأطفال

وفي الشارع يتنوع ويختلف وضع الأطفال وتتنوع المعاناة التي يواجهونها فيه، وهناك أطفال يتوقف بهم الأمر للعمل على الرغم من صغر سنهم وبأجور زهيدة جداً بالكاد تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية من الطعام، حيث أن منهم من يعيل أسرة بكاملها فيتحمل عبء المسؤولية مبكراً، والأسوأ من ذلك تفرض عليهم ظروفهم التشرد في الشوارع واحتراف التسول والسطو ويقعون ضحية لعصابات مشبوهة توفر لهم البيئة الخصبة للانحراف والضياع، وفي أوقات كثيرة يكون سبب تشرد الأطفال وانحرافهم ناتجاً عن مشاكل أسرية تجعلهم يفرون من بيوتهم ليقعوا في براثن الانحراف فلا يجدون من ينقذهم منها.

أما الطفل "صالح" فقد لجأ إلى العمل على الرغم من أن عمره لا يتعدى 12 سنة، وجد نفسه في ورشة ميكانيكا السيارات، وقد يصبح محترفا في هذا المجال في المستقبل، يقول : "إن والده عاجز عن العمل وأن له أخوة أصغر منه وأمه لا تملك أية حرفة لإعالتهم، وظروف أسرته صعبة جداً".

وتبدو قصة الطفل "همام" مشابهة إلى حد بعيد لقصة الطفلين محمد وصالح، فهو يقوم ببيع بعض الصحف للسائقين وأصحاب البقالات والورش ويبيع الصحف في الجولات في لهيب حرارة الشمس، أشار إلى أنه غير مقتنع بهذا الواقع لكنه قال بنبرة يغلب عليها الأسى: «لا أستطيع أن أفعل شيئا».. همّام ذو الربيع الثالث عشر أضاف أنه كان يحلم بإكمال الدراسة وأن يصبح ذا مهنة رسمية (أستاذاً أو دكتوراً أو مهندساً...) ولكن الظروف الأسرية فرضت عليه أن يعمل مبكرا في هذه المهنة ..

الأطفال والأعمال الشاقة والخطرة

وعند مرورك بالمحلات التجارية المعروفة ببيع مواد البناء كالإسمنت والخشب يظهر جلياً أمام كل محل العديد من الأطفال جالسين ينتظرون عملاً ما ، كحمل الإسمنت  والخشب ورفعها أو أشتغال أي عمل في المجال وهو العمل الذي يعتبر للكثير منهم مرتزق وحيد يوقيهم من الفقر المدقع بدل السرقة والمتاجرة بالمخدرات ، كما يحدثنا أحد الأطفال ممن التقيناهم عن تفرغه للعمل بعد فشله في النجاح في المسار الدراسي واختار هذا العمل نظرا لأنه لم يصل إلى مستوى مطلوب يؤهله للحصول على مقعد دراسي كمتربص في التكوين المهني .

ضحايا الظروف والعصابات الإجرامية

وهناك أطفال وقعوا ضحايا لعصابات إجرامية اختطفتهم حتى من أمام بيوتهم أو من مدارسهم للمتاجرة بهم في أعمال غير شرعية، وأحياناً في مدن محددة داخل الوطن، وأحياناً أخرى يعبر القدر بهم الحدود ليجدوا أنفسهم في دولة مجاورة لممارسة هذه الأعمال المشبوهة، ويتعرض أغلبهم للاغتصاب والعمل في التسول المنظم، ويجدون أنفسهم تحت وطأة الضرب والإهانات والتوبيخ والضياع والإذلال.. وهذا الواقع تتنوع أسبابه كما تنوعت أشكاله، الفقر والمشاكل الأسرية والثقافية والاجتماعية والمتغيرات وصعوبة الظروف المعيشية وتدهور مستوى التعليم والخلافات والنزاعات القبلية.

جهات مسؤولة عاجزة!

الحكومة عاجزة عن استيعاب الأطفال في إطار برنامج تنموي وتربوي وبرامج تنشيئية تكفل الحفاظ على مستقبل أجيال الوطن لتكون المسؤولة عن بنائه في المستقبل القريب.. لابد من توفير الدعم الكافي لبرنامج حماية الأطفال وتوفير التعليم المناسب وضمان عدم تسربهم من الدراسة والتعليم الأساسي بالذات من خلال آليات تبحث في مشاكل الأطفال وتعمل على حلها ومعالجتها، وتقدم الإرشادات والاستشارات النفسية والاجتماعية للجميع دون استثناء، أيضاً لابد من تنفيذ دراسات بحثية ميدانية حول عمالة الأطفال وتشردهم والانحراف والمتاجرة بهم، ولن يكون الأمر سهلاً دون بذل جهود مضاعفة تتآزر فيها الجهات الرسمية والمنظمات الناشطة لتقديم المعالجات كافة.

الاستفادة من تجارب الآخرين

لابد أن تستفيد بلادنا من تجارب الآخرين في التعامل مع القضايا المرتبطة بهذا الشأن، ففي أكثر من دولة تم إنشاء مجالس عليا للطفولة لتنسيق الجهود وتعزيز البرامج وتفعيل تحركات وأدوار المنظمات المحلية والدولية، بعد أن يتم وضع صياغة جملة من الضوابط التي تضمن فعلاً أن تنصب جميع الجهود المشتركة لصالح حماية الطفولة وتأمين الوصول إلى مستقبل أفضل ومستقر لهم وانتشال من وقع منهم في مخالب الانحراف والضياع والتشرد.

أجمل وأروع لحظات الحياة

 وتختزل مرحلة الطفولة أجمل وأروع اللحظات التي يعيشها الإنسان في حياته، وتظل عالقة في الوجدان، ولاتزال يكسوها رونق البراءة وتزينها إشراقة الطهر، الطفولة ربيع العمر الذي لا تعود إشراقاته الأولى إلا بالذكريات، لكن ماذا لو كانت الطفولة تعيسة يلفها ذل التشرد وتثقلها وطأة القهر؟

هل تحظى بشيء من براءة الطفولة ؟ أم أنها ليس لها من ذلك نصيب؟ أليس من حق الأطفال جميعا دون استثناء التمتع بطفولتهم ولحظاتها البريئة والنقية؟ ، أم أن هذا الحق محصور في فئة محدودة من الأطفال؟ وتعيش ضمن طبقات مخملية توفر لديها إمكانيات مادية ومعنوية للتمتع بهذه الامتيازات والحقوق دون غيرها!!




شارك برأيك