آخر تحديث :الاحد 02 فبراير 2025 - الساعة:16:42:46
هذا ما حدث مع أسرة العيزبة المكونة من أربعة أفراد فمن المسؤول إذا !!
(الأمناء / مشعل الخبجي :)

 

موقع الاشتباك الذي حدث ليلتها يبعد عن المنزل الذي تعرض للقصف وأبيدت فيه أسرة بكاملها ما بين 2 إلى 3 كيلو متر ولا توجد في المنطقة أي اشتباكات على الإطلاق، لا يعرف الناس ماذا حدث  في المنصورة في تلك الليلة هل هي خطة أمنية هدفها حماية الناس وأمنهم واستقرارهم، دعونا نفترض ذلك حتى وإن كان غير منطقي  بحكم بُعد المنزل الذي قُصف وهو يبعُد ما يقارب 3 كيلو متر عن موقع الاشتباك ، لكن لنفترض أن الأمر حدث ضمن تنفيذ خطة وأنه ربما هناك شيء من التخفيف لهؤلاء الناس البسطاء، لكن المشكلة أن ما أشيع عن كونها خطة أمنية من قبل أطراف رسمية نفته أخرى رسمية أيضا، وفضلاً عن ذلك حتى في حال افتراض أنها خطة أمنية لصالح الناس ماذا حققت من نتائج؟؟ وكيف لدولة أن تهرب خلال خطة أمنية  وتترك الأمر بعدها وكأن شيئا لم يحدث؟؟ رغم سقوط ضحايا  مدنيين.

إذاً من كل الجوانب لا شيء منطقي أو مقنع، لذا فمن حق محمود وأخو الشهيد الذي التقيت به أيضا وأقاربهم أن يعرفوا لماذا؟ ومن؟وكيف تم إبادة أسرة بكاملها؟ ذلك كل ما يريدونه، رغم ما حلّ بهم من كارثة إلا أن  محمود بدأ متفهما وواقعيا كرجل وطني وعسكري ،لكن حتى ذلك المطلب البسيط لا يستحقونه فلا يوجد استهتار واحتقار وأدنى ذرة احترام لآدمية الناس ولا لدين الله وشرعه.

معضلة المقاومة :

لا يتوقف الأمر عند السلطة المحلية أو سلطات الدولة العليا في كل هذا الاسترخاص لدماء مواطنيها فالألم الذي يعتصر محمود وأقاربه ،والشعور بالخذلان يشمل أيضا قادة المقاومة ليس لكونه مقاتل ضمن تلك المجاميع على الاطلاق وإنما لكونه مواطن بسيط وإنسان قبل أي شيء ارتُكبت في حق أقاربه البشر مجزرة شنيعة تدمي القلوب وعندما  لا تهتز شعرة لأحدهم يفترض أن يأتي دور قادة المقاومة طالما هي توصف بـ(المقاومة الوطنية)، تلك الجرائم تشكل نقاط  جوهرية للغاية توضح طبيعة ونوع قادة المقاومات وما إن كانوا يستحقون  صفة قادة المقاومة(الوطنية)فعلا وليس كما يحدث من انفلات غير عادي في اطلاق التوصيفات الكبيرة بشكل لم يحدث في أي مكان وزمن في العالم كله والمهم أن مضامين صفات كهذه تتعلق بالاهتمام بالقضايا التي تمس حياة الناس بشكل رئيسي وليس حتى القتال بشجاعة واستبسال، لأن الاستبسال والتضحية لابد أن ترتبط في الأصل بكونها لصالح الوطن والوطن يمثله الناس الذين فيه.

الحديث عن المقاومة هنا جاء إثر عبارات لفتت انتباهي قالها محمود العيزبة قال:"نسمع عن قتال بين مقاومة ودولة طوال أيام وقتلى وجرحى حول مرتبات ووظائف ومستحقات يقال أنها لم تصرف للمقاومة ،لكن المقاومة التي تفعل ذلك هل تفكر بمطالب ومظالم الناس التي ترتكب بحقهم كل يوم، إذاً هل القتال كان لأجل الناس وقضاياهم وحقوقهم العامة أم للحصول على مستحقات نهاية الحرب؟؟ ما يقصده محمود وشرحه "من حديث محمود أن المقاومة وهو لاشك أحد أنبل وأشجع  رجالها  لكن بلا كاميرات تصوير، أنه لو تنازعت المقاومة مع السلطة حول قضايا الناس العامة وأمنهم كان الناس سيفضلونها على أي دولة وسيكونون إلى جانبهم ويوكلون أمرهم لها بدلا من تفضيل دولة وإن كانت ظالمة أو جزء من الاحتلال.

الأجيرون :

لا تتوقف معاناة محمود وأقاربه عند كونهم لا يعرفون شيئا وأن كل الأطراف لم يكلف أحدهم شرح الأمر لهم ،الأكثر إيلاما على الاطلاق كحقيقة لا تقبل الجدل أن هناك أفرادا وربما جماعات تتلخص مهمتهم في الدفاع والتبرير بعد كل جريمة ترتكب نتيجة خطأ عسكري مثلاً، فيهب المؤجرون للتبرير والتغطية حتى وإن كان ذلك على حساب الضحية، فقد يكون غير مقصود لكثير من الأفراد لكن أجزم أن هناك أفراد وجماعات تعمل بالإيجار بشكل منسق.

هذا ما حدث مع أسرة العيزبة المكونة من أربعة  أفراد  قضوا، كان المؤجرون قد بدأوا عملهم الموكل إليهم  في بث إشاعات غير مباشرة حول أنه لا يمكن قصف المنزل بلا سبب وأنه لابد أن هناك  خطب ما..

الجميع يعرف صهر محمود العيزبة الشهيد بإذن الله (رويس) شاب عصامي مكافح لا يملك غير محلا تجاريا متواضعا يسخر جل وقته فيه ليعيل أطفاله بلا أي ارتباطات أو ميول سياسية من أي نوع .

كل ما في الأمر أن بث إشاعات كهذه صار الطريق الأسهل لأوغاد عاجزين عن صياغة أبسط توضيح يدينون به للضحايا وأقاربهم وللتغطية على عجزهم وجبنهم  في فعل ذلك ومستغلين الوضع الأمني المتردي للغاية وحاجة ومطالب الناس لتحسين الوضع يكتفون ببث أو تسريب إشاعات في هذا المقيل أو ذاك لإثارة الشكوك ليفقد الأمر بعدها اهتمام الناس .

الإعلام  :

تكتفي وسائل الإعلام برصد الأرقام وزادت وتيرة  استخدام هذا النمط من التعاطي مع قضايا الناس مؤخرا بشكل كبير مع ازدياد القتل الذي يحيط بالناس من كل مكان،لا أحد يهتم بالإنسان ومعاناته أصبحوا مجرد أرقام..لكن مع وجود فارق بسيط،  لكن شيء مهم قيل لي على لسان محمود العيزبة نفسه إذ قال :"هل يفترض بالإنسان أن يكون مرتبط بجاه أو منطقة أو قريب لمسؤول أو صاحب مال حتى يأتي إليه الصحفيون ويهتموا بقضيته " ؟؟.

عند زيارتي للمنزل الذي ارتكبت فيه الجريمة الدامية كانت أولى الكلمات التي قالها لي محمود بلهجة ردفانية "وينك ياخي وينك ولا حد ظهر علينا" كان عتاب مؤلم بالنسبة لي سواء جاء من محمود الذي أعرفه او أي إنسان آخر وكان في موقعه الكارثي..

ربما مشكلة محمود العيزبة وشقيق الشهيد وكان بجانبه أنه لم يفكر للحظة بالتقاط صور له في جبهات حقيقة كانت اوافتراضية، أو نشر مقاطع فيديو، ولا يوجد لديه فريق فيسبوكي للتطبيل والتمجيد الذي يصل لحدٍ مقيت كما لدى الكثير، خاصة من يسمون قادة وزعماء مقاومة،

بالفعل هي صارت مشكلة محمود وغيره من الأبطال المجهولين، فالجميع لا يرون إلا ما يريدون أن يروه أو ما تتناقله على وسائل التواصل الاجتماعي أو عبر جماعات مناطقية  لتمجيد هذا وقدح ذاك وفرق للقيل والقال وإلا فهناك الاف القصص لبطولات وأبطال  حقيقيون والاف المآسي والمظالم الإنسانية بالمقابل تحدث للناس كل يوم، لو كان محمود العيزبة وأصهاره  كذلك كانوا قد تلقوا الاف المكالمات وبيانات الإدانة والاستنكار والحملات التضامنية والمطالبة والضاغطة بالكشف عن ما حدث لابنته وزوجها وأطفالهما ومن المسؤول عن ذلك؟ ولماذا لا يتم الاعتراف بالخطأ ذلك أقل عزاء معنوي يرفع القهر عن القلوب المكلومة؟

عندما يغضب من لا يغضبون:

عندما تحدث محمود عن الإعلام لم يكن يبتغي شهرة على أنقاض موتاه وهم أقرب الناس إليه  كل ما كان يفكر به  الرجل هو الألم  الذي يثقل كاهلة أن (لا توضيح)وكأن شيئا لم يحدث ..هل نحن حيوانات أو مجرد جماد تكسر وعادي إذا قتلونا ؟؟ قالها محمود.

محمود رجل طيب يبتسم دوما وشجاع ومقاتل صلب ووطني حتى النخاع منذ الوهلة الأولى لانطلاق ثورة الجنوب كان حاضرا، لكن في لحظة ارتفع صوته ولاح غضب الرجل الذي لا يعرف الغضب وبدلا عنه يبتسم دوما قال بصوت عال متقطع بفعل عبرات تخنقه :" ياخي اعتبرونا مجرمين كلنا مجرمين أنا وبنتي وزوجها وأطفالهم وتعالوا اعتقلونا نحن كلنا البقية بس قولوا لنا ليش وكيف..وماذا حدث ؟؟

لعنة (ليال):

شاء الله أن تبقى ليال 4سنوات على قيد الحياة وهي الناجية الوحيدة من أفراد الأسرة ستتشافى ليال وستجد نفسها فجأة بلا أم وبلا أب وبلا شقيقاتها الاثنتين،،وخلال سنوات ستكبر ليال وتوقن حجم ما حدث لها وكيف أنه ورغم ذلك لم يحرك فيهم وفي الجميع شعره من الإنسانية وعندها ستظل تلعنكم إلى يوم مماتكم.

يكفي الحديث عن ناجية وحيدة ليستشعر كل من تبقى في قلبه ذرات من الإنسانية حجم الكارثة التي حلت بهؤلاء القوم الطيبون والبسطاء والشرفاء والوطنيون حتى النخاع ويتحرك للمساعدة أو المطالبة في تلبية مطالبهم البسيطة بشكل لا يوصف مقارنة بحجم الجريمة التي ارتكبت بحقهم وهي (ما الذي حدث؟وكيف؟ولماذا؟ومن فعل؟) مجرد إجابات لا أكثر ولا أقل يا هؤلاء .

 

 

 

 

 




شارك برأيك