آخر تحديث :الاحد 02 يونيو 2024 - الساعة:02:33:18
قيادي من طراز نادر صال وجال في ساحة السلم والوقا حتى نال الشهادة
(بقلم / أحمد الربيزي)

 

الله سبحانه وتعالى يوهب بعض الرجال صفات القيادة من خلال الحضور الطاغي الذي يمتازوا به (كاريزما) وتجد له أتباع يحترموا أي توجيهات تصدر منه تلقائياً، دون الحاجة الى إن يُنصب نفسه، أو إن يتم تنصيبه كقائداً وهنا دعوني أحكي لكم عن أحد هؤلاء الذين وهبهم الله هذه الصفات، أنه القائد الشهيد محمود حسن زيد، فقد كان قائداً لنا غير متوجاً رسمياً من حيث أنه منذ بداية إنطلاقة (الحراك الجنوبي) كان أول من يبادر بتجميعنا (نحن مجموعة خورمكسر)، بقيامه بالاتصال بنا واحد واحد صبيحة كل فعالية من " الفعاليات الصباحية " التي ينظمها الحراك الجنوبي منذ بداياته الأولى، والتجمع مع الآخرين لعقد لقاءات التصالح والتسامح في عام 2006م، ولازلت أتذكر كيف كان صوته يتردد في ذهني من خلف سماعة الهاتف المنزلي : "قووم يالله . لن يأتي الجنوب لو بقينا نائمين .. قوم يالله سرينا " وحينها قد يكون الوقت الخامسة أو السادسة صباحاً، وكذلك الفعاليات المسائية بحسب مكان وزمانها .. وكنت حينها أعمل الف حساب لصوته القوي ولـ (مناجمته) .. ولهذا قد أصحى عدة مرات قبل ان يرن جرس هاتفي المنزلي .. وهذا ما يحصل لنا جميعاً نحن فرقة خورمكسر بعدد الأصابع في البداية، الى إن صرنا جماعات كبيرة فيما بعد.

وعند بدء أي فعالية سلمية أتذكر ان القائد محمود حسن زيد وقد لا يكون عضواً في اللجان التحضيرية يُركن اليه بالمهمة الأمنية في غالبية التظاهرات والاعتصامات في عدن وفي ردفان، أو مهمة فتح ثغرة للوصول الى الساحة المحاصرة بقوات الاحتلال المراد تنفيذ الأعتصام السلمي فيها، وكان الى جانب أخي وصديقي المناضل عبدالقادر ثابت من أبناء وسكان حي عبدالقوي في الشيخ عثمان، والذي بوجودهم لا نيأس من الوصول الى ساحة الفعالية.

وبعد وصول الجماهير وأحتشادها العظيم أمام منصة الأعتصامات، المملوءة بقيادات هيئات الحراك السلمي القادمين من كل مناطق ومحافظات الجنوب المحتلة، في هذه الأجواء الحماسية، وبعد كل هذه الجهود المبذولة في التحضير، عليك ان لا تبحث عن القائد محمود حسن زيد بين القيادات في المنصة المكتظة بالعشرات ممن يتنازعوا التغطية النموذجية لـ(بصمة الكاميرا) ويتخاطفوا حنية (المايك) الساخنة، مطلقا بل تأكد بأنك ستجد (بن حسن) بعيداً هناك خلف المنصة قاعداً بهدوء، وفي سرور ونشوة واضعاً رجلاً على رجل، يرشف سيجارته بعمق، ويتأمل الجماهير بأرتياح تام، وأول ما يشاهدك، سترتسم على محياه أبتسامة عريضة، ويبادرك بـ(حبتين مناجمة).

تم أعتقال القائد (محمود) بمعية مجموعة من قيادات الحراك الجنوبي (باعوم وعلي منصر وبن فريد ويحيى غالب وعلي هيثم وغيرهم ) في 31 مارس 2008م وحينها تشردت بقية القيادات في الأرياف .. وبعد ستة أشهر خرجوا من المعتقل، وبدأ موسم جديد تشكلت فيه هيئات الحراك وتعددت وكنت أجد القائد محمود حسن زيد متذمراً بشدة من تعددها وقد ظهر على سحنة وجهه حزن شديد وأسى من هذا التشتت، وقد رفض الدخول في هذه الهيئات، وان كان على مقربة من (حركة نجاح) أو قد يكون له أسهامات في تأسيسها، الا انه لم يكن من قياداتها .. وفضلت علاقتي بـ(محمود) تتراوح متذبذبة بحسب الأجواء التي كانت تشتحن بها تباينات هيئات الحراك المُشّكلة، حتى أنه تعرض لوعكات صحية ألمت به حينها .. وكنت التقيه بين وقت وآخر، ونجلس نتحدث في كل شيء وكان يردد عليّ عبارته التي ترن في ذهني الى الآن عند تذكرها كان يقول لي : "شوف هؤلاء الذين يهزوها وهي في الجفير، عندما يشتد (الصدق) لن تجد منهم واحد " .

كنت لا أشك يوماً بشجاعة القائد محمود حسن زيد وأدري بصولاته، وأتذكر في شهر أبريل 2009م وقد اشتد العدوان البربري لقوات الاحتلال اليمني على ردفان، في ما تعرف بـ(معركة جبال لحمرين) وأشتداد القصف على قرى ردفان، وكنت حينها مراسل لقناة (عدن الفضائية) التابعة للحراك الجنوبي، وكنت أنقل الأخبار مباشرة الى شريطها الأخباري (ليل نهار)، وكذلك أنقل الأخبار الى منتديات الضالع بوابة الجنوب، وبعض المواقع الأخبارية، وكان معي في الجبهة هناك مجموعة من المراسلين، وأهمهم الإعلامي قائد نصر والإعلامي صالح محمود، وكنت على تواصل مع بعض القيادات التي تخوض القتال في ملحمة (لحمرين)، وحينها اتصلت بالقائد محمود حسن زيد، وكنت أظن انه في العاصمة عدن، الا أنه كان في ردفان مع المقاومة، ومجرد ما رد عليّ من هاتفه الا واسمعني عبارته التي دائما يقولها لي : " هاااه قد قلت لك ان البعض يهزوها وهي في الجفير ... الخ " فضحكنا جميعاً .. يومها كانت معنوياته ونفسيته في قمة نشوتها.

مرت الأيام وكلاً ذهب الى ما قدر له الله، وكنت أتصل به بين الفينة والأخرى، وأجد صوته كما هو، بالرغم ان المرض أشتد عليه، وقمت بزيارته قبل الحرب العدوانية الاخيرة، وكانت لديه مشكلة مع (البلدية)، وجئت اليه متضامناً، وكان لا يفتأ من النقاشات والمناجمة المحببة بين الاصدقاء .. كان سعيد جداً يومها، وسر سعادته ان الكثير من شباب خورمكسر جاؤوه يتضامنوا معه، وكانوا على استعداد لأي شي يأمرهم به، وكانت هذه آخر مرة أشاهده فيها .. لكن فضلنا على تواصل متقطع (هاتفياً) اثناء معركة الدفاع عن الأرض والعرض معركة صد العدوان (الحوفاشي) والتي خاضها ببسالة لا مثيل لها وكانت قصة استشهاده التي رواها زملائه في جبهة الكورنيش قصة بطوله بحد ذاتها .. وقبل استشهاد هذا القائد الغير متوجاً رسميا، كانت فرق المقاومة الجنوبية في جبهات خورمكسر قد أتفقت بأغلب عناصرها وقياداتها على تتويج القائد العميد محمود حسن زيد قائداً لجبهات الدفاع عن خورمكسر، وأبلغوني الشباب بذلك، ويومها وجدت العميد الخضر قاسم الشعوي وأبلغته، فكان مرحبا بهذا الأمر .. ولم تمر الا يومين على ذلك حتى جاء موعد (معركة الكورنيش) تاريخ 19 إبريل 2015م التي توج الله فيها القائد محمود حسن زيد البكري شهيداً قبل أن يتوجوه زملائه المقاتلين رسمياً قائدا لهم في جبهات الصمود في خورمكسر البطلة.

----

* من صفحات أكتبها عن بعض شهداء الدفاع عن الأرض والعرض في معركة طرد مليشيات الاحتلال الغازية من أرض الجنوب

-------



شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل