آخر تحديث :الثلاثاء 30 ابريل 2024 - الساعة:19:41:00
المناضل الشيخ يحيى قحطان يكتب عن رفيقة فقيد الوطن المناضل الكبير الشهيد محمد صالح مطيع في ذكرى استشهاده
(تقديم / الشيخ يحيى عبدالله قحطان المفلحي)

 

قال الله تعالى (وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقۡتَلُ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ أَمۡوَ ٰ⁠تُۢۚ بَلۡ أَحۡیَاۤءࣱ وَلَـٰكِن لَّا تَشۡعُرُونَ) ،
و قال الله عز وجل (مِّنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ رِجَالࣱ صَدَقُوا۟ مَا عَـٰهَدُوا۟ ٱللَّهَ عَلَیۡهِۖ فَمِنۡهُم مَّن قَضَىٰ نَحۡبَهُۥ وَمِنۡهُم مَّن یَنتَظِرُۖ وَمَا بَدَّلُوا۟ تَبۡدِیلࣰا) ،
كم هو عظيم ان نقف وقفة اجلال واكبار ، المفعم بالتحية و التقدير ، و الامتنان و العرفان ، 
لرفيقنا و شهيدنا الاخ العزيز و الصديق الكريم ، اعز الرفاق ، و اكرم الكرماء ، و اوفى الاوفياء ، و اشرف الشرفاء ، انه المناضل الكبير ، و المكافح الغيور ، و الفدائي الجسور ، الشهيد محمد صالح مطيع ، طيّب الله ثراه واسكنه فسيح جناته ،
و ذلك لاحياء الذكرى ٤٣ عام لاستشهاده و اعدامه من قبل رفاقه ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل ،
ولا ريب فإن حياة الشعوب زاخرة بالامجاد 
و الابطال ، والقاده المصلحين الاخيار ، 
اولئك الغر الميامين ، 
المجاهدون الابطال ، و المناضلون الاحرار ، و الشهداء الابرار ، 
الذين يأبون الضيم و الهوان ، و يرفضون الظلم و الطغيان و الاستبداد ، و يعشقون الجهاد في سبيل الله ، 
من اجل السلامة والاسلام ، و الحريه والاستقلال ، والامن والسلام ، و العدل والاحسان ، متسلحين بالعقيدة الاسلاميه السمحاء ، 
عقيدة الحريه و المحبه و الايثار ، 
عقيدة التوحد و التصالح و الوفاق ، 
عقيدة التراحم و التسامح و الوئام ، 
مضحين براحتهم الوادعه ، و مهجهم الغاليه ، و دمائهم الطاهره ، من اجل حرية و كرامة بلادهم و مواطنيهم ، و طرد المحتل البريطاني من ارضهم الطيبه ، و من عدن الوادعه عدن الحضاره والسلام و من جنوبنا الحبيب ، 
ولذلكم فقد كان رفيقنا الحبيب و شهيدنا المجيد ، البطل الهمام ، الشهيد محمد صالح مطيع ، في مقدمة تلك الكوكبه الرياديه و المناضله و الفدائيه ، 
و الذين استعذبوا الكفاح و النضال المتواصل ، 
منذ فجر ثورة ١٤ اكتوبر الخالده عام ٦٣م  ،
ضد الاستعمار البريطاني ، و مخططاته العدوانيه ،
انها بريطانيا المتصهينه و النازيه ، والتي استولدت اسرائيل الارهابيه سفاحاً في فلسطين العربيه ظلماً وعدواناً ، 
حقاً انهم مناضلونا الاحرار الذين التزموا بالجهاد و النضال المتواصل ، لكي يهبوا لامتهم عذب الحياه الحره و الكريمه ، 
و تحقيق الاستقلال الوطني في ٣٠ نوفمبر ٦٧م ،
و نحن عندما نحيي ذكرى استشهاد و قتل رفيقنا الشهيد محمد صالح مطيع ،
فانه ينبغي علينا جميعاً ، الاشاده بدوره النضالي ، و ذكر مناقبه المثاليه ، و شجاعته النادره ، و اخلاقه الفاضله ، و سيرته الحميده ، ليكون لنا و لاجيالنا خير قدوه واحسن اسوه ، 
و كما ارشدنا رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ( اذكروا محاسن موتاكم ) ، ومن باب اولى ذكر محاسن شهدائنا.

أجل لقد كان رفيقنا مطيع في مقدمة تلك الكوكبه الرياديه و المناضله و الفدائيه ، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، و في المقدمه  منذ يفاعته  و شبابه حيث كان من رواد و قادة الجبهه القوميه ، رائدة الكفاح المسلح ، والتي انطلقت في ١٤ اكتوبر من على قمم جبال ردفان الشماء عام ٦٣م ،
حقاً لقد كان الشهيد مطيع ، يمثل نموذجا فريداً ، لتحليه بالقيم الايمانيه و الاخلاقيه ، والنقاوه الوطنيه والتحرريه ، والنزاهه الشخصيه.

ولقد اتصف رفيقنا الشهيد مطيع بالشجاعه والاقدام في الجبهات والخطوط الاماميه بفدائيه نادره ، وكان له صولات وجولات يخوض الملاحم البطوليه والاعمال الفدائيه في ميادين الشرف والكرامه والتحرير ، ضد قوات الاحتلال البريطاني ، في روابي صيره وشمسان ، وضواحي عدن والتواهي والشيخ عثمان ،وجبال الضالع ويافع وردفان ، وفي كل انحاء الجنوب.

وعند قيام المسيره الاصلاحيه التحرريه في يافع بقيادة الجبهه القوميه في شهر يوليو عام ٦٧م ، من اجل اصلاح ذات البين وانهاء الثارات و الفتن والحروب القبليه ، وترسيخ النظام والقوانين ، كان رفيقنا مطيع يزورنا الى يافع بين حين وآخر ويقدم لنا توجيهاته الرشيده ، والمشاركه في تشجيع المبادرات الجماهيريه في بناء المدارس وشق الطرقات وقيام المشاريع والتعاونيات في المديريه.

وبعد تحقيق الاستقلال الوطني في ٣٠ نوفمبر ٦٧م كان الشهيد مطيع قد شغل عدة مناصب قياديه منها وزير الداخليه ، وفي عام ٨٠م ، وزير للخارجيه ، ونعم الوزير الكفؤ فقد كان بحق صقر الجزيره العربيه ، حيث اتصف بالحكمه والحلم والمرونه ، والحفاظ على الاخلاق الفاضله والتعاليم الاسلاميه السمحاء ، القائمه على الوسطيه والاعتدال ، واحترام الرأي والرأي الآخر ، والتحلي بالتصالح والتسامح والسلام وحسن الجوار مع دول الخليج ، حيث كان يحاول التعامل خاصة مع المملكه العربيه السعوديه ودول الخليج بكياسه وتسامح وحكمه وحنكه سياسيه ، وكان يبذل مساعيه الحميده والدبلوماسيه للتوصل الى تطبيع العلاقات الاخويه ، القائمه على حسن الجوار ، والعلاقات المتكافئه والاحترام المتبادل ، بدلا من العداء والجفاء والمقاطعه ،

لقد كان الرفيق مطيع من ابرز قيادات اليمن الجنوبي ، ومن الشخصيات القويه والحكيمه والمعتدله ، والتعامل بمرونه في عالم القياده والسياسه والنواحي الدبلوماسيه ، يتمتع باخلاق عاليه ، وحنكه سياسيه فريده وخاصه في العمل الدبلوماسي كوزير للخارجيه ، وكانو يسمونه "رجل المهمات الصعبه" ، حيث عمل كوزير للخارجيه على اقناع المملكه العربيه السعوديه ، والامارات والكويت بفتح صفحه جديده مع الجنوب ، وتحقيق التصالح والتسامح والتواصل ، بدلا من الجفاء والخصام والمقاطعه.

وكان يقول الرفيق مطيع " اسعد يوم في حياتي ، عندما رايت علم اليمن الديمقراطيه يرتفع فوق منظمة المؤتمر الاسلامي " ، والذي انبثق عنها مجمع الفقه الاسلامي ، ولقد حضرنا اول جلسه في مكه المكرمه في مجمع الفقه الاسلاميه نمثل اليمن الديمقراطيه ، وبعد ذلك عينا صاحب الفضيله الشيخ محمد عبده عمر خريج جامعة المدينه المنوره ، والازهر الشريف ممثلا لليمن الديمقراطيه في مجمع الفقه الاسلامي ، ولا يزال الشيخ محمد عبده ربنا يحفظه ويرعاه عضوا في مجمع الفقه الاسلامي.

ونظرا لان الرفيق مطيع قد نجح في تحسين العلاقات مع الاشقاء في دول الخليج ، وبتكليف من القياده لم يكن من الطابور الخامس الذي اخترق المكتب السياسي للحزب الاشتراكي من وراء الجدر ، إلّا ان رفض التقارب بين الجنوب ودول الخليج ، وخاصة مع المملكه العربيه السعوديه ، واعتبروا ما قام به الشهيد مطيع يعتبر خيانه و عماله ، ولذلك طلب المكتب السياسي من الوزير مطيع تقديم استقالته ، 
و فعلاً قدم مطيع استقالته كوزير للخارجيه في ٢٠ /٧ /١٩٨٠م ، وفي ٧ /٨ /١٩٨٠م تم اعتقاله و وضعه في السجن بدون أي مبرر قانوني ، لذلك فقد استاء الكثير من المواطنين والرفاق لإعتقال المناضل مطيع وايداعه في السجن ظلماً وعدواناً ، و اذكر انني كنت عضو في مجلس الشعب الاعلى ، واستنكرنا سجن الرفيق المناضل مطيع ، وطالبنا الجهات المسئوله في قيادة الحزب والدوله توضيح التهم الموجهه الى مطيع ، وكان الرد من بعض الاخوه انه عميل للرجعيه السعوديه ، والامبرياليه الامريكيه ، 
وكان ردنا اذا كان مطيع عميل كما تقولون فنحن وانتم عملاء للرجعيه والامبرياليه الامريكيه .

وعندما تواصلنا مع وزارة أمن الدوله سلموا لنا ملف فيه وثائق بلاغات كيديه مزوره تضمنت بأن الرفيق مطيع كان ينوي انقلاب لصالح السعوديه ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وفي ١٧ ابريل عام ٨١م قام المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني للأسف الشديد بإصدار حكم الاعدام على المناضل الكبير محمد صالح مطيع ، وتم تنفيذ الاعدام بطريقه وحشيه لم يشهد لها التاريخ مثيل ، مخالفين بذلك الدستور والقوانين المرعيه ، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل .
ولأن الشيء بالشيء يذكر كما يقال ،فانه في احدى الجلسات مع الرئيس علي عبدالله صالح ، بعد الوحده في صنعاء ، يقول لنا كيف كان اعدام مطيع ؟ ولماذا سكتم يا يافع على اعدام مطيع ؟ قلت والله يا اخ الرئيس لم نسكت واستنكرنا ذلك ، وقال هل جميع اعضاء المكتب السياسي وافقوا على اعدامه ؟ قلت نحن لسنا في الحزب ، ولكن اعتقد ان بعض الجنوبيين يمكن عارضوا ، وإنما الاعضاء من جماعة حوشي كلهم وافقوا على اعدام مطيع ، قال لنا الرئيس علي عبدالله ، كل الحضور من اعضاء المكتب السياسي وافقوا على اعدام مطيع ، وللعلم يا شيخ يحيى المكتب السياسي للحزب الاشتراكي يعقد جلساته في عدن صباحاً ، وفي العصريه يكون المحضر عندي ، قلت انت صادق يا اخ الرئيس .

هكذا كنا مخترقين ماضياً وحاضراً والله المستعان ، وهو حسبنا ونعم الوكيل .

لقد ارشدنا رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام (ان من عباد الله من لو اقسم على الله لابره) او كما قال ، وهاهو الرفيق المطيع الهمام والمقدام ابن الجنوب البار ، قد تحقق ما كان يناضل من اجل تحقيقه واكثر من ذلك ، وذلك بتطبيع العلاقات الدبلوماسيه والاخويه مع السعوديه و الامارات و دول الخليج .

واصبح علم المملكه العربيه السعوديه ، وعلم الامارات يرفرفان اليوم بجانب علم اليمن الديمقراطيه  (فَٱعۡتَبِرُوا۟ یَـٰۤأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ).
قال الله عز وجل (۞ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَجۡعَلَ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ عَادَیۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةࣰۚ وَٱللَّهُ قَدِیرࣱۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ)

لقد دفع الرفيق مطيع حياته ثمنا لمساعيه الحميده من اجل تطبيع العلاقات الدبلوماسيه مع السعوديه و دول الخليج ، وتم اعدامه ظلماً و عدواناً .

ونحن على ثقه بأن اغلب اعضاء المكتب السياسي قد ندموا لاصدارهم حكم الاعدام على المناضل الرفيق مطيع .

لذلك على الاخوه اعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي ماضياً و حاضراً ، تقديم الاعتذار و رد الاعتبار للمناضل الكبير الذي سبق عصره الشهيد محمد صالح مطيع ، وايضا تقديم الاعتذار لكل الحركات الوطنيه و المكونات الاجتماعيه و السياسيه و لشعبنا الجنوبي العظيم ، وعفى الله عما سلف ، قال الله تعالى (.. فَمَنۡ عَفَا وَأَصۡلَحَ فَأَجۡرُهُۥ عَلَى ٱللَّهِۚ ..)

ولا ريب فحينما اخلدت روح شهيدنا المناضل الكبير الرفيق محمد صالح مطيع الى ربها راضية مرضية ، حينئذ تتجدد حياة شهيدنا المثاليه بين اوساطنا ، وتتعمق منظومة قيم شهيدنا الايمانيه والنضاليه والاخلاقيه والتصالحيه والتسامحيه ، وسيرته الحميده والعطره في وجداننا وذاكرتنا.

حقاً انه حي بمبادئه العظيمه ، ومسيرته النضاليه الوطنيه والتحرريه.

وفي ذكرى مرور ٤٣ عام على استشهاد رفيقنا المناضل مطيع ، و امام الاوضاع المأساويه ، والازمات و المعاناة الذي يعيشها مواطنونا ، كأننا بشهيدنا الرفيق مطيع يطل علينا من رحاب الله ولسان حاله ينشدنا :
سيذكرني قومي اذا جد جدهم *
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدرُ *

حقاً اذا كنا قد افتقدنا البدر المنير الرفيق المناضل مطيع بعد أن قدم لنظامنا النصايح بالحد من التطرف ، والقيام في اصلاح ذات البين ، والتصالح مع اشقائنا الجيران ، وتطبيع العلاقات الدبلوماسيه معهم ، ولكن للاسف تم رفضها من قبل اللوبي الذي اخترق نظامنا من وراء الجدر ، بل وتعرض الرفيق مطيع للمضايقه والسجن ، والاعدام ظلم وعدوان .

لذلك فان فقيدنا الشهيد مطيع سيظل في الحقيقه حي بسجله الايماني والوطني وسيرته الحميده ، واخلاقه الفاضله ، انه حي بمواقفه الوطنيه ، وعلاقاته الدوليه المرنه والمتزنه والمعتدله ، و دعوته بتطبيع العلاقات مع اشقائنا دول الجوار  ،  و تقديم نصايحه القيمه والايجابيه التي كان ينصح بها الجميع  (ولكن لا حياه لمن تنادي).

حقاً انه حي في وجداننا وذاكرتنا ، انه حي باهله واسرته الكريمه واخوانه ، و رفاقه و اصدقائه و محبيه و مواطنيه .

فكل من عايش الرفيق الشهيد مطيع ، يستشرف طلعته البهيه ، وتمسكه بالتعاليم الاسلاميه السمحاء ، ومواقفه النضاليه والتحرريه والوطنيه ، و اعماله الخيريه و الاصلاحيه والاجتماعيه ، والاخلاق الفاضله ، وصدقه و شجاعته ، يقول الحق (لَا یَخَافُونَ لَوۡمَةَ لَاۤئمࣲۚ).

كان يقف مناصراً للمظلومين  و المستضعفين ، و ضد الاعمال التعسفيه التي كان يقوم بها المتطرفون في مناطقنا ، لقد كان رفيقنا مطيع يمثل نموذجاً فريدا في القياده الرشيده ، والحنكه السياسيه والدبلوماسيه ، وتحليه بالوسطيه و الاعتدال ، و الوفاء و التواضع و الحلم والامانه ، و الشهامه و المرونه.

ذلك انه حينما اخلدت روح فقيدنا الوفي ، و رفيقنا الشهيد مطيع الى ربها راضية مرضية ، حينئذ تتجدد حياة وشخصية وسيرة فقيدنا المثاليه والنموذجيه ، بين اهله واخوانه و رفاقه و محبيه و مواطنيه ، و كأن فقيدنا و رفيقنا مطيع بشخصيته المثاليه و النضاليه و سيرته العطره يعيش بين اوساطنا.

طبت يا رفيقنا الشهيد مطيع حيا و ميتا.

ختاماً ، ربنا يتغمد شهيدنا المناضل الرفيق محمد صالح مطيع ، بواسع رحمتة وغفرانه ، ويسكنه فسيح جناته ، مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تقديم / الشيخ يحيى عبدالله قحطان المفلحي.

 



شارك برأيك