آخر تحديث :السبت 13 يوليو 2024 - الساعة:09:42:49
السند القانوني لفك الارتباط موجود وتأكيد العكس هرطقة قانونية وسياسية (1-3)
(الأمناء نت / كتب / د. محمد علي السقاف :)

إهـــداء إلى شباب ونساء الجنوب والشهداء والجرحى والمعتقلين، اعلموا أن نضالكم بفك الارتباط له أساس قانوني مطلق.

 

ملاحظات أولية:

 

يبدو أن هناك توجه شمالي مبرمج يهدف إلى زعزعة ثقة الجنوبين بقضيتهم وإحباط معنوياتهم باستخدام الفتاوى الدينية من جديد كما استخدمت في 1994م بإصدار بيان ما سمى بعلماء اليمن وانتقال الحملة الآن إلى تكليف البعض الآخر لإصدار فتاوى قانونية بنشر بحث من (15) صفحة في "المصدر أون لاين" للباحث/ عبدالناصر المودع بعنوان: هل هناك سند قانوني لفك الارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟

 

كنت أفضِّل ترك الرد القانوني على هذه الهجمة من قبل المستشارين القانونين للرئيس البيض أو من قبل الأكاديميين في الجنوب، ولكن خشيت أن يطول الانتظار بعد مرور أكثر من أسبوع دون نشر رد قانوني على ذلك، ولهذا بطلب من بعض الأصدقاء أبادر بالرد، ولن يشمل هذا الرد على جميع النقاط التي تناولها الباحث.

 

وفي الأخير أن إثبات عدم قانونية ما ذكره المودع في ادعائه بغياب السند القانوني لفك الارتباط وفي حق تقرير المصير، وهو بحد ذاته إثبات غير مباشر وربما حتى مباشر على وجود السند القانوني الأكيد للقضية الجنوبية والذي أصر حتى الآن عدم كشف كامل ملف دفاعنا القانوني والسياسي.

 

 

 

أولا: نماذج مختارة في كيفية تأسيس الدول

 

بغرض تصحيح ما جاء في مقدمة بحث عبدالناصر المودع حول كيفية تتأسس الدول ليبني عليها لاحقا تحليلا خاطئا بغياب السند القانوني لفك الارتباط وحق تقرير المصير، نقول باختصار بأنه حتى القرن التاسع عشر كانت هناك أراضٍ لم يتم امتلاكها أو احتلالها بعد لإقامة دولة عليها، وأصبح الوضع الآن مختلفا فالدول الجديدة تم تأسيسها على أراضٍ تتبع دول قائمة عبر طريقتين أساسيتين فإما عبر فصل أراضي الدولة الاستعمارية ( الكولونالية) وإما خارج إطار تصفية الاستعمار عبر الانفصال أو فك الارتباط.

 

1- تأسيس دول جديدة عبر الانفصال:

 

في مرحلة تصفية الاستعمار كل الدول التي استقلت اقتطعت من أراضي الإمبراطوريات الاستعمارية لتقام عليها دولة أو عدد من الدول المستقلة، أمثلة ما حدث في عام 1776 بتأسيس 13 دولة مستقلة في أمريكا الشمالية، وأخرى في أمريكا الوسطى، والجنوبية في القرن التاسع عشر.

 

تلاها موجة الاستقلال في منتصف القرن العشرين في أفريقيا وآسيا. في هذه الأمثلة هناك مسافة جغرافية بعيدة تفصل بين الدولة المستعمرة عن مستعمراتها من جهة ومن جهة أخرى تأسيس تلك الدول المستقلة فوق الأراضي التي بحوزة الدولة الاستعمارية لم يؤدِ إلى زوال الدولة الاستعمارية برغم اقتطاع أراضٍ شاسعة من أراضيها فالإمبراطورية التي لا يغيب عنها الشمس لم يؤدِ استغلال المستعمرات البريطانية وانكماش المملكة المتحدة على جزرها إلى فقدان صفتها كدولة ذات سيادة.

 

هناك حالات دول تأسست من خلال الانفصال عن دولة أخرى تجمعهما حدود مشتركة مثال انفصال بلجيكا عن هولاندا في عام 1830 ودول البلقان التي تأسست على التوالي في نهاية القرن التاسع عشر مع بداية تفكك الإمبراطورية العثمانية وخروج فنلندا ودول البلطيق عن الإمبراطورية الروسية في نهاية الحرب العالمية الأولى, وانفصال بنجلاديش عن باكستان في 1971 ومؤخرا كوسوفو عن صربيا في عام 2008.

 

 

 

في النماذج السابقة ظهر عشرات من الدول الجديدة التي تأسست على أراضي دولة أخرى عن طريق انفصالها عنها لم يؤدي ذلك إلى زوال الدولة (الأم) لو جاز لنا التعبير، كالمملكة المتحدة وفرنسا التي ظلتا كدول قائمة بجانب الدول التي استقلت عنها، وسنرى الآن حالات مختلفة عن النموذج السابق.

 

2- تأسيس دول جديدة لتحل مكان دولة أو عدد من الدول:

 

تأسيس دولة واحدة جديدة من خلال توحد دولتين أو أكثر فيما بينهما تحل فيهما تأسيس الدولة الجديدة محل الدولتين أو أكثر من الدولتين السابقتين، مثال الوحدة المصرية السورية ووحدة الجنوب والشمال اليمني والوحدة بين ألمانيا الشرقية والغربية.

 

النموذج الآخر بعكس المثال السابق أعلاه يتمثل بوجود دولة واحدة قائمة كالفيدراليات الثلاثة التي كانت قائمة وتفككت مثل الاتحاد السوفيتي، والاتحاد اليوغسلافي، والاتحاد التشيكو سلوفالكيا، يؤدي هذا التفكك للدولة الواحدة إلى ميلاد عدد من الدول الجديدة.

 

 

 

ثـــانيــــا: الهرطقة القانونية والسياسية بادعاء غياب السند القانوني لفك الارتباط وحق تقرير المصير

 

ميزة البحث الرئيسية للباحث المودع أنه طرح بوضوح سؤالين رئيسين هما:

 

1- هل مطلب الجنوبيين بفك الارتباط عن الشمال له سند قانوني يعطيهم الحق بذلك أم لا؟

 

2- مبدأ حق تقرير المصير هل ينطبق على مطالب الجنوبين بفك الارتباط أم لا؟

 

جاء إجابة الباحث عن السؤالين بالنفي لغياب السند القانوني حسب إدعائه مبررًا ذلك بتقديمه نماذج دولية كثيرة يرى فيها وفق قراءته لها أنها تؤكد فيما ذهب إليه من غياب أي حق للجنوبين في فك الارتباط وفي حق تقرير المصير.

 

1- محاولة إثبات غياب السند القانوني لفك الارتباط:

 

عمد الباحث إلى أسلوب التدليس وخلط الأوراق بادعائه تارة أن القانون الداخلي يحظر الانفصال وفق نصوص الدستور اليمني، وتارة أخرى أن القانون الدولي نفسه يمنع الانفصال لأنه يمس وحدة أراضي الدول وسيادتها والحالات التي يسمح بها للانفصال تتم عادة إما وفق القانون الداخلي الذي يجيز ذلك بغض النظر عن قبول الحكومة المركزية أو رفضها تفعيل هذا الحق، أما في حالة غياب نص قانوني يجيز الانفصال يشترط القانون الدولي حسب ادعائه أن تقبل الحكومة المركزية انفصال هذا الإقليم عن الدولة الأم، ويكون هذا القبول إما عبر ترتيبات قانونية وسياسية تتم مع الجهة التي تمثل شعب الإقليم أو القبول بالانفصال كأمر واقع. وبناءً على ما سبق قام الباحث بإسقاط ذلك على المطالب الجنوبية باستعادة دولة الجنوب أنها تشكل حالة انفصال وليست فك ارتباط تتعارض مع نصوص الدستور والقانون الدولي ونماذج التجارب العالمية.

 

فالمطالب الجنوبية وفق المادة الأولى من الدستور التي تقضى (بأن الجمهورية اليمنية وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها) اعتبر أنها بذلك تحظر اقتطاع جزء من أراضيها لتأسيس دولة جديدة عليها؛ لأن المناطق الجنوبية تعتبر جزءا من أراضي الجمهورية اليمنية، وعليه فإن سكان هذه المناطق يعتبرون مواطنون تابعون للجمهورية.

 

هذا النص الدستوري هو في الواقع نص تقليدي معروف وموجود في أغلب إن لم نقل في جميع دساتير الدول من الدول البسيطة إلى الدول المركبة (الفيدرالية والكونفيدرالية) فجميع الدول تؤكد في دساتيرها وحدة أراضيها ووحدتها السياسية لا تقبل التجزئة سواء عبر الانفصال أو فك الارتباط ولم يمنع ذلك من حدوثهما، وبعض الدول التي أجازت نصوص دستورها على الانفصال أو فك الارتباط ترفض على أرض الواقع قبول ذلك، ونعطي هنا مثالين ذكرهما الباحث للدستور السوفيتي والدستور اليوغسلافي اللذان أجازا من ناحية المبدأ حق الجمهوريات في الانفصال، حيث أجاز الدستور السوفيتي حق الانفصال من جانب واحد لأي من الجمهوريات السوفيتية ولكنه تدارك الأمر في عام 1990 بإصدار قانون منظم لهذا الحق يجعل عملية الانفصال شبه مستحيلة.

 

 

 

وفي الدستور اليوغسلافي سمح بالانفصال شريطة الموافقة عليه من قبل جميع بقية الجمهوريات الفيدرالية.

 

في الواقع العملي كان الموقف مختلفا، فحين أعلنت كل من جمهورية سلوفانيا وكرواتيا استقلالهما في 25و27 / يونيو/ 1991 قامت القوات الفيدرالية بعد الإعلان بيومين فقط باستخدام العنف المسلح ضدهما لتحول دون استقلالهما ومع ذلك حصل على استقلالهما مع بقية الجمهوريات، سواء الدول التي حظرت في دستورها الانفصال أو فك الارتباط لم يمنع ذلك من حدوث الانفصال بين باكستان والهند أو بين باكستان وبنجلادش وكذلك في استعادة الدول سيادتها في مثال الوحدة السورية المصرية.

 

ادعاءات الباحث عبدالناصر أن انفصال الجنوب محظور بسبب عدم سماح الدستور بذلك مثل هذه الحجج لا تنطبق على الجنوب لكون مطلبه لا يقوم على الانفصال وإنما يقوم على فك الارتباط وموضوع الانفصال قد ينطبق في حالة مطالبة محافظة الحديدة أو تعز بالانفصال عن اليمن الشمالي.

 

(وقد سعت تهامة فعلا في عقد الثلاثينيات من القرن الماضي بالانفصال) عن المملكة المتوكلية اليمنية بطلبها من (عصبة الأمم) إعطاءها حق تقرير المصير، ورفض الطلب حينها لأن مفاهيم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات لم تصل إلى ما هي عليه حاليا.

 

وحتى لو اعتبرنا جدلا أن مطلب الجنوب هو انفصال وليس فك ارتباط فهل عدم سماح الدستور بذلك يمنعه من استعادة دولته؟ بمعنى آخر هل يمكن لدولة مثل اليمن الاستناد على المستوى الدولي إلى نصوص دستورها مباشرة لتدعي بأن محاولة الانفصال في الجنوب يعتبر غير مقبول وغير شرعي؟

 

الإجابة على ذلك بالنفي، وهذا ما أكدته محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية لاهوت سيليزية بتاريخ 25/ 5/ 1926 ومؤخرا لجنة القاضي (بادنتير) حول الأزمة اليوغسلافية في 29/11/ 1991م حيث اعتبرت اللجنة أنه بالنسبة للقانون الدولي (أن شكل التنظيم السياسي الداخلي والنصوص الدستورية تشكل مجرد وقائع فقط للعلم والاطلاع غير ملزمة ولهذا بعد صدور قرار مجلس الأمن الدولي برقم 924 لعام 1994 طالبت صنعاء مجلس الأمن بإدانة ما سمته إعلان البيض بالانفصال في 21/ مايو/1994م استعادة دولة الجنوب كرد فعل على الحرب، رد مجلس الأمن على هذا الطلب بقراره رقم 931 لعام 1994 برفض إدانة قرار 21/ مايو/ 1994م، وطالب الأطراف باستئناف الحوار دون شروط مسبقة وهذه العبارة الأخيرة كانت هي الرد على ذلك الطلب في حين أدان مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة بلهجة شديدة محاولتي الانفصال التي جرت في الستينات في الكونغو والسبعينات في نجيريا.

 

لذلك أشار الباحث أن المطالبين بفك الارتباط يعتبرون أن دعوتهم ليست مطالبة بالانفصال كونها لا تطالب بإنشاء دولة جديدة وإنما استعادة دولة كانت قائمة ومعترفا بها دوليا وعضوا في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، وادعى الباحث بأن هذا الرأي من الناحية القانونية غير صحيح.

 

لماذا يا مودع هذا الرأي غير صحيح؟ لأن تلك الدولة حسب قوله قد ألغيت بموجب الوحدة الاندماجية ولم يعد لها من وجود قانوني ولا يملك أحد تمثيلها قانونا بعد إلغائها، واعتبر أن حالة فك الارتباط تتم في الاتحادات التي تتكون من دول مستقلة ذات سيادة فيما يسمى الاتحاد الكونفدرالي ومن أمثلة ذلك الاتحاد الأوروبي الذي بإمكان أي دولة أن تفك ارتباطها بالاتحاد بينما الدعوى بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية حسب ادعاء الباحث مجددا لا يمكن وصفه إلا بأنه هرطقة قانونية ليس إلا.

 

أخشى أن الهرطقة القانونية هو ما ذكره الباحث ولنبدأ بإظهار ذلك بما قاله في الفقرة الأخيرة بخصوص الاتحاد الأوروبي الذي اعتبره اتحادا كونفدراليا وهذا غير صحيح فالاتحاد الأوروبي هو منظمة إقليمية ومثل كل المنظمات الإقليمية والدولية يحق للدول الأعضاء الانسحاب منها مثلما يحق لأعضاء جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة الانسحاب من عضويتها لكونها دول مستقلة وليس لأن تلك المنظمات هي اتحاد كونفدرالي.



شارك برأيك