آخر تحديث :الاربعاء 26 فبراير 2025 - الساعة:12:48:14
المرجعيات الثلاث و البروكرستية
(الامناء/كتب:غسان الجيلاني :)


     على مدى عقد من الزمن يتم عرض المرجعيات الثلاث لحل اي مشكلة في اليمن والمرجعيات عبارة عن مايلي:
١-  المبادرة الخليجية والتي كانت مشروع إتفاقية سياسية أعلنتها الدول الأعضاء بمجلس التعاون العربي الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية في 03 / 04/ 2011 لتهدئة ماتسمى ثورة الشباب اليمنية ، عن طريق ترتيب نظام نقل السلطة. والتي انتهت بانتخابات رئاسية جديدة شكلية في فبراير 2012. 
٢-  مؤتمر الحوار (الوطني)هو مؤتمر جرى التحضير والإعداد له مراحل طويلة وتعرقل لأكثر من مرة وبدأت المرحلة الأخيرة بعد ماتسمى  ثورة الشباب اليمنية بدعم خارجي غير مسبوق وبدأ أول جلساته في 18 مارس 2013، بالعاصمة اليمنية صنعاء والتي تصادف الذكرى الثانية لمجزرة جمعة الكرامة بساحة التغيير في صنعاء، واستمر لمدة عشرة أشهر حتى 25 يناير 2014. رأس مؤتمر الحوار رئيس البلاد عبد ربه منصور هادي  حيث قال في مؤتمر القمة العربية 2013 ان "الشعب اليمني سيفاجئ العالم لتحقيق التغيير من خلال الحوار".
٣-  قرار مجلس الامن: صدر في 14 إبريل، 2015 حيث تبنى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة هذا القرار، في جلسته رقم 2216. نص القرار على فرض عقوبات تمثلت في تجميد أرصدة وحظر السفر للخارج، طالت زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وأحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس السابق، والقائد السابق للحرس الجمهوري اليمني، المتهمين بـ"تقويض السلام والأمن والاستقرار" في اليمن. ويذكر أن مجلس الأمن أدرج علي عبد الله صالح واثنين من قادة الحوثيين هما عبد الخالق الحوثي وعبد الله يحيى الحكيم على قائمة العقوبات الدولية في نوفمبر 2014.
       هذه هي المرجعيات الثلاث التي نسيها اليمنيين أنفسهم  التي تذكرها المملكة العربية السعودية في خطاباتها وبياناتها. لكن هذه المرجعيات لم تعد صالحة للتطبيق في الوقت الحالي بعد تغيير في معطيات الواقع ومقتل عفاش ومواجهة فصيله للحوثيين.
       لنبدأ بالمبادرة الخليجية التي اهملت بشكل كبير القضية الجنوبية التي هز صوتها العالم الا جيراننا وأشقاؤنا الذين ساعدناهم يوما ووقفنا الى جانبهم في الخنادق كتفا بكتف ندافع عن بلدانهم باعتبارها بلداننا. تجاهلت المبادرة قضية الجنوب واعتبرتها شأن داخلي يمكن حلها من خلال مؤتمر الحوار الشامل الذي تمخض عن هذه المبادرة.
     وكذلك مؤتمر الحوار رفضه ابنا الجنوب رفضا قاطعا لان المبادرة الخليجية لم تتطرق لهم ولانهم اعتبروا ذلك استهتار بالقضية الجنوبية حيث يتم مناقشتها ضمن قضايا جانبية مثل زواج القاصرات والتخلص من القات وغيرها من المشاكل التي يمكن حلها بفرض قانون خاص بسهولة ويسر لكن بعد ان تحل مشكلة جغرافية مايسمى يمن، فعلا واصل مؤتمر الحوار فعالياته بدون الالتفات الى احد, حتى بعض المشاركين فيه بداءوا بالخروج منه ومنهم جزء كبير من الجنوبيين الذين تم إحضارهم للمشاركة على أساس انهم يمثلون الجنوب حين اقترحوا إقليمين لفترة مؤقتة مع حق تقرير المصير ولم يلاقي اي قبول من صناع القرار فيما يسمى يمن.حيث انقلب الحوثيين بدعم محلي كبير من عفاش وحزب الاصلاح اليمني تمكن من خلاله هدم كل شيء وتصفير الساحة السياسية وخلق معطيات وفرائض جديدة بعد ان استكان اهل الشمال وخضع لارادة الحوثي بل واثنى عليها.
    قرار مجلس الامن 2216 لم يعد صالح اليوم بعد ان تمكن الحوثي من مفاصل دولة صنعاء وثبت نفسه فيها وبعد ان قضى على صديقه اللدود ( صداقة الاعداء المؤقتة) عفاش وبالتالي فرض واقع لايمكن تطبيق هذا القرار فيه, خصوصا لعد اتفاق ستوكهولم المبرم بين ماتسمى شرعية والانقلابيين الحوثيين حيث تم الاعتراف امام العالم بأن الحوثي سيتحمل المسؤولية الملقاة علية بتوقيع ماتسمى شرعية.
     الغريب في الامر اليوم تكرار ذكر تلك المرجعيات والتي ان كانت ثيابا فانه لايمكن الباسها لنفس الشخص بعد 10 سنوات مرة اخرى وهكذا تتغير المعطيات و تتغير معها الفرضيات وكذلك الحلول فاليوم هذه المرجعيات لم تكن عند مستوى مقاس المعطيات حتى حين اعلانها فما بالما باليوم. هذا التكرار الغريب يذكرنا بقصة اليوناني الذي كان قاطعا للطريق كان يدعى بروكروست، في الميثولوجيا اليونانية، قاطع طريقٍ يعيش في أتيكا، وكانت له طريقةٌ خاصةٌ جدًّا في التعامل مع ضحاياه، فقد كان يَستدْرِج ضَحِيَّته ويُضيِّفه ويكرم وفادته، وبعد العشاء يدعوه إلى قضاء الليل على سريره الحديدي الشخصي، إنه سريرٌ لا مثيل له بين الأسِرة إذ كان يتميز بميزةٍ عجيبة: وهي أن طوله يلائم دائمًا مقاس النائم عليه أيًّا كان، غير أن بروكرست لم يكن يتطوع بتفسير كيف يمكن لسريره أن يكون على مقاس الجميع على اختلاف أطوالهم، حتى إذا ما اضطجع الضحية على السرير بدأ بروكرست عمله، فيربطه بإحكامٍ ويشدُّ رجليه إن كان قصيرًا ليمطهما إلى الحافة، أو يبترهما بترًا إن كان طويلًا ليفصل منها ما تجاوز المضجع؛ حتى ينطبق تمامًا مع طول السرير! وظل هذا دأبه إلى أن لقِيَ جزاءه العَدلَ على يد البطل الإغريقي ثيسيوس Theseus  الذي أخضعه لنفس المَثُلة، فأضجعه على السرير ذاته وقطع رقبتَه لينسجم مع طول سريره.
      وهكذا يُشير مصطلح «سرير بروكرست» Procrustean bed (أو «البروكرستية Procrusteanism») إلى أية نزعة في «فرض القوالب» على الأشياء (أو الأشخاص، أو النصوص …) أو ليِّ الحقائق وتشويه المعطيات وتلفيق البيانات لكي تنسجم قسرًا مع مخططٍ ذهني مسبق، إنه القولبة الجبرية، والتطابق المُعْتسف، والانسجام المُبَيَّت، إنه افتئاتٌ على الواقع قَلَّما يفلت من غضبة المنطق وانتقام الحقيقة.




شارك برأيك
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل