آخر تحديث :السبت 11 يناير 2025 - الساعة:14:46:32
الباحث والخبير الدولي خالد فتاح مساعد بنعمر بمنتدى الجاوي :الرئيس عبدربه في مصيدة بلا شنب !
()

الإطلال على الأوضاع اليمنية من قمة جبل شاهق الارتفاع للإحاطة بمختلف زواياها، وإجالة النظر في مناطقها المرئية وغير المرئية والقصية، ولقراءة دور الفاعلين في الواجهة والمحركين للواجهات.

ذلك هو الاقتراح الذي صدر عن الأستاذ خالد فتاح، الخبير المساعد للأستاذ جمال بنعمر، الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في اليمن.

علاوة على أن الأستاذ خالد فتاح من الباحثين المرموقين في مؤسسة (كارنيغي)، وله العديد من الأبحاث الخاصة باليمن والجغرافيا السياسية للعنف في اليمن. وفيما يعكف حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لرسالة دكتوراه حول "المحددات الإطارية للحداثة السياسية في المجتمعات العربية"، يقارب فيها الحالة اليمنية؛ على اعتبار أنها الأهم، فهو مستغرق في البحث والحوار حول الشؤون اليمنية بشغف لا نظير له، ومن داخل الغابة، وليس من رأس القمة التي اقترحها مطلع حديثه كشرفة للإطلال على اليمن.

في حديثه الكثيف والموجز، وبالأحرى في تعقيبه على تساؤلات أعضاء وضيوف منتدى الجاوي الثقافي، وبعض الصحافيين ومراسلي وكالات الأنباء الأربعاء الماضي، لم ينحصر في حدود تناول عنوان حلقة النقاش: "الحوار الوطني الشامل.. المخرجات والدروس المستفادة"، بقدر ما تقصد بذكاء المصري الصعيدي والباحث في (كارنيغي)، والأستاذ المحاضر في جامعات ومراكز دولية والخبير الأممي، لفت أنظار مستمعيه إلى بعض اللقطات والمشاهد والوقائع المفتاحية التي استوقفته خلال عشرة أشهر من عمله ومتابعته لوقائع "مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل" في فندق (موفنبيك) بصنعاء.

قال فتاح: إن عشرات، بل مئات اللقطات والمشاهد اختزنتها الذاكرة، وكانت لافتة ومثيرة للعجب والحيرة والدهشة، ومن تلك اللقطات أنه في الأيام الأولى لمؤتمر الحوار لاحظ أن مجموعة من المشاركين في الحوار كانت تتحلق حول بعضها وتتخانق في أروقة الفندق، وهي تفترش خارطة اليمن وتقوم بتوزيعها، وتشتجر فيما إذا كانت بعض المواقع أو المراكز "الحساسة" ستكون تابعة لهذا الطرف أو ذاك، عندما تترتب عملية توزيع أو تقسيم اليمن.. كان ذلك قبل أن ينطرح على بساط الحوار موضوع الأقاليم.

ويقول: كانوا يستحضرون، بقصد أو من غير قصد، صور الضباط الاستعماريين الذين انتدبوا من قبل عواصم دولهم لمهمة تقسيم خارطة الدول العربية، وترسيم حدودها عشية غروب شمس امبراطورية دولة الخلافة العثمانية، ولكنهم - أي جماعة الموفنبيك - كانوا بسحنات يمنية، ومن شعوب وقبائل هذه البلاد التي كانت على عجلة من أمرها، وعلى درجة موارة من الحماسة، وهي في حومة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ في بلادها.

وعلى ضوء هذه اللقطة، وغيرها من اللقطات، لاحظ خالد فتاح في الأيام والأشهر الأولى أن جل المشاركين في الحوار كانوا غير مدركين المهمة المناطة بالحوار، حتى إن بعضهم كان يتساءل: هل وقع هذا "الزعيم" أو ذلك على مبدأ الحوار أم لم يوقع؟

التكتيك الطاغي

التكتيك - بحسب المتحدث - كان هو الطاغي والطافح، وانعدام الجدية في السير الى الأمام ضمن رؤية استراتيجية كان جلياً.

من بين اللقطات الكثيرة؛ لاحظ في مطلع الأيام أن ناشطة مدنية معروفة تأففت وامتنعت عن مصافحة أحدهم، بزعم أنه "شيخ" ومن القوى التقليدية، وقال: هناك من كان يمثل القوى العلمانية والمدنية بطريقة خاطئة، وهناك افتقار واضح لآداب الحوار.

وفي موقف آخر؛ كان شاهداً على أن أحد أعضاء مؤتمر الحوار الوطني توجه بالنقد الى طرف آخر في المؤتمر، وبعد انتهائه من مداخلته كان منزله قد تعرض لهجوم مسلح.

من داخل (موفنبيك) يمكن قراءة وتوصيف اليمن الى حد بعيد، وما يرشح أو ما رشح عن تلك (الكبسولة) لفت انتباه الباحث خالد فتاح، بل وشحد انتباهه الحذر في مجرى تعاطيه مع الفاعلين في اليمن، وكافة الأطراف ولذلك كرر، غير مرة، أنه لن يتطرق بالذكر الى الأسماء حين يتحدث عن المشاهد واللقطات اللافتة.

ومن داخل (الكبسولة) إياها لاحظ ان الساحة السياسية اليمنية عبارة عن نقاط مشتتة، وتحالفات متقلبات ورمال متحركة.. الساحة السياسية اليمنية هي الربع الخالي، وقد استعصت على الفاعلين الإقليميين والدوليين من رعاة المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني إمكانية بناء سياسة واضحة، ومتعينة الملامح مع تلك التقلبات.

وقال: علمتني التجربة أن هناك ألم اسمه ألم الحياة، وفيما خص الوضع في اليمن لا أزال مشتبكا مع سؤال: من هو الطرف المحايد في العالم؟ أشك أن ثمة طرفا محايدا.

غياب النموذج

ويضيف: مشكلة اليمن تكمن في غياب النموذج على مستوى المنطقة، وعلى مستوى كل البلاد أو الجمهوريات التي مرت بـ"الربيع"، منوها بوجه آخر من وجوه المشكلة اليمنية وهو متعلق بالإرادة السياسية المشوشة والغائبة، متسائلا: كيف نتوقع إرادة سياسية في بلاد معجونة بخليط سام من العراق والصومال وأفغانستان، وفي ظل مركز هش (صنعاء)؟ وكيف يمكن التوفر على إرادة سياسية حين يجرى التعامي عن واقع أن التئام الجروح النازفة يحتاج إلى عملية، ويجرى التعاطي مع تلك الجروح وكأنها مجرد حدث؟!

خطأ خطير

وأضاف: ثمة خطأ آخر خطير تمثل في مقاربة مسألة الحوار أو مهمته ووظيفته ودوره، وفي النظر إليه وكأنه علاج لكل شيء، أو كما لو كان معجزة، وفي هذه؛ ينكشف المطب الكبير الذي تنطوي عليه خلطة التوقعات والمخاوف.

عبدربه في مصيدة بلا شنب !

لما كان الكثير من الأسئلة والتعليقات التي صدرت عن الحاضرين والمشاركين في الفعالية حافلا بالأسماء، بما في ذلك اسم رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي، الذي حظي بنصيب الأسد في معرض الذكر والتمثيل والاستشهاد، فقد تحدث الأستاذ خالد فتاح قائلا: من الصعب الحكم على الرئيس عبدربه أو محاكمته، فهو جاء على ميراث رهيب، ومن غير ظهير أو سند قبلي أو عسكري، وغير ذلك من أدوات القوة والنفوذ والسيطرة التي توزعت بين مراكز قوى الصراع في صنعاء.

وأضاف - متسائلاً: صعب واحد يحكم اليمن وما عندوش شنب؟!

وقال: إن ذلك هو ما سمعه ذات يوم حين كان يتبادل أطراف الحديث مع واحد من الشيوخ المشاركين في مؤتمر الحوار، حين جنح بهم الحديث إلى رئيس الجمهورية الذي جاء إلى رأس السلطة ليتكبد عناء الميراث الثقيل والرهيب..

عبدربه بلا دائرة قوة.. بلا دعم قبلي معتبر حتى على مستوى الجنوب، ومن غير غطاء سياسي داخلي مكين، وباستثناء دعم الجانب الدولي الذي يمكنه التعويل عليه والاستعانة به؛ يمكن القول بأن موقفه في غاية الهشاشة والاضطراب.

واستمر الحديث بين خالد فتاح و"الشيخ" وهو رجل طيب، وكان سخيا للغاية حين أفشى سرا خطيرا في إذن فتاح: رغم أنه طيب جدا إلا أنني أعتقد انه من الصعب ان يحكم اليمن واحد ما عندوش شنب!

وأثنى فتاح على قدرات الرئيس عبدربه في الاستفادة من المتاحات الممكنة، واتخاذه الإجراءات المتدرجة في معالجة الكثير من المشكلات، وفي المتابعة المثابرة والرعاية الحكيمة لمؤتمر الحوار الوطني، مشيرا إلى أن الصعوبات والتحديات الماثلة أمام اليمن ليست هينة، وتحتاج إلى كثير من الصبر والوقت والجهد والعمل.

مصيدة المصالح

وقال: إن اليمن تقع في مصيدة مصالح دولية متشابكة ومعقدة وكبيرة، وتلك مصيبة كبرى؛ ذلك أن الموقع الجيواستراتيجي الذي تتميز به يمكن أن يكون نعمة كما يمكن أن يكون نقمة، منوهاً بأنه في اليوم الواحد تعبر من مضيق باب المندب حوالي 12 ألف ناقلة نفط، بحمولة تقارب 3.2 مليون برميل نفط.

وأشار إلى أن مشكلة أمريكا والعالم لا تختزل في خطر تنظيم (القاعدة)، وهو خطر لا يستهان به، لافتا إلى مشكلة كبرى أكثر خطورة ولها علاقة بالشرق الآسيوي والصين تحديدا خاصة وأن هذا البلد ينمو عسكريا واقتصاديا بسرعة خارقة، ويتجه بقوة وهدوء نحو الاستفادة وإلقاء الظلال على منافذ استراتيجية ومنها باب المندب.

وفيما خص الانتقال المتدرج والصعب لليمن؛ قال فتاح: إن اليمنيين والمتابعين للوضع في اليمن يمارسون قسوة شديدة على هذا البلد، ويتجاهلون - بوعي أو من غير وعي - واقع ان تحديات الداخل غير مقطوعة الصلة عن تحديات الجغرافيا والجوار، فاليمن تعيش وضعا اقتصاديا في غاية الصعوبة، وليست كل مفاتيح الحل بيد اليمنيين.

(مستركي) في الرياض

في معرض الحديث؛ أكد الأستاذ خالد فتاح أهمية دور الدول الإقليمية المطلوب في دعم عملية الانتقال السياسي، وخص بالذكر الدور السعودي، مشيرا إلى أن معظم مفاتيح حل المشكلة اليمنية في يد المملكة العربية السعودية.. السعودية أفصح أحد المؤسسين والأعمدة الكبرى لقوامها الملكي عن تفضيله بأن تكون اليمن في وضع المترنح: لا تسقط ولا تستقيم، وتلك هي استراتيجيتهم المعتمدة والمرسومة بأفق مقتضيات النفوذ الايديولوجي والمادي.

تجدر الإشارة إلى أن الأستاذ خالد فتاح كان أواخر الشهر الماضي في زيارة لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد استضافه مركز الدراسات والأبحاث في فعالية ثقافية تنادى إليها جمهور كبير من الأكاديميين والمثقفين، وأعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي، وألقى فيها محاضرة مهمة بعنوان "الجغرافيا السياسية للعنف في اليمن"، وكانت بعض الصحافة والمواقع الإلكترونية اليمنية تعاملت مع نص المحاضرة بانتقائية واجتزاء، وتحت ضوء فانوس الرغبات والأهواء الايديولوجية. وفي عدد قادم؛ سوف تستعرض الصحيفة أبرز ما جاء في المحاضرة، علاوة على استعراض أهم تعليقات ومداخلات المشاركين في حلقة النقاش الأربعاء الماضي.

سيرة ذاتية

خالد فتاح - باحث غير مقيم في مركز (كارنيغي) للشرق الأوسط، حيث تتركّز أبحاثه على القطاعات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية في اليمن. وهو أيضاً محاضر زائر في مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة (لوند) بالسويد.

مارس (فتاح) التدريس في مؤسّسات تعليمية أوروبية مختلفة، في مجالات العلاقات الدولية، وتحليل السياسة الخارجية، والتواصل بين الثقافات، وتاريخ الشرق الأوسط. وقد سبق له أن عمل باحثاً رئيساً وكبير استشاريين وخبيراً إقليمياً لقطاع التعاون الإنمائي الدولي في ألمانيا، فضلاً عن العمل لصالح مؤسّسات مختلفة تابعة للاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة في الشرق الأوسط.

ويُعَدّ (فتاح) أحد المعلّقين المألوفين في وسائل الإعلام المختلفة على الأوضاع في اليمن، والعلاقة بين الدولة والقبيلة في الشرق الأوسط.

 




شارك برأيك