آخر تحديث :الاثنين 23 ديسمبر 2024 - الساعة:00:16:19
لايزال حديثهم لا يخاطب العقل
جلال عبده محسن

الاحد 00 ديسمبر 0000 - الساعة:00:00:00

الروح هي القيمة الحقيقية والأصل الطيب للشيء، ومالم نستطع الوصول إليها وملامسة حقيقتها، نكون حينها قد وقفنا عند حدود اللفظ بهذا الشيء، فالثمر هو روح الشجرة، وما لم نجن ثمارها ونستمتع بمنافعها فإننا نكون عند حدود اللفظ بالشجرة وليس إلا، والأم ما لم ينل منها طفلها الحب والحنان، فإن أمومتها لا تعنيه في شيء، وكذلك هي الفضائل والقيم الحميدة على تعددها، ما لم نصل إلى روحها نكون قد وقفنا عند فحواها لا جدواها، فالصدق والإخلاص والأمانة والتراحم وغيرها من الفضائل، قد لا تجدي معها بعض الخطب والوعظ والإرشاد في تعديل سلوك الفرد، ما لم يتم الانتقال بها من الألفاظ إلى الأفعال ونجعلها تلامس مشاعرهم وأحاسيسهم وبأنهم ملزمون باتباعها في سلوكياتهم.

وفي محاولة للجمع بين تقديم المعلومات والتعريف بالفضائل وبين ملامسة  الأحاسيس والمشاعر التي ترتقي إلى الروح، قامت إحدى معلمات الصفوف الابتدائية في إحدى المدارس عندما أرادت تنمية الفضيلة في نفوس التلاميذ والإحساس بها وفرصة دمج المعرفة في العاطفة، فقامت بفقس بيضة دجاجة من بين مجموعة بيضات قابلة للفقس لتريهم الجنين الذي بداخلها  وبصورة حقيقية واقترحت أن يتم فقس بيضة كل أسبوع لمتابعة نمو الجنين، وفي اليوم الثاني استمعت المعلمة إلى تعليق التلاميذ عن ما تم اكتسابه من معارف في الحصة السابقة، فإذا بأحد التلاميذ يهمس في أذن المعلمة بأنه يشعر منذ الأمس بالحزن الشديد والقسوة من القيام بفتح البيضة وقتل الفرخ الذي بداخلها  لمجرد الاستطلاع والمعرفة، ومع أن هذه التجربة بدت قاسية على جميع الطلاب وهو الأمر الذي جعلهم يمتنعون عن فقس باقي البيض إلا أنها كانت كافية بشعورهم بالإحساس ومعايشة مشكلة أخلاقية تنبع من الحياة والانتقال بهم من مسألة معرفة الصواب إلى فعل الصواب نفسه.

إن الحديث الذي يعجز عن مخاطبة الأشياء بروحها وقيمتها، يظل حديثا سطحيا يخاطب العواطف لا العقل ومجرد ادعاء لا حقا، وديننا الإسلامي الحنيف قد علمنا أن طريق معرفة الله هو العقل، وأن الحكم في نصوصه ومأثوراته قائمة على العقل المؤسس على البرهان والدليل، إلا أنه وعند الحديث عن قضية الوحدة باعتبار الوحدة إحدى تلك الفضائل والتي في حقيقتها تعني لنا القيمة والإضافة الموجبة التي بإضافتها تغدو لنا الأشياء أكثر قوة وصلابة مما كانت عليه من قبل، والحديث عن الوحدة الألمانية لا  يكون إلا بحديث العقل وقد يسرت ولم تعسر وبشرت ولم تنفر وزادت ولم تنقص وأعطت ولم تأخذ، وكان من الطبيعي لمواصفات اجتماعية كهذه كافية لتكون علامة مسجلة جديدة، ونقطة فارقة في حياة الألمان، ولا أحسب أن أحدا من مواطني ألمانيا الشرقية"سابقا" سيجرؤ على رفضها اليوم، وقد غدت دولة أكثر قوة من ذي قبل، مثلت قيمة إضافية وقدمت للعالم أنموذجا ملموسا ودرسا قويا عن معنى الوحدة، وقد تبوأت أعلى مواقع الرخاء الاقتصادي، بينما لا يزال خطاب البعض عند الحديث عن الوحدة اليمنية هو خطاب الأمس نفسه، يقفون عند ظاهرة الألفاظ لا ما ورائها، لأنهم لا يجرؤون عن مخاطبة العقل لأن العقل يرفض الواقع الذي لا يعبر عن المضمون الحقيقي الوطني والاجتماعي للوحدة، بعد أن عبثت بها أياد حاقدة بشخصياتها المريضة، بدت ملامحها ظاهرة منذ الأشهر الأولى، وهو ما يؤكد نظرية المؤامرة وعبثية تلك الأيادي التي كل مؤهلاتها هي السلب والنهب والفيد لثروات البلاد ومقدراتها والتدمير الممنهج لقيم الإنسان وأخلاقياته ولازالت تعكس نفسها حتى اليوم على سلوكياته وسيظل يعاني من تبعاتها لسنوات قادمة، لذلك هم يلجؤون إلى مخاطبة العاطفة وفقا لشعارهم البليد " الوحدة أو الموت" وينظرون للوحدة كأمانة وبنوع من القداسة بغير حقيقتها التي ينبغي الحفاظ عليها وإن كانت على حالتها الهشة.

إن على أولئك المتمسحين بالوحدة والذين يتباكون عليها اليوم حريا بهم أولا الاعتراف بأخطائهم التي ارتكبوها في ظلها وقد أعانوا الظالم على ظلمه بحق شعب الجنوب في إزهاق الأرواح واستباحة الدماء ونهب الثروات ومن ثم رد المظالم لأهلها، والتخلي عن توظيفها لمآرب أخرى، وعليهم أن يدركوا أن الوحدة ما هي إلا مشروع سياسي ينبغي استثماره في تحقيق قيمة إضافية للإنسان اليمني من حيث وضعه وحالته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروحية، وإنها في محل نظر ما لم يتبين لعقولنا أنها كذلك.

 

 

 

 

 

 

                                                                                                                                      / جلال عبده محسن

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص