آخر تحديث :الاربعاء 27 نوفمبر 2024 - الساعة:00:30:02
حل اللغز: صراع عدن الصامت وسط الأوضاع المتدهورة
حافظ الشجيفي

الاربعاء 04 نوفمبر 2024 - الساعة:20:48:21

في مواجهة الأوضاع المريرة والمضطربة التي تمر بها بلادنا حاليا، ظهرت ظاهرة غريبة،لم تكن عدن تعرفها من قبل وتكشف عن خلل في العلاقة المعقدة القائمة بين الشعب والسلطات التي تحكمه.  إنها ظاهرة تتحدى الحكمة التقليدية وتخالف فهمنا للسلوك البشري.  فسكان عدن، الذين خرجوا بحماس إلى الشوارع احتجاجاً على الحكومة خلال أوقات الاستقرار النسبي للاوضاع في مراحل سابقة، يجدون أنفسهم اليوم في صمت مقلق مع تدهور الظروف وتضاعف الأزمات واشتداد المحن وانهيار الخدمات. هذا الواقع المقلوب هو لغز محير، يبحث على إجابات.

 في الماضي غير البعيد، عندما كان الوضع الاقتصادي افضل بكثير مما هو عليه الان ومستويات المعيشة اعلى، والخدمات العامة في ارتفاع، شعر الناس بدافع للتعبير عن همومهم وتطلعاتهم من خلال المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية التي شهدتها المدينة.  لقد كان الناس في ذلك الوقت الذي ملأ فيه الحماس والتفاؤل الأجواء،يتوقون إلى المزيد من التقدم.والرخاء  فترددت أصداء أصواتهم الجماعية مطالبين بالمساءلة والتغيير الإيجابي من جانب الحكومة.

 ومع انتقال البلاد الى حالة من الفوضى والانهيار، واتخاذ الوضع منعطفًا نحو الأسوأ وتفاقم الأزمات، وتزايد الأعباء الملقاة على كاهل الناس واشتداد المحن.  فمن المفارقات العجيبة أنه في هذه الحالة من الاستياء المتزايد والظروف المتدهورة، يخيم صمت غريب على شوارع عدن.  حيث تم استبدال تعبيرات السخط التي كانت تعمها ذات يوم بهدوء غريب وسكون لا ينبغي ان يسود..

 هذه المعادلة المحيرة تتحدى فهمنا وتستعصي على التفسير المنطقي للظاهرة.  كيف يمكن عندما تشتد الظروف أن يتبدد صوت الناس ويلتزمون الصمت ويتراجعون إلى الخلف ويتوقفون عن الحراك؟  وهو واقع يتحدى جوهر الطبيعة البشرية ومبادئ العدالة الاجتماعية.  وفي الوقت الذي يتوقع فيه المرء أن ينتفض الشعب بأعداد أكبر، فإذا بصمتهم المخيف يكشف الكثير من التعقيدات القائمة.

 ربما، وسط الأزمات المتصاعدة والمحن المتكالبة، يجد أهل عدن أنفسهم مرهقين ومنهكين.  إن ثقل كفاحهم اليومي، بالإضافة إلى تدهور الظروف الاقتصادية والمعيشية، قد استنزف طاقتهم وتركهم يتصارعون من أجل البقاء.  ربما يكون الحجم الهائل للتحديات التي يواجهونها قد جعلهم عاجزين عن الكلام والحركة، فكتمت أصواتهم مؤقتًا بسبب الشعور بالاستسلام واليأس.

 علاوة على ذلك، قد يكون هناك شعور كامن في الاعماق بخيبة الأمل وفقدان الثقة في فعالية الاحتجاجات والمظاهرات كمحفز للتغيير.  وقد أدت دورات السخط المتكررة وما تلاها من خيبات الأمل إلى تآكل إيمان الناس بقدرة صوتهم وفعلهم الجماعي على إحداث تحول حقيقي.  وفي مواجهة العقبات التي تبدو من المستحيل التغلب عليها، ربما تراجع الناس إلى الصمت كآلية للبقاء، محتفظين بطاقتهم للمعارك التي يخوضونها في حياتهم اليومية.

 ومع ذلك، وعلى الرغم من الصمت الذي يجتاح المدينة، فمن الأهمية بمكان أن ندرك أن نضالات الناس لا تزال مستمرة.  ولا ينبغي الخلط بين صمتهم وبين إذعانهم أو لامبالاتهم.  إنه انعكاس لقدرتهم على الثبات وتصميمهم الهادئ على الصمود في وجه العاصفة والمثابرة رغم كل الصعاب.  إنها شهادة على روحهم التي لا تتزعزع، وتتحدى بصمت المصاعب التي يتحملونها.

 وبينما نتصارع مع هذا اللغز، من الضروري أن نستمع بانتباه إلى الكلمات غير المنطوقة للجماهير الصامتة في عدن.  إن صمتهم يحكي الكثير عن عمق معاناتهم، وعدم استقرار وجودهم، وشوقهم لمستقبل أكثر إشراقا.  وينبغي لها أن تغذي عزمنا على معالجة مظالمهم، والتخفيف من معاناتهم، واستعادة ثقتهم في قوة العمل الجماعي.

 وفي هذا الواقع الغريب والمقلوب، دعونا لا ننخدع بالصمت، بل نجعله بمثابة تذكير رسمي بالحاجة الملحة إلى التغيير.  دعونا نعمل بلا كلل من أجل خلق مجتمع تُسمع فيه أصوات الناس وتتواجد فيه نضالاتهم

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل