آخر تحديث :الاربعاء 20 نوفمبر 2024 - الساعة:17:20:15
من حكايات زمان ..شطارة البدوي في لندن
عياش علي محمد

الاربعاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

في المنطقة الوسطى (دثينة) ظهرت النعمة على أحد ابنائها، الذي كان يشتغل بحارا في احدى السفن التجارية التي كانت تجوب عددا من الموانئ الاوروبية والآسيوية، ظهرت النعمة عليه في ملبسه ومأكله ومسكنه ومصاريفه، ومن خلال تجواله في تلك الموانئ اتقن عدة لغات اجنبية منها الانجليزية والفرنسية والايطالية، وكان حين يعود من سفرياته يحمل معه المنتجات الغربية يفاخر بها اهل بلدته.

هذا الوضع اثار ابن عمه (البدوي) الذي الح عليه ان يأخذه معه في سفرياته، ويشتغل معه بالمصروف اليومي، ولا يريد غير ذلك، وافق البحار ان يصطحب معه (البدوي) ليقوم بأداء الخدمات في السفينة مقابل أكله وشربه.

وبحكم معرفة هذا البحار بشخصيات لها نفوذها في التجارة، طلب منهم توظيف ابن عمه في احد المتاجر اللندنية يملكه مناحيم اليهودي، ويمتاز هذا البدوي بالذكاء الفطري، ومظهره جذاب وزاد من جاذبيته عندما اتقن اللغة الانجليزية ويتحدث بها كأحد ابناء لندن، لكنه مع ذلك احتفظ بلهجة بلاده البدوية حين يتحدث مع اقرانه او اصدقائه من العرب.

أدار هذا البدوي المتجر اليهودي للملابس، بكل ذكاء واناقة، فقد اكتسب خبرة (باعة السجاد الايرانيين)، اذ لا يخرج المرء من متجره الا ومعه شيء اشتراه منه.

احب اليهودي هذا الفتى الآتي من بلاد العرب، الغارقة في التخلف، وامده بالحنان، والرأفة حتى كاد ان يزوجه ابنته، لولا ان البدوي عصامي لا يحب الارتباط مع زوجة من ديانة اخرى، ويكفيه ان بنت عمه منتظرة مجيئه في اي وقت لكي يجتمعا تحت سقف واحد.

كان البدوي يستلم اجره الاسبوعي، ويعيده لمناحيم كي يحتفظ له به حتى اذا قرر العودة الى وطنه استعاده منه، ليؤسس به حياة جديدة في بلاده.. ومن ذكاء هذا البدوي انه كان يأخذ (وصلا) من مناحيم يؤكد استلامه المبلغ المطروح عنده.

بعد عشر سنوات من العمل في متجر (مناحيم) قرر البدوي العودة الى وطنه، وطلب من مناحيم (فلوسه) التي قدرها بـ 5000 جنيه استرليني موجودة في ذمته.

مناحيم انكر ان تكون عنده اية مبالغ للبدوي، مما اثار غضب البدوي وترك عمله في المتجر، ولجأ الى (احدى المحاكم اللندنية)، وقدم شكوى بالتاجر مناحيم طالبا في شكواه للمحكمة استعادة نقوده التي كان يودعها لدى اليهودي مناحيم.

استدعت المحكمة التاجر مناحيم وطلبت منه الاجابة عن الشكوى المقدمة عليه من البدوي، لكن مناحيم اصر مرة اخرى انه لا توجد في ذمته اية مبالغ تخص البدوي، وطلبت المحكمة من البدوي الاثبات على اقواله بالدليل القاطع، فقدم لهم البدوي "وصولات" الاستلام بإمضاء التاجر اليهودي.

وجد مناحيم نفسه وقد تورط بهذا الانكار، وقام بمحاولة تآمرية ليخدع بها البدوي، وكانت هذه الخدعة ان يقوم احد زملاء اليهودي (مناحيم) بالشهادة امام المحكمة، ويقول لهم إن شكوى هذا البدوي باطلة لأن المبلغ الذي كان يودعه البدوي، كان يودعه عندي، وليس عند مناحيم، ولهذا فإن شكواه باطلة لأن شكواه ذهبت للانسان الخطأ.. واكد الشاهد ان فلوس البدوي توجد لديه، وليست عند مناحيم.

قاضي المحكمة يقول للبدوي: ما هو ردك على هذا الشاهد؟

نظر البدوي حواليه يمينا وشمالا فكان رده: نعم يا سيادة القاضي هذا الشاهد جزاه الله خيرا لم ينكرني شيئا، واطلب فلوسي منه، لكن قضيتي مع مناحيم الذي عنده فلوسي ولم يرجعها لي، وقررت المحكمة استعادة المبالغ المستحقة للبدوي من اليهودي مناحيم، حسب سند الاستلام الموقع من مناحيم، كما قررت المحكمة ان يدفع الشاهد المبلغ الذي اقر به في المحكمة لصالح البدوي، واستعاد البدوي مبلغ عشرة آلاف جنيه استرليني، لأن الشاهد لصالح اليهودي سقط باعترافه في الفخ الذي نصبه لنفسه.. ودفع ثمنه خمسة آلاف جنيه استرليني!!

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص