آخر تحديث :الخميس 26 ديسمبر 2024 - الساعة:01:26:07
نـــرقـــص حــتــى يـــنـــتـــهـــي الـــعـــالـــم
عاد نعمان

الخميس 00 ديسمبر 0000 - الساعة:00:00:00

على العود والشبابة عزفت الجوقة الموسيقية، التي رافقت امرأة جميلة، جاءت لترقص في بلاط إمبراطورية(بركاشا) أمام أميرها وحاشيته، تنوعت برقصاتها بين رقصة(اللهب) و(السيوف والرماح) و(النجوم والفضاء)، واختتمت برقصة ناعمة(الأزهار في الرياح)، لتنتحي بجسدها اللين الصنصالي أمام العرش، فأمرها الأمير أن تقترب منه، وسألها بإعجاب شديد عن مصدر فنها "من أين أتيت بفنك؟ وكيف أتيح لكِ أن تقودي عناصر الطبيعة وتصرفيها على إيقاعاتك وقوافيك؟"، انحنت مرة أخرى، وأجابت بلقافة لغوية عميقة عن الفيلسوف اللبناني/جبران خليل جبران "يا صاحب السمو والنعمة، أنا لا أعرف جواب أسئلتك، كل ما أعرفه هو أن روح الراقصة تقطن في جسدها كله".

   بأدائه البسيط وحركاته العصبية الغريبة المصاحبة لغنائه المؤثر والمقنع يقترب الشاعر بخطواته الحذرة الذي قام بدوره ملك الغناء بمصر/محمد منير في فيلم(المصير) للمخرج العالمي/يوسف شاهين من الشابة الجميلة/سلمى التي قامت بدورها الممثلة/روجينا، كانت تجلس بهدوء بين جذعي شجرة، يسرح الحزن بها بعيدًا عن المكان، الذي بدأ يمتلئ بصوت الشاعر الأسمر "علي صوتك بالغنى.. لسه الأغاني ممكنة.. ممكنة.."، يدنو الشاعر ويقرفص على ساقيه أمامها، يحاول إقناعها باستمرار الحياة ناظرًا مباشرةً لوجهها المكتئب "ولسه يا ما.. يا ما ويا ما.. من عمرنا.."، تبدأ الآلات الموسيقية بالعزف، والممثلة/ليلى علوي بدور(الغجرية) كانت ترقب مشي الشاعر نحو سلمى وحركاته، وفجأة تقف من على مائدة الطعام التي كانت تجهزها، تنفض الطحين من يديها، وتنضم إلى الشاعر، ليأخذا بيدي سلمى إلى وسط المشهد بين الناس، ويباشر الجميع بالرقص في المكان، بينما الشاعر يغني والعزف متواصل، تناول إحداهن الغجرية دفًا، ليزداد جمال الغناء، وتضيف سحرًا للعزف بطريقة تحريكها للدف وضربها عليه، كلها ثقة بأن الغناء والرقص هما الحلان الوحيدان لإسعاد سلمى.

   بقصد يقتربوا من الكوخ الذي قُيد بداخله بحبال غليظة على كرسي خشبي الشاب/عبدالله الذي قام بدوره الممثل/هاني سلامة، يعلو صوت الغناء جملة بعد جملة تخرج من فم الشاعر، والرقص المتفاعل من الجميع على شكل أزواج يزيد الحماسة، بعد أن ذهب الشاعر إلى هناك بالغناء، يعود ويلتفت لسلمى، ويشير بيده متشنجًا إلى وجهها، وينظر إلى الغجرية، وكأنه يحرضهما على تصعيد الرقص، ويغني بحماسة "ترقص.. أرقص.. غصب عني أرقص.. ينشبك حلمك بحلمي.. غصب عني أرقص.."، من خلف جدار الكوخ تأتي الأصوات بالرقص والعزف والضحك إلى مسمع عبدالله المقيد، تستفز مشاعره، فيحرر نفسه من الحبال، ويقف من على الكرسي، ويصرخ مع جمل الشاعر "ولا انكسار.. ولا انهزام.. ولا خوف.."، للفكر أجنحة بغناء محمد منير من كلمات كوثر مصطفى وألحان كمال الطويل وتمثيل ورقص ليلى علوي.

   كانت تحتاج المحامية/سلوى التي قامت بدورها الممثلة/يسرا في فيلم(ما تيجي نرقص) للمخرجة المتمردة/إيناس الدغيدي بنسخته العربية من الفيلم الأجنبي(Shall we dance?)، لأن تمر من أمام معهد لتعليم الرقص، والقليل من الشجاعة لتشترك فيه، وتتعلم الرقص، لتكسر الروتين اليومي في حياتها العادية، ولتشعر بعاطفة مختلفة جديدة عليها تجاه زوجها وابنها، وتتجدد أحاسيسها مع شعورها بعدم أهميتها وقلة إنجازاتها الأسرية والمهنية، بعد أن أصيبت حياتها بالجفاف مع زوجها المتذمر دومًا منها، وتصادمها مع أفكار وتحرر ابنها، وإزعاج عملاءها المملين في المكتب، المحامية الجادة التي لا تعرف غير خط الميترو، الذي يربط بين منزلها ومكتبها، وصلت إلى مرحلة لم تستطع أن تتوازن مع محيطها الاجتماعي، مما أدخلها في أزمة نفسية معقدة، أصابتها باكتئاب ورتابة وعدم تفاهم مع أقرب الناس لها، حتى عملائها المجبرة على التعامل معهم للحظات في مكتب عملها، مما سبب فجوة كبيرة في حياتها، فكانت النصيحة من أصدقائها المقربين بشغل أوقات فراغها بالرقص، وفي معهد تعليم الرقص قابلت نفسها التائهة، ووجدت طريق الرقص للتصالح مع الجميع.

   الصدفة جعلت سلوى تسترق النظر بخجل من باب المعهد، لتشاهد شباب وشابات يرقصون مع بعضهم بسعادة متناهية، وآخرون يتدربون على أداء حركات الرقص الابتدائية، تتابعًا اقتنعت الالتحاق بالمعهد، وبدأت سلوى باختلاس أوقات من عالتها وعملها لتحضر حصص الرقص، راحت تتذكر أيام شبابها الجميلة، يغضب زوجها الذي قام بدوره الممثل/عزت أبو عوف عندما علمه بالأمر صدفةً، وخصوصًا أنها أخفت عنه ذلك، ويصل الحال بينهما إلى الطلاق، ويتراجعا عنه لاحقًا، في البداية يرفض فكرة تعلمها الرقص، ولكن مدرب الرقص الوسيم/أحمد الذي قام بدوره الممثل/تامر هجرس يقنعه بأهمية الرقص وتأثيره على النفس، فيقرر الالتحاق بصفوف الرقص خفية عن الجميع، في الوقت الذي كانت فيه تتدرب سلوى على يدي ذات المدرب، الذي رشحها لتشارك بمسابقة رقص كبيرة، تتفاجئ بأن الذي سيشاركها الرقصة في المسابقة هو زوجها، وعلى وقع أغنية(تمايل معيSway with me/) للمغنيDean Martine/، يرقص الزوجان أمام الجمهور بانسجام وتناغم كبيرين وبتفاهم افتقداه طويلًا، بالفعل نجح الرقص بإعادة زوجين إلى حياتهما الأسرية السعيدة، في حين فشلت كل المحاولات الأخرى، في الفيلم شرائح مختلفة من المجتمع ترقص، وشرائح أخرى تحاول تعلم الرقص.

   تقول الأسطورة أنه بمجرد مرور كوكب نيبيرو(Nibiru) بين الأرض والشمس في نهاية شهر ديسمبر من العام الجاري 2012م بقوته المغناطيسية الكبيرة سيسبب زلازل رهيبة وفيضانات هائلة وتغيرات مفزعة على وجه الأرض، ستقضي على أغلبية سكان الكرة الأرضية، هو ذاته الكوكب الغامض الذي اكتشفه تليسكوب تابع لوكالة ناسا(NASA) الفضائية في عام 1983م، وأسمته بالكوكب المجهول(X) وقتها، وقبلًا اكتشف السومريون الكوكب بمشاهداتهم وحساباتهم واهتمامهم بالفلك، ودونوا عنه المعلومات، حصل كاتب الخيال العلمي/زيشاريا زيستيشن على بعض الوثائق السومرية عن الكوكب، قام بترجمتها ونشرها في كتابه(الكوكب الثاني عشر) في عام 1976م، وبدأت القصة تأخذ حيزًا من الاهتمام في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي، بعد انتشار شائعات عن ذلك الكوكب الغامض في المجموعة الشمسية، الذي سينهي أشكال الحياة المتنوعة على وجه الأرض، يظن بعضهم أنه كان السبب وراء طوفان نبي الله نوح – عليه السلام.

   إن أغلب الأحداث الكبرى التي وقعت على الأرض، وشوهدت في الفضاء تيمن بها شعب المايا، احتضنتها وذكرتها حضارتهم، وذلك لتفوقهم وبراعتهم في علمي الفلك والرياضيات، وقد توقع شعب المايا بأن انقلابًا شتويًا سيحصل وسينتهي العالم، وحددوا الحادي والعشرين من ديسمبر من عام 2012م تاريخًا لحدوث كارثة كبيرة ستزيل الأرض، كما جاء في تقويمهم المسمى(Long Count)، الموضوع في 3114 قبل الميلاد، والذي سينتهي في تاريخ 21 ديسمبر 2012م.

   أخذ فيلم الخيال العلمي(2012) للمخرج/رولان إيميريش عامًا كاملًا للتصوير2008-2009، وصدر قبل 3 أعوام، فيه يكافح البشر والحيوانات من أجل النجاة من الموت وإنقاذ حياتهم من أحداث وكوارث يشهدها العالم، والتي من شأنها أن تؤدي إلى نهايته، استوحى الفيلم قصته من عدة فرضيات، تتنبأ بيوم الهلاك، المعتقد بأنه نهاية دورة التاريخ حسب تقويم شعب المايا، التي سكنت المكسيك في أمريكا الوسطى، وسوف يحل في وقت ما في نهاية شهر ديسمبر من عام 2012م.

   في اليوم المنتظر والمرتقب لانتهاء العالم، كل شيء يبدأ بالانهيار، تتساقط ناطحات السحاب، وتتهدم المباني، تظهر بقع سوداء على نجم الشمس، تكبر تدريجيًا حتى تحجبها تمامًا، فلا تصل أشعتها إلى الأرض، تنقلب الكرة الأرضية رأسًا على عقب، القطب الشمالي يصير جنوبي والجنوبي شمالي، يشاهد البشر أجرام سماوية ملتهبة تتجه بسرعة شديدة في السماء صوب الأرض، تشب حرائق كبيرة، وتنتهي الحياة في ذلك اليوم، وما يعود أمامهم إلا اللجوء إلى تحت الأرض، هروبًا من الكوارث الفظيعة التي تحدث على وجهها، كل تلك المشاهد مقدمة فيديو كليب لأغنية(/Till the world endsحتى ينتهي العالم) للمخرج/راي كاي من الألبوم الأخير(Femme Fatale) الذي صدر بداية العام الجاري للمغنية الاستعراضية/بريتني سبيرز، تلك الأغنية خصوصًا من ألبومها كانت لا بد أن يضاف لها بُعد مرئي وتصور بطريقة الفيديو كليب.

    في مشاهد من الفيديو كليب، يركض مجموعة من الشباب والشابات في الأزقة الضيقة، يقوم شاب يحمل عصا حديدية بفتح منهل(حفرة مجاري)، ليساعد شابتين للنزول إلى تحت الأرض، يواصل الشباب والشابات الذين ظهروا بملابس سوداء ممزقة الركض في قنوات المجاري وأنفاق الميترو السفلية، للهروب مما يحدث من كوارث على وجه الأرض، وينضموا لحفلة الغناء والرقص التي جهزتها بريتني مرتدية جوارب سوداء شفافة ممزقة على امتداد ساقيها، ليبدءوا فعلًا بالرقص على موسيقى الـPop والـRock & Roll، بفعل الحرارة الشديدة يتصبب العرق من أجسادهم الملتصقة ببعضها، ومع ذلك مستمرون بالرقص، يستمتعون بآخر لحظات حياتهم مع انتهاء العالم، جاءت اللوحات الراقصة التي صممها مدرب الرقص العالمي/بريان فريدمان حيوية ومتقنة ومناسبة لكلمات أغنية شديدة الحركة تحتاج للخفة، يظهر واضحًا في المشهد الراقص الذي يتحرك فيه الراقصون على إيقاع تصفيق بريتني مع الموسيقى المرافقة لهم، تترابط مشاهد الفيديو كليب سريعة العرض مع إيقاعات الأغنية بشكل يخدم قوة الفكرة، وترابطها مع الكلمات التي تحث على الرقص، كآخر شيء يمكن عمله قبل نهاية الحياة، في نهاية الأغنية تكرر بريتني هذه الجملة(/keep on dancing till the world endاستمر بالرقص حتى ينتهي العالم)، وكأنها تقول أن الرقص لا بد أن يكون بقوة حدث انتهاء العالم، وفي نهاية الفيديو كليب الذي بدأ بعرض تاريخ 21 ديسمبر 2012م بخلفية صورة للأرض اُلتقطت من قمر صناعي، ينتهون من الرقص، فتصعد بريتني من تحت الأرض، وتخرج من فتحة المجاري، لتكتشف بأن العالم لم ينتهي، وأن الشمس مشرقة في وسط السماء، والحياة مستمرة.

      مصير العالم مسألة لا تزال مفتوحة قابلة للتداول والأخذ والعطاء فيها، ويبقى مفهوم نهايته الوشيكة بظاهرة 2012 بين معتقدات ومقترحات وتأويلات وإدعاءات وتنبؤات وتفسيرات وتكهنات وحجج وتنجيم، تُرجمت بخيال علمي إلى أعمال سينمائية وأغاني وفيديو كليبات وبرامج وثائقية تلفزيونية وروايات وقصص، ونُشرت في مواقع إلكترونية وكتب ومجلات بعيدًا عن مفهوم يوم القيامة(قيام الساعة) الذي جاء ذكره صراحة في كتب الديانات السماوية، ويختص بعلمه خالق الكون وحده دون غيره، ومن جهة أخرى تكذيب ونفي هيئات وصروح علمية عالمية ووكالات فضاء كبيرة ومعروفة، يُؤخذ بآراء العلماء والفلكيين والأكاديميين فيها من خلال أحدث الأجهزة الكاشفة كالتليسكوبات الدقيقة في مثل هذه الأحداث المصيرية للعالم، ومشاهدتها من أي مكان في العالم عبر موقع Google Earth، مهما كان التعتيم الذي تمارسه الحكومات على الشعوب بإخفاء الحقيقة عنهم كالحكومة الأمريكية، وكما أشارت دراسات علمية حديثة بأن انقراض جزء كبير من البشر على وجه الأرض سيكون بسبب أنشطة بشرية كالحروب النووية وغيرها..، وأن الجنس البشري هو آخر تطور لجنس الهومو، وهذا يدل على وصول التطور الخلقي إلى طريق مسدود، مع عدم تطور بقية المخلوقات خلال مئات السنين الفائتة، مما يؤكد قرب نهاية العالم، ربما في نهاية هذه السنة أو في السنة القادمة أو بعد عشرات أو مئات أو ألوف السنين.

   الرقص.. تفتعله كافة المخلوقات بنفسيات وأمزجة في حالات متعددة، الرقص بأنواعه المختلفة والمصحوب بالموسيقى أو بالغناء من الفنون التي أهتمت بها الشعوب منذ قديم الزمن، هو بحد ذاته علم يبحث عن كيفية صدور الحركات الموزونة أو العفوية من الجسد، يخلق نوعًا من السرور في روحي الراقص والمشاهد، أُعتبر نشاط بأشكاله الفردية أو الثنائية أو الجماعية، أرتبط بطقوس دينية كالتعبير عن الشكر للإله، ولطلب التوفيق بالصيد أو الزراعة، ولجلب المطر، ولإثارة الرعب في نفس العدو، ولطرد الأرواح الشريرة، ولتمثيل حدث حصل في تاريخ الشعوب أو القبائل أو العشائر، ولطلب المساعدة في الحفاظ على المكان الذي يتواجد عليه الكائن الحي، وغيرها من مآرب بالرقص، ومع اقتراب موعد انتهاء العالم كما سبق ذكره، سيجد البشر أنفسهم مضطرين لممارسة الرقص كنوع من التسلية ونسيان للحدث الختامي القادم إليهم، والذي سيقضي نهائيًا على حياتهم، أو ربما كتعويذة للحفاظ على الأرض التي يعتلونها كما فعل القدامى برقصهم.

-----------------------------------------------

م. عاد نعمان – كاتب صحفي وناشط ميداني

الجمهورية اليمنية – مدينة عدن

موبايل: 00967733406994 

إيميل: al-meena1920@hotmail.com

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص