آخر تحديث :السبت 18 مايو 2024 - الساعة:01:17:00
اليوم الأسود من وحي الذاكرة
عبدالقوي الأشول

السبت 00 مايو 0000 - الساعة:00:00:00

هو يوم أسود أتذكر وجه مدينتي تحت القصف وحالة الهلع والخوف بين أهاليها البسطاء.. وتلك النهارات القائظة والليالي المظلمة التي تومض في سمائها طلقات الدوشكا وأنواع الأسلحة الأخرى التي ظلت تمطر قلب المدينة وضواحيها دون رحمة.. كان البحث عن قطرة ماء تروي الشفاه العطشى مغامرة لابد من خوضها من قبل الآباء والأمهات إما بالخروج إلى ضواحي عدن أو أي نقاط بقيت فيها خطوط المياه متصلة ببعض.. الكثير منهم قضوا وهم يبحثون عن قطرة ماء.. هكذا ظل الحال لأيام عديدة كانت المدينة تشيع كل يوم شهداءها ممن قضوا تحت ركام المنازل المهدمة أو في جبهات المواجهة من شباب أبوا إلا أن يتطوعوا في تلك الأثناء للدفاع عن, و رغم يقينهم أن المعادلة غير متكافئة فإن حمى الغيرة على الوطن بدت واضحة في أرواح هؤلاء الشباب الذين نذروا أنفسهم رخيصة في سبيل الوطن.

أذكر كيف نفدت المؤن والأغذية من الأهالي وكم كانت الأيام قاسية في ذلك الصيف الدامي, وكيف استطاع الأهالي ابتكار وسائل عدة للحصول على الماء إذ لجأوا لحفر الآبار القديمة في أرجاء المدينة إلا أنها لم تلب ولو جزءا من احتياجاتهم الملحة.

ربما كانت المياه من وسائل الضغط الشريرة التي استخدمها المعتدون تمهيدا لسرعة اجتياح العاصمة عدن, وصولا إلى تلك اللحظة الفاصلة حين اجتاحت المدينة جيوش بشرية من قوات نظامية وأخرى قبلية كلها أخذت تمارس حالة غير مسبوقة من النهب لكل ما تقع عليهم أيديهم.. جماعات كانت كما يبدو مخصصة في تفكيك المصانع والمؤسسات المنتجة وأخذ كافة محتوياتها من الأجهزة الثمينة الأخرى اتجهت لتصفية كافة موجودات شركة التجارة بكل فروعها ومخازنها التي تحتوي على مؤن وكماليات ومعدات أخرى مختلفة.

في حين بدا تخصص بعضهم غريبا, النهب ثم إشعال الحرائق، وهكذا طالت تلك الأفعال المروعة كل شيء في الجنوب وفي عدن العاصمة تحديدا, وفي المجال السياحي تم نهب كافة محتويات الفنادق القائمة والمتنزهات.

حتى أن مؤسسة اليمدا في تلك الأثناء نفدت كامل قطع غيارها الثمينة والتي تبلغ ثمن القطعة منها ملايين الدولارات ويقال أن تلك المعدات بيعت كخردة نظرا لعدم معرفة الناهبين قيمتها.

هكذا كنا نرقب المشاهد بحزن عميق ومؤسساتنا ومقدرات دولة بأكمله تُنهب عنوة وتُحمل على ظهور الشاحنات المرافقة لتلك البشمرجة التي كوفئت بنهب الجنوب نظير اجتياحه.

لم تسلم حتى المستشفيات والمجمعات الصحية من النهب بل والمدارس ورياض الأطفال.. لقد باتت عدن مدينة منكوبة في تلك الأثناء وما بعدها.

 لم يكن اليوم الأسود الذي اجتاحت فيه قواتهم وقبائلهم الجنوب إلا بداية المأساة إذ تواصلت على ربوعه كافة أنواع النهب وتنوعت أساليب وأطماع هؤلاء الذين مارسوا أبشع الفظاعات بحق شعبنا.. إذ ظلت حمى المنتصر تحرك كوامن عدائهم السافر لكل شيء هنا.. يا إلهي أي قدر قاس ذلك الذي أصابنا وكيف تبدل وجه الحياة بعد هذا التاريخ في أرجاء الجنوب ومدنه الحضارية.. إنها مأساتنا التي نحث السير صوب تخطيها واستعادة كرامتنا وحريتنا وسيادتنا على أرضنا بعد سنوات من القهر والنهب والقمع والإساءة والإلغاء.

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص