آخر تحديث :الاحد 28 ابريل 2024 - الساعة:02:14:06
في ذكرى أربعينة زميل المهنة وصديق العمر وجدي الشعبي
ماجد الداعري

الاحد 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

أخيراً.. قتلوك ياصديقي.. بعد أن قتلوك مرات ومرات.. قتلوك حينما تركوك عاطشاً في صحاري الحياة، وفريسة للضيم ولعنة القهر ومرارة الحاجة، وقتلوك حينما تركوك وحيدا في شتاء الهم تقاسي الأمرين وراحوا يحيكون عنك الأباطيل بحثا عن مبرر لجرم قتلك ياصديقي.. وقتلوك حينما أودعوك ظلماً وعدواناً عتمة سجون غيهم، وألقوا بك مرات ومرات في غياهب طغيانهم، إكراما لإنسانيتك الحية فينا جميعاً..قتلوك أخيرا حينما تجرأت أيادي غدرهم على إطلاق رصاصة الموت إلى قلبك البرئ، ليعلنوا نهاية شعلة الانسانية العامرة التي كانت تضيئ عتمة الدروب التي تحيط بكل من حولك ياصديقي..قتلوك حينما ارتدوا عتمة الظلام "كخفافيش مرعوبة"، قيض لها ان تهجم خفية على عرين أسد لم يحترس لغدرها يوما.. وقتلوك حينما لم يتجرأوا على الانتظار لحظة ليروا طهر دماءك المسفوكة قهرا وبغياً على أريكة مرقد لم تنتهي من تجهيزه بعد.

قتلوك حينما فروا دون أن يروا كم سفكوا بعدهم من دماء طاهرة ودموع نقية غسلت ماكان من قيم للطهر والبراءة في عالم لايستحق ان تحيا له ياصديقي الراحل في دروب الخالدين، بل وقتلوك حينما لم يكتفوا بمرأى دماءك الطاهرة وإنما راحوا ليقتلوك مرات ومرات أخر، حينما راحوا ليحتفوا ببطولة خزيهم بقتلك ياصديقي، ويتخذوا من دماءك الزكية، منجز لبغيهم ورخص عمالتهم..

قتلوك حينما سعوا لتقديمك قربانا لإرضاء أسيادهم، بعد ان ضنوا انهم قد أحسنوا صنعاً بإطفاء روحك المشعة بالحياة فينا ياصديقي، وذهبوا ليكيلوا لك تهم الاباطيل التي أراد الله ان يفضحهم من خلالها. ويعري بها زيفهم قتلة لإنسانيتك ايها الصديق الراحل في دروب الخالدين. قتلوك حينما اتهموك زورا ومالبث بقايا ضمائر بعضهم ان تدعهم يستمروا في احتفاءهم المخزي ببطولة قتلك ياصديقي، في تلك اللحظات التي كانت فيها روحك الطاهرة قد سبقت جسدك المسجى بدماء حقدهم وغدرهم إلى بارئها، فراحوا يبحثون عن "تهم أفك" في سعيهم للتخفيف من وطأة جرمهم وخزيهم وهول إحساسهم بكبر الجرم الذي ارتكبوها بحق روحك الطاهرة في تلك الليلة الملعونة بلعنة الغدر وسواد تلك اللحظات الحالكة بظلمة الهموم العاتية التي كانت تسكنك وأنت تواصل دروب البحث عن فرصة عيش كريم، لا اضنك ستجدها إلا حيث انت الآن في دار خلدك ياصديقي الراحل عن دنيانا الرخيصة بعدك.

قتلوك حينما اتهموك زورا وراحوا يبحثون عن مبرر لجرم ارتكبته أيديهم القاتلة، وحينما لم يجرأوا على مواجهتك بالحق والبينة وانت مستكين آمن قرب عائلتك المتيتمة بعدك.. وقتلوك حينما أحال الله نشوتهم باغتيال روحك إلى نكسة مريرة تلوكها كل الألسن ومنابر الإعلام، بعد ساعات من انقشاع حقيقة قتلك العدواني وأنت في بيتك آمنا تلوك أغصان قات، أبت هي الأخرى، إلا ان تكون شاهدة على بهتان زيفهم الموجه اليك، ودليلا آخرا على براءة ما انت فيه من حال، يعكس للجميع شرودك في هموم الحياة و ثنايا دهاليزها المرة تارة، وهموم غيرك من المقهورين تارات وتارات أخر.

قتلوك ياصديقي حينما سمعوا طفلك "يحيى" ذو الخمسة الاعوام، وهو يصرخ مرعوبا من بحيرة دمك المسفوكة بغيا وعدوانا، وحينما فجعت (غدير) ذات الثالثة من العمر، وهي تقف مرعوبة بحضن أمها أمام مشهد جسدك وقد ذبلت فيه الحركة وغرق بين دماءك الزكية وهي تغطي مجلس كنت فيه تضحكهم وتؤنس وحدتهم ولم يعد لهم اليوم بعدك من معين سوى الله وحده،وأم يتيمة مأرملة ماتزال تسكنها أهوال فقدك وكوابيس مقتلك ياصديقي..

قتلوك حينما صرخت فيهم طفلتك الصغيرة، وهي تود أن تصفع وجوههم المقنعة بحقارة فعلتهم، ولا ادري كيف كان الحال بالنسبة لزوجة ترى قتلتك يوغلون في جرمهم وانتهاكهم لحرمة "مرقدك المقدس" ويعبثون بكل شيء، بحثا عن "سراب لغز أجاج" عله يشفي غليك من وراءهم ويتخذون منه "صك غفران" على أمل مستحيل بأن يقيهم من الجزاء العادل لجرمهم ، وباعتباره الهدف الكاذب الذي قتلوك لأجله، وعلى اعتقاد منهم بأنه سيكشف لهم ألغاز عجزهم الإنساني وفشل وطنيتهم المغتصبة.

قتلوك ياصديقي حيتنا رأت أمك صورة جسدك النحيل مسجاً بقطرات دمك، وهي متجمدة على صدرك الذي طالما حميت به كم ضعيف استنصر فيك، وأعنت به كم محتاج استعان فيك. قتلوك حينما استغلوا أمنك وبراءت روحك وهي تحتفي بكل امن جوار أطفالك، وراحوا يخططون ليلا لاغتيالك سرا وخفية في عتمة ذلك الليل اللعين، كلعنة قلب أراد أن يطفئ روحك ياصديقي..وقتلوك وهم يغادرن منزلك يجرون ورائهم خيبة أملهم ويصارعون لعنات أقدراهم ومرارة إحساسهم بخديعة أسيادهم.

قتلوك حينما لم ينتظروا لحظة لتشرح لهم كم في قلبك من إنسانية هم في أمس الحاجة اليها وحينما لم يمهلوك ليعرفوا حقيقة من انت في عالمهم المخزي، او ليستشعروا كم تطاولت أيدهم على روحك التي ضنوا عبثا أنهم بقتلها سيريحون قلوب أسيادهم المفعمة بالغدر والخيانة.

قتلوك حينما لم يرحموا أطفالك وهم يصرخون من حولك، رعبا لهول مايسمعون من أصوات موت مفجعة تحيط بمرقدهم، وحينما لم يأبهوا بفجيعتهم وانهيار قواهم منذ لحظة إطفائهم لروحك ظلما وبغيا وعدوانا أمام أعينهم البريئة. وقتلونا معك ياصديقي حينما أبلغونا بفجيعة رحيلك عنا، في تلك اللحظات المشؤومة في سفر حياتنا.

قتلوك أخيرا ياصديقي.. ولكنهم لم يقتلوا نبض إنسانيتك في قلوبنا،، فالويل لهم والخلود لإنسانيتك العامرة بالخير والبقاء لسمو أهداف المهنة الشريفة التي انتصرت بها لمئات المظلومين ممن جار عليهم قاتلوك وعز عليهم اليوم أن يجدوا وسيلة لرد الجميل إليك، أو لغة وحروف ومعان علها تعينهم على قول مايخفونه من حب أخوى صادق لك ، شعور مرير بصدمة قهرهم على رحيلك، ولم يجدوا سوى الإقرار بالعجز وترديد كلمات الرحمة عليك..ولكم حيرتنا يا صديقي وأشعرتنا بالعجز حتى عن قول مايشفي صدورنا في رحيلك المفاجئ عنا، بل حبستنا في إحساس عجز قاتل يعبث ببقائنا بعدك. ويجعلنا نشعر وكأننا جميعا شركاء في جريمة قتلك ياصديق عمر لا ينسى ورفيق درب كفاح مهني لايمحى.. فلك الرحمة والمغفرة والخلود ولنا لعنات البقاء والإحساس بالعجز بعدك

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص