- أسعار الذهب اليوم السبت 23-11-2024 في اليمن
- درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت في الجنوب واليمن
- تعرف على سعر الصرف وبيع العملات مساء الجمعة بالعاصمة عدن
- د . عبدالجليل شايف: مشروع الوحدة اليمنية انتهى والجنوب ليس قضيته استعادة الدولة الجنوبية فقط
- استمرار الأعمال الإنشائية لمدرسة النقوب في نصاب بتمويل إماراتي
- الرئيس الزُبيدي يُعزَّي في وفاة المناضل حداد باسباع
- قيادة اللواء الثاني دعم واسناد تنفي اشاعات انسحاب اللواء من وادي عومران
- أبرز اللقاءات والتحركات الدبلوماسية للرئيس القائد عيدروس الزٌبيدي مع سفراء دول العالم
- وزير الدفاع يترأس اجتماعاً موسعاً بساحل حضرموت ويشيد بالإنجازات العسكرية
- وفد الوزارة يتفقد عدد من المشاريع المدارسية في مديرية خنفر بمحافظة أبين
السبت 25 نوفمبر 2020 - الساعة:14:37:35
على مدى عقود جرت تنمية ثقافة تقوم على تغييب الوعي وتقديس مسميات يُحَرَّم على الناس الاقتراب منها، وتجريم مواقف ومسالك لا علاقة لها لا بالإجرام ولا بالحقيقة ناهيك عن الإيمان والمقدس الديني إذا ما اقتربت من تلك المسميات، ليصبح كل من يفكر في التوقف عندها لمجرد التساؤل أو الاستيضاح أو محاولة التصويب، مجرماً قد يتعرض للقتل، وقد حصل هذا مراراً على مسمع ومرأى من الجميع في عديد من الحالات ليس هنا مقام تناولها.
سأتوقف على عجل عند بعض المسميات التي أصبغ عليها نظام ما بعد 1994م صفة القداسة، وسماها "الثوابت الوطنية" واعتبرَ الخروج عنها جرماً وقد تنامى تكريس هذه الثقافة حتى غدت تلك المفردات "الطوطمية" التي أصبغ عليها فقهاء السلطان صفة الثوابت محل تحريم كل من يحاول طرحها ولو للنقاش.
كان إعلاميو نظام ما بعد 7/7 يقولون أن "الجمهورية" و"الثورة" من "الثوابت الوطنية" التي لا يمكن مناقشتها أو الحديث عنها، ولست بحاجة إلى القول أن موقفي الشخصي ينطلق من إيماني بالجمهورية والثورة في اليمن، شمالا كان أو جنوبا، لكن يجب أن نتفق أن هذه المسميات هي أحداث وظواهر تتصل بنشاط بشري وموقف سياسي وهي من الأمور المتغيرة والمتحركة والقابلة للاتساع أو التضيق أو البقاء أو الاندثار، تبعا لعوامل وشروط بقائها أو زوالها.
إن معايير هذه المفردات، التي أضفى عليها الكثيرون صفة القداسة، لا تتوقف على مجرد مسمياتها بل على ما تقدمه للناس من مصالح وما تصنعه لهم من منجزات حياتية وما تلبيه لهم من احتياجات وتطلعات، وبمجرد شعور الناس أنها لم تعد عبر عن تمنياتهم ولا تحمي مصالحهم ولا تقدم لهم الحرية والكرامة وأسباب النهوض والازدهار فإنها تتحول في نظرهم إلى مجرد عبارات مفرغة من المعنى العادي ناهيك عن اكتسابها أي صفة من القداسة أو حتى السمو العادي، أما الذين يوظفون هذه المفردات فإنهم يربطونها بمصالحهم العابرة والمؤقتة وغالباً غير القانونية، ولن نحتاج للبرهان أن نظام 7/7 هو أول من تخلى عن هذه الثوابت عندما فقد أساطينه مواقعهم في الحكم واستدعوا ألد أعداء "الثورة" وأعداء "الجمهورية" ليسلموهم زمام البلد نكايةً بثورة الشعب ضدهم وبرئيس جمهوري انتقالي لم يكن محل رضاهم ولا ينتمي إلى جغرافيا وجهويات أصحاب "الثوابت".
منذ أيام تلقيت على خدمة ووتسأب رسالةً تتضمن حديثا متلفزاً لزميلٍ برلماني من أصدقائي القريبين كان يتحدث عن القضية الجنوبية وثورة الحراك السلمية، ومما قاله أنه رغم مظلومية الجنوب والجنوبييين فإن "الوحدة اليمنية كالصلاة"، وتساءل مع المذيع الذي كان يتحدث إليه: هل يمكن أن تناقشني في الصلاة؟ وهذا النهج الذي يمكن وصفه بالتضليلي والتهييج القائم على غسيل المخ، ينطلي على الكثير من البسطاء، الذين ينسون موضوع النقاش وينتقلون إلى موضوع المقدس الديني الذي يهيمن على الوعي الجمعي فيأتي الرد أوتوماتيكيا كرد الآلة الخرساء: "نعم لا يمكن النقاش في الصلاة" وهكذا يهب الناس لقتل كل من يفكر في مناقشة قضية لا علاقة لها لا بالدين ولا بالصلاة ولا حتى بالوضوء.
تذكرت هذا عندما بلغني نبأ اتحاد كرة القدم اليمني الذي فرض غرامةً مالية على نادي الوحدة العدني لأن جمهوره رفع أعلاماً جنوبية في إحدى مبارياته، وهو مسلك استعلائي وديكتاتوري بامتياز يعتقد أصحابه بأنهم بذلك يكرسون عند جمهور وحدة عدن حب "الوحدة اليمنية"، ونسوا أن هذا العلم هو جزء من التاريخ، وأن الناس عندما يفقدون الأمل بحاضرهم يرجعون إلى تاريخهم، وأن هذا العلم يحمله ملايين الجنوبيين ويرفعونه فوق منازلهم ومنشآت عملهم، ولا يمكن لأحد أن يعاقبهم على سلوكهم .
لن أخوض طويلا في هذه الجزئية فنهج العقاب والإكراه هو نهج الساسة المفلسين العاجزين عن زرع القناعات وصناعة الرضى وتوطين القيم والمثل وهو نهج يقوم على إجبار الناس على تبني قناعات هؤلاء الساسة السياسية بالإكراه، وهي ثقافة لم تصمد طوال ربع قرن، لكنني أعود للتأكيد أن مفهوم "الثوابت الوطنية" هو اختراع استبدادي يمكن وصفه بأحدى أدوات الإرهاب الفكري، لأن "الطوطمية" وثقافة "التابو" القائمة على "المحرم والمقدس" لا تبني مشتركات، ولا تصنع علاقات تكافؤية بين أفراد المجتمع بل تقوم على أساس الإملاء من قبل طرف هو الوصي والكامل والطاهر والنقي وأطراف متلقية ليس من حقها التساؤل أو الاختيار ومن أراد أن يخالف ولو على سبيل التساؤل اللفظي فإنه تصدى للمقدسات ويجب إخراجه من الملة والدين وبالتالي من الحياة.
المتشبثين بهذه "الثقافة" لا يؤمنون لا بقدسيتها ولا حتى بقيمتها المجتمعية لعامة الناس، بل ينطلقون من مصالح دنيوية حزبية ومكاسب أنانية يقوم معظمها على الغش والنهب والفساد والإفساد وارتكاب الموبقات التي تحرمها الأديان والشرائع والسنن التي يتسترون وراءها، لكنهم يدوسون على تلك المقدسات ليحولوها إلى أدوات للخداع والنصب والافتراء والتزوير والضحك على البسطاء، وقد رأينا سرعة تخليهم عن "الثورة " والجمهورية" والديمقراطية" وغيرها من "الثوابت " والتضحية بها لحماية مصالحهم وثرواتهم وسلطانهم وطغيانهم.
ولهذا السبب يربطون "الوحدة" بـ"الصلاة" و"الركن السادس" و"الاعتصام بحبل الله" وغير ذلك مما يستطيع أن يدحضه أي طالب في الثانوية أو الاعدادية.