آخر تحديث :الاربعاء 07 اغسطس 2024 - الساعة:11:56:29
عن أي دولة تتحدثون ؟
احمد محمود السلامي

الاربعاء 00 اغسطس 0000 - الساعة:00:00:00

ما هي السُّلْطة ؟! يقال إن هذا السؤال وجّه لأحد قادة دولة اليمن الديمقراطي زمان ، فأجاب ببديهته الفظّة : " السلطة مثل الكنديشن ترّبد على اللي داخل وتحمّي على اللي برى " طبعاً هذه واحدة من النكت الساخرة التي ابتدعها الناس للتعبير عن سخطهم ورفضهم الشعبي للكثير من الممارسات التي كانت تقوم بها (الطبقة) الحاكمة في تلك الفترة .. وبسبب تجريم حرية التعبير عن الرأي السياسي لجأ الناس إلى أسلوب تأليف النكات وإطلاق الشائعات ، ووجدوا ضالتهم في بعض الشخصيات المُهرّجة لتتربع على عرش البطولة في تلك النكات والإشاعات التي تنتشر بسرعة فائقة ولم يعرف لها مصدر .

لقد شخّصَ تعريف السلطة المذكور إلى حد كبير مأساة المواطنين الذين كانوا يتزاحمون من فجر الله في طوابير طويلة حاملين بطاقتهم التموينية  للحصول على المواد الغذائية أو كيلو بطاطس أو بصل أو قطعة لحم أو سمك مجمدة منذ عدة شهور ، بينما ينعم المسئولين وعائلاتهم بشراء ما لذ وطاب من الأغذية والمشروبات(...) والملابس الفاخرة والكماليات المستوردة من دول أوروبا التي كانت تباع بأرخص الأسعار في مستودعات شركة النصر للتجارة الحرة بعدن ببطاقات تموين خاصة تصرف لكل المسؤولين في الدولة وأعضاء اللجنة بحسب درجاتهم ومواقعهم بالإضافة إلى مجانية السكن والكهرباء والماء والهاتف والخدم والحشم .

ولم يقف الوضع عند هذا الحد بل يتعداه إلى أمور تمس الحقوق مثل حق المواطن في حرية السفر بدون ضمانات وحقه في الترقي إلى مناصب عليا أو الترشح في انتخابات المجالس المحلية والنيابية إن لم يكن حزبياً أو مدعوماً من السلطة كما حدث للصياد الذي فاز على مسئول كبير بالأصوات في انتخابات مجلس الشعب لكن عند إعلان النتيجة اسقط  اسمه ليفوز ذلك المسئول .. ما صبّر الناس على ذلك هي عصا الأمن الغليظة  والاستقرار البسيط للمعيشة .

كانت وتيرة الصراع على السلطة تُغلف دائما بالشعارات الإيديولوجية والمزايدات باسم الشعب المطحون ، وعندما كانت تصل في ثروتها إلى نقطة كتبَ عليها : " إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب " ينعدم العقل وتحدث الكارثة المأساوية .

لكن للأمانة لم يشكك احد في وطنية أولئك المسئولين أو في إخلاصهم لمهامهم الكبيرة .. لأنهم لم يخونوا وطنهم مقابل المال ولم يقبلوا ببيع ضمائرهم لأي دولة مقابل ارصده مصرفية في البنوك العالمية ، بل لم يفرّطوا في سيادة الوطن ومقدراته .. اختلفوا وتناحروا بسبب إغواء السلطة وملذاتها وشعور البعض المريض بأنهم أكثر وطنية من الآخرين وان القيادة والمناصب من حقهم وحدهم فقط وعلى البقية أن يذهبوا إلى الجحيم ، وكثيراً من أولئك عاش فقيراً وقتل وهو لا يملك منزلاً يأوي أسرته بعد التشرد .

 كل تلك الصراعات كانت تنخر عظام الدولة التي سقطت فيما بعد في هاوية سحيقة وتكسرت وأصبحت ارض عليها شعب يعضُ بعضه بعضًا بسبب القهر والعوز والفاقة ، غير آبه بمصلحته ولا بمستقبل أجياله القادمة ، بينما مجاميع صغيرة تتحكم في مصيره وتنعم بخيراته متجاوزة معنى السُّلْطة (الكنديشن)  إلى مفهوم جديد يعَتبر السُّلْطة عبارة عن " فواكه مشكّلة " تحتوي على أراضي وعمارات ، مرشوش عليها ملايين من العملات الأجنبية والأرصدة المالية في الخارج ، تقدم في طبق من السفريات والتسوق في أحدث وأفخم المراكز التجارية في الرياض ودبي ومصر وتركيا ولندن وبلدان لا حصر لها .

 المؤسف حقاً انهم يتحدثون باسم الشعب ويتبنون مشاريع عقيمة ضيقة الأفق تخدم مصالح دول معينة باسم الشعب ، بينما الموطن الغلبان يموت جوعاً كل يوم جراء الارتفاع الجنوني للأسعار والانهيار المستمر لسعر الريال اليمني وانعدام المحرقات النفطية من الأسواق البيضاء .

تباً لكم .. عن أي دولة تتحدثون ؟  الشعب يريدُ السيادة اولاً ، يريدُ الأمن والاستقرار ثانياً .. لذا دعونا نتعاون ونتكاتف في تحقيق ذلك .. ثم حدثونا كيفما شئتم عن مشاريعكم السياسية وعن شكل واسم وعلم الدولة التي تريدون تحقيقها بالطرق السلمية الحديثة بعيداً عن تكرار تراجيديا التخلف ومآسي الماضي الماحقة .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص