آخر تحديث :الاربعاء 20 نوفمبر 2024 - الساعة:09:13:23
وأفل الهلال عن سماء محبوبتنا "عدن"!
ياســين الرَّضــوان

الاربعاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

أربعون يوماً، هو عمر غياب ذلك الهلال عن سماء الحبيبة عدن؛ كسفت فيه وجوه أولئك الذين حالفهم الحظ بمعرفتهم المنازل التي مر بها هكذا هلال "فضل الهلالي"، رجل دمث الأخلاق متواضع في معاملته مع كل من قابلهم، طيب القلب، واسع الصدر، سعد بهم كما سعدوا به حيا وميتا، والآن الحنين وحده الذي يشد ذؤابات ذكرياتهم معه في معابر الذاكرة، ليجبرهم على تذكر أيام مضت برفقة ذلك الغائب الحاضر في قلوب محبيه ومجالسيه.. لم يحالفنا الحظ كثيرا لنقترب منه أكثر بحكم سننا حينها، وفارق الزمن بيننا رغم أن الفقيد الهلالي، لم يكن من أولئك الذين يضعون حواجز السن أو غيرها بل كان مسابقا لإذابة خرسانات الجليد بينه وبين كل من يقابله، كيف لا وهو الذي خالط الناس جميعًا، مشرقاً ومغربا وعرفهم بثقافاتهم المختلفة، واهتم باهتماماتهم ولغاتهم بل حتى لهجاتهم، فكان يدلف من بوابة القلوب دون استئذان ومن دون بريد، وعبر ما يريده الناس، رجل يتسم حديثه بالأناة، متفهم ومشجع لكل المبادرات، سيما الإنسانية منها، ربما كان يفهم أن هلاله سيأفل فعمل لذلك اليوم الذي هو فيه الآن، نبتهل إلى الله ونلح عليه بالسؤال بأن يثبته عند الجواب وأن يعينه بلطفه وفضلائه.. حقا كيف لنا ألا نعرف تاريخ الرحيل المكتوب في ناصيتك فنستعد له كما ينبغي، إن هذا يدعونا للتساؤل أحياناً: هل حقاً يرحل عنا الطيبون، قبل أن نتمكن من قول كلمة وداع ولا حتى اعتذار، إننا نظل هكذا في حالة ندم بين مفترق طرق، تائهين كالأطفال، وكما لو أنه قد تم حشرنا في زمن غير زمننا..في عالم غير عالمنا، في وجع غير وجعنا، لذلك لا نصدق أن كلما قد حدث، قد حدث فعلاً ولا رجعة للقدر فيه عن كلامه، هكذا هو موت البعض يجعلك تشكو تباريح ألم خارق للعادة، لا تستطيع معه أن تعرف مكان تغلغله بالضبط، ولا القبض على مكمنه، إنه "وجع متجول" في كل بوصة من جسدك، ومع هذا كله فعزاؤنا فيه أن أصابعنا إذا تبكيه، بخربشات بكاءاتها، وهي التي لا تستطيع الانتصاب في مثل هكذا مواضع والحديث للعلن عما يعنيه لنا الفقد والحنين الذي يتوحش في الأنفس يوماً إثر آخر، إنها حالة إغماء..سكر واعتلال، لا تعرف إلا أن تطوف بين جداول الأسطر، كمجنون يطوف بخفة كل الشوارع روحة وجيئة، هل ستعود إلينا من جديد، لنتعرف على شمائلك أكثر؟، نسأله في سماوات علاه أن يجمعنا في مستقر رحماته.. وأنت تطالع أعمال فقيدنا تجد أنه متعدد الاهتمامات، شبابي الفكر، مهتم بالرياضة، كان رقما نوعيا بين أقرانه في مجال تخصصه - رغم أن عدن وما فيها من كفاءات مرت بمراحل تهميش كثيرة- لكن الفقيد كان لا عب مارثون يقفز الحواجز بخفة، فلم يرتض أن يعيش حياة هامشية، عرف الناس فعرفه الناس، وعندما يغيب من يعرفه الناس، ستتشكل سحابات سوداء من الحزن تمطر دموعاً حارة، مصحوبة بصراخات تنبعث من دويداء القلب، ومن تحت نتوءات الذاكرة، كل هذا لأن وجود الهلال يكتسب أهمية أخرى، حيث يصل نور ضيائه إلى أماكن تجبر كل من عرفه على افتقاده، لذلك نيقن أن البلد قد خسرت قامة وطنية سامقة، وقطب من أقطاب تشجيع الإبداع حتى عبر تخصصه في جانب الفندقة والسياحة، فكان يفرد متسعات شاسعة يتحرك عبرها لعاب مساحات المحبة للوطن.. للمصير.. والمستقبل.. وحتى لا يطول النحيب والبكاء والرثاء، وقد طال، لا يسع كل محبي ذلك الهلالي إلا بأن يقولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون، أخيراً نردد: "وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر"، ولإن أفلت أيها الهلال عن سماء هذه المدينة، فلن تأفل عن سماوات قلوبنا، ألم يقولوا:"لا يموت من عاش في قلوب الناس"، أهمس في أذنك: أنت لم تمت..أنت لم تمت..حي في قلوبنا..!

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص