آخر تحديث :الثلاثاء 19 نوفمبر 2024 - الساعة:10:51:00
خطورة اللعب في المناطق الرمادية !!
محمد علي محسن

الثلاثاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

دول التحالف العربي وتحديدا السعودية والإمارات تدخلت عسكريا في اليمن بدافع الحمية العصبية والعفوية - وأيضا- الهلع من هاجس قديم جديد يتمثل في بؤرة شيعية فارسية في عتبات البيت الخليجي الخلفية .

بؤرة ..وعلى غرار ما هو موجود في العراق وسوريا وجنوب لبنان والبحرين وحتى بحيرة الخليج العربي ذاتها والتي باتت بؤرة صراع منذ عقود وتحديدا عقب سيطرة إيران على ثلاث جزر إماراتية " طنب الصغرى والكبرى وأبو موسى " وما تبعها من محاولات وصلت لحد فرض مسمى " الخليج الفارسي " على شركات اتصالات عالمية مثل " جوجل " وغيرها .

السلطة الشرعية وعودتها إلى حكم البلاد بلا شك يتطلب القضاء على مليشيات التمرد والانقلاب ، وهذا الهدف السياسي باعتباره غاية التدخل العسكري في اليمن لا يبدو أنه أُخذ على محمل الجد من دول التحالف وإلا لرأينا الصورة مغايرة تماماً لما هو حاصل ميدانيا .

فالحرب ، أي حرب! ، هي في المحصلة نتاج إخفاق الدبلوماسية السياسية ، بمعنى آخر أن ما فشلت في تحقيقه الدبلوماسية تحققه الحرب ومن خلال آلتها الحربية المدمرة والمكلفة للغاية .

المسألة لا تحتاج أكثر من النظر إلى مجريات الأﺣﺪﺍﺙ الحاصلة خلال عام ونيف من الحرب ، فلا الحسم العسكري تم أو أن الحل السياسي أنجز .

لا حظوا مثلا كيف أن محافظات جنوبية تحررت من المليشيات الانقلابية لتغرق في مسلسل الجماعات الإرهابية ؟ وكيف أن عملية تحرير تعز تعثرت أسوة بتحرير العاصمة صنعاء .

ولحسابات ضيقة وغير دقيقة باتت محافظات شمالية عالقة بين مليشيات عابثة مهيمنة وبين جيش وطني ومقاومة على تخوم صنعاء وبانتظار انطلاقة معركة التحرير مثلما سمعنا مرارا وتكرارا .

نعم ، تحالفت الدول العربية خلف السعودية وكعادة العرب عندما يخوضون معركة مع عدو خارجي أو داخلي ، فلا توجد لديهم هدف واضح المعالم كيما يكون هناك منتهى لهذه المعركة أو تلك .

أعتقد أنه وما لم تقم دول التحالف التي هي هنا السعودية والإمارات بدرجة أولى بتصحيح الأخطاء الفادحة ، حتما ستجد ذاتها في نهاية المطاف في مستنقع يماثل المستنقع الأفغاني بالنسبة للروس الذين ذهبوا مطلع الثمانينات لنجدة حليفهم الرئيس محمد نجيب الله ليجدوا أنفسهم في شرك حرب استنزفت منهم الكثير ماديا وبشريا لتجبر في النهاية على الانسحاب تاركة نجيب الله وأفغانستان عموما لجماعات وفصائل متطرفة متناحرة إلى اللحظة الراهنة .

الاحتمال الآخر هو أن التحالف سيتخلى عن اليمن تاركا إياها تواجه مصيرها أسوة بالعراق ، مع الفارق في طبيعة التدخل العسكري الأمريكي الذي على ﺍلأﻗﻞ حقق هدفه وأطاح بالرئيس صدام ونظامه ، بينما تدخل التحالف العربي في اليمن لم يحقق شيئا في المحصلة رغم الإنفاق المهول على المعركة العسكرية التي بدأت يوم ٢٦ آذار مارس ٢٠١٥م فما هو في الواقع لا يشي بأن قوات التحالف الضخمة حسمت أمرها وقضت على مليشيات مسلحة انقلبت على سلطة تمثل على ﺍلأﻗﻞ مشروعية وحظيت بدعم إقليمي وعربي ودولي ، ما لم تتوافر لتدخلات خارجية أخرى .

في المعارك المصيرية لا يحبذا المناورة أو التكتيك العبثي المهدر للوقت والجهد ، وإنما يستلزمها رؤية واضحة وقوة مدركة لطبيعة الهدف وماهية الوسيلة الناجعة والسريعة للوصول إليه ..

اللعب في الأوراق بمحاولة خلطها لربما مثل أداة ناجعة في التكتيكات السياسية أما عسكريا وعندما تلعب في المناطق الرمادية المبهمة أو توجه قوتك إلى خيارات غامضة ومتناثرة وغير منسجمة أو متسقة مع الأهداف العسكرية المحددة سلفا فذاك يعني خسارة المعركة ، بمعنى آخر هزيمة عسكرية ، والهزيمة العسكرية بكل تأكيد تعد هزيمة سياسية وفي كافة المفاهيم الفلسفية والسياسية .

وهذا ما لا نرجوه أو نتمناه وندعو الأشقاء الذين هبوا لنجدة إخوانهم في اليمن ألا يقعوا في شرك الاستنزاف طويل الأمد .

ربما عدم امتلاك دول الخليج تجربة الدول الاستعمارية التي تمكنها من إدارة الصراع العسكري أو حتى السياسي في اليمن سبب أيضا فيما يحدث ، وهذا القول فيه جانب من الصواب ، فإدارة الأزمات في أية بؤرة ملتهبة في العالم يتطلب خبرة من أي نوع وإلا لكانت النتيجة كارثية وتماثل حال الأمريكيين الذين امتلكوا الترسانة الحربية في معارك العراق وأفغانستان وأيضاً أثناء تدخلهم في حرب البلقان إبان عهد الرئيس بيل كلينتون ، لكنهم فشلوا في مواجهات الأزمات الناشئة نتيجة لجهلهم بأدوات السيطرة على تلك الأوضاع .

وعلى هذا الأساس يتوجب عليهم إذا ما أرادوا

الانتصار في المعركة أن ينحازوا أولاً للأهداف العسكرية المنشودة وألا يتوقفون أو يغرقون في معارك ثانوية لا تفضي لغير المزيد من الاستنزاف ، فواقع الحال بعيد عام ونصف لا يشي بثمة انتصار حقيقي على الأرض ، فلا محافظات الجنوب صارت محررة قولا وفعلا كي تزاول منها الحكومة الشرعية كامل نشاطها أو أن محافظات الشمال على وشك أن تتحرر من هيمنة المليشيات .

فهذا الإيغال في المعارك الثانوية ، أعتقد أنه تسبب في صناعة حالة فريدة ، هذه الحالة أحد أوجهها أنها بقت عالقة ما بين الحسم العسكري والمشاورات السياسية الماراثونية .

وبين الاثنين سلطة شرعية مازالت في الرياض ، وقوات محتشدة في محيط العاصمة صنعاء مسنودة بطائرات تحالف لا يتوقف هديرها في الفضاء ، وبالمقابل مليشيات انقلابية مسيطرة في الواقع على مؤسسات الدولة في صنعاء وتتحكم بكل مفاصل البلاد من مال وقوة واتصالات ووظيفة وموارد وحتى أسئلة امتحانات التعليم! .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص