آخر تحديث :الاحد 24 نوفمبر 2024 - الساعة:00:58:40
مشروع التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي (الفكرة النشأة والهدف المنشود)
د. يحيى غالب الشعيبي

الاحد 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

من خلال هذه الورقة والمشاركة المتواضعة نحاول تسليط الضوء على عدد من أهم المحطات التي مر بها مشروع التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي وفكرة النشأة والهدف المنشود .
شكلت حرب احتلال الجنوب في صيف 1994م واقعا مأساويا على رقعة الجنوب الجغرافية ومنذ إعلان الحرب  أصبح (الجنوب )أرضا وإنسانا وتاريخا وهوية عبارة عن قضية سياسية بامتياز وهو ما يعرف اصطلاحا سياسيا  أمام المجتمع الدولي والإقليمي (بقضية الجنوب)
 وفي نفس الوقت شكلت تلك الحرب هزيمة نفسية وانكسارا معنويا كبيرا في أوساط الجنوبيين  وتراكم القهر السياسي والاجتماعي تدريجيا عاما بعد أخر، وكانت تصرفات نظام الاحتلال اليمني تزداد يوما بعد يوم من  جرائم القتل  والسطو والنهب والاستيلاء والتدمير ومحاولة طمس الهوية والتاريخ الجنوبي واستباحة الجنوب والتسريح الوظيفي القسري  والتعامل بالانتقائية والتمييز خصوصا مع من تبقى في الخدمة العسكرية والوظيفة المدنية مع سلطة الاحتلال وغيرها من الجرائم والانتهاكات التي أسست بمجملها ملفا سياسيا لقضية الجنوب .
هذا الملف لقضية الجنوب كان ينتظر اللحظة التاريخية لمراجعة وترتيب تسلسل صفحاته ومن أين يتم البدء, وكان التفكير الايجابي مستمرا في العقل الجنوبي يواجه صلف المحتل المتعجرف والمتغطرس ومنطق القوة والعنف والابتزاز وبث الرعب والخوف والترهيب  وحملات نظام الاحتلال الاعلامية التي تم تسخيرها، صحافة وإعلام وتلفزيون وإذاعة وندوات وخطابات وغيرها,ويمكن ايجاز أسباب انبثاق فكرة التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي  كما يلي:
1-    الرفض  المطلق وعدم قبول الواقع المفروض بالقوة على شعب الجنوب ذلك الرفض الذي تعددت اشكاله منذ المقاومة في حرب صيف 1994م وغيرها من الاشكال التي تعبر بمجملها عن ضرورة الخلاص من قهر الاحتلال ,
2- بدء البحث في الوعي الجنوبي وطرح سؤال لماذا انهزم الجنوب في حرب صيف 1994م بينما كان الجنوب ينتصر في جميع الحروب ضد نظام صنعاء ؟
3- تشكلت في الوعي الجنوبي اجابات سريعة ومنطقية ان الجنوب عندما كان متماسكا كان يحقق الانتصارات وعندما اصبح مفككا ومنقسما على بعضه حصد الهزيمة النكراء .
4- استقر الوعي الجمعي ( التحرري ) الجنوبي بأن الخلاص من القهر والباطل لا يمكن أن يكون إلا بوحدة الجنوبيين ولابد من إزالة عوائق الوحدة الجنوبية وترميم الصدع المتشقق بالنفس والجسد الجنوبي عن طريق التصالح والتسامح الجنوبي .
5-  التوظيف السياسي السيئ لنظام الاحتلال واستغلاله لأحداث 13 يناير 1986م كورقة رهان على بث التفرقة بين ابناء الجنوب وممارسات النظام المحتل سياسة التشفي والتشهير وتشويه تاريخ الجنوب السياسي ,ظل نظام الاحتلال وزعيمه علي عبدالله صالح يتلذذ ويتشفى بالجنوب وأبنائه ويمارس سياسة مبتذلة وخطاب  استفزازي يرافقه عملا دنيئا  لا يمت للقيم الاخلاقية والإنسانية وقيم حقوق الانسان بأي صلة, كل تلك الافعال كانت تعمل على مضاعفة القهر والغبن السياسي في العقل الجنوبي ,,وتستثير حمية وغيرة ونكف ورجولة شرفاء الجنوب خصوصا بعد اقدام النظام  بارتكاب  جرائم لا يمكن أن يقبلها منطق ولا عقل و لا دين وأقدم على نبش مقابر شهداء الجنوب في معسكر الصولبان في واقعة استفزازية للمشاعر، والشيولات تنبش في رفات المقابر عظام وجماجم أبناء الجنوب ويصعد زعيم الاحتلال بكل صلف بخطاباته يتندر ويتشفى بألفاظ البلطجة والاستفزاز عن تلك الجريمة,, كانت تلك الواقعة الاولى في مطلع شهر ديسمبر 2005م,,التي رافقها عمل إعلامي تحريضي من مطبخ الاحتلال الإعلامي العسكري  وتسخير كل وسائل إعلام النظام لترويج وتسويق هذه الواقعة داخليا وخارجيا ,,
- اللقاء التاريخي في جمعية ردفان الخيرية :
هذه جزء من أسباب انبثاق فكرة التصالح والتسامح كضرورة موضوعية جنوبية حتى نضوج الفعل السياسي العظيم و العمل الجنوبي الجبار في جمعية ردفان الخيرية في العاصمة عدن ذلك اللقاء التاريخي الذي توافد إليه طلائع من شرفاء الجنوب، سياسيون وعسكريون ودبلوماسيون واطباء ومحامون ومهندسون وكتاب وصحفيون وقادة احزاب  ومن مختلف شرائح المجتمع الجنوبي عصر يوم الجمعة 13يناير 2006م وهذا العمل يعتبر فعلا سياسيا بامتياز يعبر عن عظمة شعب الجنوب الذي استطاع تحويل هذا اليوم المأساوي إلى مناسبة عظيمة يعتز بها ، ويوجه صفعة سياسية لنظام وزعيم الاحتلال ومنظومته السياسية والعسكرية والقبلية ,وكان ذلك اللقاء  التاريخي والبيان السياسي الصادر عنه بمثابة جواز سفر   وتأشيرة دخول أمن لأبناء الجنوب لصياغة تاريخهم الجديد والمعاصر ,
ردود فعل منظومة النظام العسكرية والاستخباراتية :
لم يتمالك نظام الاحتلال  نفسه سياسيا عبر عناصره ومؤسساته ومطبخه الاعلامي واشتاط غضبا وقام بإغلاق جمعية ردفان وترهيب وملاحقة ومحاكمة عدد من قياداتها الشرفاء واعتقال البعض منهم, وشكل قرار استفزاز أخر لابناء الجنوب وتم اعلان حملات التضامن في عموم الجنوب , وبعد اقل من شهر قام نظام الاحتلال في العاصمة عدن برد فعل هيستيري من خلال  ارتكاب جريمة  اخرى مماثلة بل اكثر بشاعة تمثلت في نبش مقبرة معسكر طارق في فبراير 2006م ,
شرفاء الجنوب يوجهون لنظام صنعاء درسا سياسيا أخر :
وهنا سجل أبناء الجنوب أول رد فعلي سياسي على الارض بالاعتصام  جوار مقبرة معسكر طارق ونصب مخيم توافد إليه عدد كبير من أبناء الجنوب وتشكيل لجنة متابعة سياسية كانت نموذجا سياسيا مبكرا في الاداء والتعامل وإدارة الاعتصامات وتم الضغط ، حتى تم نزول لجنة برلمانية لتقصي الحقائق من صنعاء إلى موقع الجريمة ورفعت تقريرها لصالح أبناء الجنوب بعد تزويدها بكل المعطيات والأدلة أمام عجرفة وغطرسة قيادة محافظة عدن حينها والتي لم تتمالك نفسها وقامت بحملة اعتقالات لعدد من أبناء الشهداء والنشطاء السياسيين وإجراء التحقيقات والمحاكمات لعدد كبير منهم  ومداهمة المخيم ونهب محتوياته ,,
في تلك الاثناء بدأ الفعل السياسي  الجنوبي تتشكل معالمه وبدأ الغليان يتحرك في عدد من مناطق الجنوب  وكانت ظروف مواتية لتأسيس جمعية المتقاعدين العسكرين في مارس 2006م التي لعبت دورا هاما ومحوريا في انطلاقة الحراك الجنوبي وظهرت كواجهة لتبني الدعوات لإقامة فعاليات التصالح والتسامح وكذا بدأت تتشكل في المحافظات ملتقيات التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي ,
مرحلة الفعل السياسي الناجح والوعي القيادي الناضج:
كانت الامكانات ليست شحيحة بل منعدمة وكانت قبضة النظام حديدية ,وتولدت في خضم تلك الظروف الصعبة والقاهرة فكرة تحويل ذكرى الأحداث المأساوية إلى فعاليات جنوبية  خصوصا بعد نجاح فكرة جمعية ردفان ,ومنها  ذكرى 27ابريل يوم إعلان الحرب على الجنوب ومناسبة 22 مايو ومناسبة 7يوليو وتم تنفيذ فعالية  التصالح والتسامح في 27ابريل2006م في زنجبار عاصمة محافظة ابين التي كانت محاطة بسياج أمني عسكري استخباراتي، لكن ابناء الجنوب من مختلف المناطق بعزيمتهم استطاعوا تنفيذ تلك الفعالية للتصالح والتسامح في منزل حسين زيد بن يحي وصدر بيان سياسي عن تلك الفعالية ,,وجاءت ذكرى 22مايو وعقد ابناء الجنوب لقاءهم الثالث للتصالح والتسامح في 21مايو 2006م في الضالع في مقر التعاونية الاستهلاكية منطقة زبيد وجاءت ذكرى 7يوليو من نفس العام وعقد ابناء الجنوب اللقاء الرابع للتصالح والتسامح في محافظة شبوه منطقة العرم , واللقاء الخامس في 22 مايو2007م لقاء حضرموت في مدينة المكلا و واللقاء السادس في 26 يوليو 2007م لقاء المهرة في مدينة حوف و واللقاء السابع في 10 يوليو 2007م لقاء يافع لبعوس، و واللقاء الثامن في 5 سبتمبر 2007 لقاء حوطة لحج,
وكانت تلك الفعاليات سياسية بامتياز صدرت عنها بيانات سياسية وألقيت فيها الكلمات والخطابات والقصائد الشعرية  كل ذلك كان تعبيرا عن  تضميد لجراح الماضي وتقوية النسيج الجنوبي و مقدمات موضوعية لكسر حاجز الخوف وظهور أول خطاب سياسي علني شعبي يستنهض في ذاكرة الجماهير قضية شعب الجنوب المحتل,,
التصالح والتسامح بوابة العبور إلى  ثورة الجنوب :
أقام أبناء الجنوب فعالية الجنوب الكبرى انطلاقة الثورة الجنوبية في 7يوليو 2007م بساحة العروض ومن ثم فعالية الذكرى ال44لثورة 14اكتوبر في منصة ردفان والتي ارتكبت فيها أول مجزرة جماعية للحراك الجنوبي في منصة الحبيلين ومن ثم فعالية 30نوفمبر ذكرى الاستقلال في ساحة الهاشمي الشيخ عثمان العاصمة عدن تلك الفعالية التي انهزم فيها سياسيا علي عبدالله صالح في عدن عندما أقام حفل في ملعب كرة القدم بالشيخ عثمان وحاول احضار طلاب المدارس  والموظفين بالقوة واستطاع ابناء الجنوب في زخم التصالح والتسامح افشال فعاليته وحلق الطيران العمودي فوق عدن  يرمي قنابل مسيلة الدموع على المتظاهرين من الجو والقتل بالرصاص من الارض ولكن سياج التصالح والتسامح العظيم كان أقوى من الترهيب ,,
مليونية الحسم في 13يناير 2008 وبيان التحرير والاستقلال في العاصمة عدن
توج ابناء الجنوب فعاليات التصالح والتسامح في فعالية كبرى حاشدة هي الاقوى والأكثر حضورا احتضنتها العاصمة عدن وكانت فعالية حسم توجه الثورة وتثبيت هدف الاستقلال والتحرير واستعادة دولة الجنوب وهو ما تضمنه البيان السياسي التاريخي  الصادر عن الفعالية ,ولكن نظام الاحتلال القمعي فقد السيطرة وتصرف كعادته بدموية وخطط وأعد لارتكاب مجزرة وحشية ضد ابناء الجنوب راح ضحيتها الشهيد صالح أبوبكر اليافعي وشخص من ابناء المحافظات الشمالية يدعى علي محمد وسقط اكثر من 11جريح من ابناء الجنوب ,
-استمر ابناء الجنوب في إحياء فعالية التصالح والتسامح من كل عام وهذا ما كان يقلق نظام المحتل ويفقده السيطرة ويرتكب في كل فعالية مجزرة دموية وأمام صمود اسطوري وثبات وشجاعة وتضحيات جسيمة يقدمها ابناء الجنوب ،ارتكب نظام الاحتلال جرائم وانتهاكات في 13يناير من كل عام  كمايلي:
شهداء وجرحى فعالية التصالح والتسامح 2009م
=الشهيد عمر عبدالعزيز سالم الحاج  الصبيحي استشهد أثناء مشاركته بمهرجان التصالح والتسامح عدن 13 يناير009 2 في العاصمة عدن الشيخ عثمان
 الجرحى :عددهم 46 جريح
=شهداء وجرحى فعالية التصالح والتسامح 2011م
=الشهيد نجيب عبد الستار 13 يناير كريتر عدن2011م
الشهيدة سعيدة عبد الستار مقطوف 13 يناير المكلا حضرموت2011م
= شهداء وجرحى فعالية التصالح والتسامح 2012م
=الشهيد محامي صامد فضل صالح 13يناير 2012م العاصمة عدن ساحة العروض خور مكسر
.-الشهيد زین مثنى حنش 13.01.2012 عدن خورمكسر
. –الشهيد شكیب سلیمان حسن 13.01.2012 عدن
 . الشهيد علي ابو حربه  13.01.2012عدن
 الشهيد. صامد فضل العلوي 13يناير 2012م عدن
=الجرحى 11جريح :
= الاستخلاص والاستنتاج :
ومن خلال الشرح لمراحل تدرج فكرة التصالح والتسامح ومنذ انطلاقتها وحتى اليوم وشعب الجنوب يحتفل  في الذكرى التاسعة في العاصمة عدن بهذه الذكرى الغالية نستخلص ما يلي:
اولا: ان مشروع التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي  هو الارضية الصلبة التي يسير عليها قطار ثورة الجنوب والضمانة الاكيدة لانتصار هدف التحرير والاستقلال واستعادة دولة الجنوب ,,
ثانيا: ان مشروع التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي فعل سياسي جنوبي بامتياز أربك نظام الاحتلال ووجه له صفعات  سياسية واسقط رهاناته المتمثلة باستمرار زرع الفتنه بين ابناء الجنوب.
ثالثا: ان مشروع التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي لا يقتصر على مرحلة سياسية جنوبية معينة  بل يعتبر فعلا ساميا ونبيلا يرافق الفعل الثوري الجنوبي ويمارسه ثوار شعب الجنوب في سلوكهم وأخلاقياتهم, ويعتبر كجهاز فلتره لتنقية الشوائب اليومية العالقة في الجسد الجنوبي
رابعا: ان مشروع التصالح والتسامح سيظل مستهدفا من قبل  نظام الاحتلال عبر ضعفاء النفوس ومروجي الشائعات  ومثيري القلاقل وبذور المناطقية المقيتة ,لذلك لابد من تحصين هذا المشروع السامي والنبيل من خلال تكريس مفاهيم الوعي لدى الجيل الشاب الجديد وغرس ثقافة المحبة والوئام وروح التسامح والتصالح والجنوبي
خامساً : نستنج ونستخلص أن التقريب من يوم النصر واستقلال الجنوب لن يكون الا بمزيد من التلاحم الكفاحي و رص الصفوف والوحدة التنظيمية والسياسية لثوار الجنوب وأن عكس ذلك لن تكون ثمرته إلا الفشل الذريع والعودة إلى مربع الهزيمة ولنا في التاريخ عبراً كثيرة .
سادسا: نستنتج أن من أسباب تأخير تقدم ثورة الجنوب سياسيا هو بسبب تضخم الأنا والذات وعدم القدرة لدى بعض القيادات على السمو والتصالح والتسامح مع الذات  أولا ومن ثم مع رفاقهم وعدم القدرة على الانتصار على الذات ,والتصالح والتسامح يجد تعبيره اليومي في مفردات الحب والتواصل وعدم القطيعة والنبل والوفاء والتواضع ووضع مصلحة الجنوب فوق المصالح الذاتية الضيقة .

•(ورقة مقدمة في ندوة ساحة مخيم الاعتصام المفتوح في العاصمة عدن بمناسبة الذكرى التاسعة للتصالح والتسامح الجنوبي

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل