آخر تحديث :الاثنين 29 ابريل 2024 - الساعة:01:39:20
يناير , جدارة الحياة
طلال محمد الأمين

الاحد 00 ابريل 0000 - الساعة:00:00:00

لقد قال لنا التاريخ :إن الشعوب الحية 'هي التي تجعل من مآسيها ونكباتها محطات للانطلاق نحو المستقبل والنهوض، لأن ما يصنع التاريخ هو التحدي والاستجابة كما قال ٲرنولدو توينبي، وإذا ٲردنا أن نستحضر ٲمثلة من التاريخ فهي كثيرة لا تحصى، فمن التاريخ الوسيط قصة الهجرة النبوية للرسول (ص) فبعد ٲن ضيق سادة قريش على الرسول وأصحابه ووصل الأمر إلى قتلهم أمر الله رسوله بالهجرة من مكة إلى المدينة وهو الأمر الذي رآه المسلمون مأساة ومصيبة فإذا هو محطة فارقة ليس في تاريخهم وحياتهم بل في تاريخ الإنسانية جمعاء .

ٲما من ناحية الأفراد فهذا الأديب والكاتب الأمريكي الجنسية الزنجي العرق (ٲليكس هالي) يحول مأساة العبودية لملايين الزنوج إلى مفخرة إنسانية له ولكل الزنوج وذلك من خلال عمل إبداعي أدبي رائع تجسد في روايته المعجزة (جذور) وهذا يثبت ما قاله كارل ماركس عندما عرف التاريخ حيث قال :إن التاريخ الإنساني في جوهره سجل لقدرة الإنسان على الإبداع .

إن ما سبق لا يعني ٲن ننسى ٲو نلغي ذاكرتنا ' فالذاكرة هي من جعلت الإنسان إنسانا وجعلته يبدع كل ما نراه من حضارة ورقي وتقدم بل لا بد ٲن نتذكر لا لنجتر الآلام وننكئ الجروح ونبقيها مفتوحة ومتعفنة ونراكم الأحقاد والمرارات في قلوبنا ونفوسنا ونعمي عقولنا ويكون لا همّ لنا إلا الانتقام والتدمير ولكن نتذكر، لأن غياب الذاكرة يجعلنا نكرر أخطاءنا مرة بعد مرة

فالذاكرة البافلوفية الغريزة (التعلم الشرطي) ذاكرة ٲلم وتدمير لا تشيد إنما الذاكرة المطلوبة هي الذاكرة الواعية المسيجة بالإدراك الحضاري لمعنى حركة التاريخ فهي زادنا للتقدم وزراعة الأمل

ها هو يناير يطل علينا للمرة التاسعة والعشرين بعد مأساته التي بقيت جرحا غائرا دفعنا ثمنه في ذلك اليوم دما غزيرا ودمارا كبيرا ونفوسا موتورة لا تفكر إلا بالانتقام ثم دفعنا ثمنه مرة ثانية عندما دخلنا تلك الوحدة فأضعنا دولة قدمنا من أجلها جسيم التضحيات ثم دفعنا ثمنه مرة ثالثة أعظم وأفدح ٲي في حرب صيف 94 حيث حارب الشماليون الجنوبيين بأيدي جنوبية ففقدنا الجنوب وطنا بكل ما فيه برا وبحرا وجوا ومؤسسات ومصانع وشركات ووظائف وثروات وموارد وتاريخ وذاكرة شعب وتراث ٲمة

استمر هذا الوضع المأساوي والغيبوبة التاريخية اثني عشرة سنة كالحة حتى 13 يناير 2006 حيث عاد الوعي التاريخي واستفاق الجنوبيون من غيبوبتهم فعرفنا ٲن سبب ما نحن فيه ليست قوة العدو ولكن شتاتنا وأيضا بقاءنا أسارى يناير وما قبله عندها تفتقت العبقرية الجنوبية الشعبية عن فكرة ٲكثر عبقرية لنتجاوز ولا ننسى (لأن النسيان يجعلنا نكرر ٲخطاءنا مرارا وتكرارا) نتجاوز يناير المأساة إلى يناير التصالح والتسامح 'وهذه الخطوة هي ٲول خطوة صحيحة قام بها  الجنوبيون بعد الثورة والاستقلال وقيام الجمهورية من واحد وعشرين إمارة ومشيخة وسلطنة

لقد وعى شعب الجنوب التاريخ وتجاوز المأساة لكن هل وعت وتجاوزت القيادة? نعم لكن بقيت قلة منها ينطبق عليها قول الشاعر :

قد ينبت المرعى على دمن الثرى

                     وتبقى حزازات النفوس كما هي

وفي الخاتمة حذار حذار من تقسيم الجنوب لأن توحيده جاء في غفلة من أعدائه فإذا قسمناه الان ضاع إلى الأبد ففهموا قصدي يا كل الجنوبيين .

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص