آخر تحديث :الاربعاء 20 نوفمبر 2024 - الساعة:12:39:15
الخلط بين الهوية والانتماء وبين صراعات التيارات السياسية
اسماء الحمزة

الاربعاء 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

"إن من الضروري ان نفكر بالوطن (اسبانيا) تاريخيا وعدم التفكير عبر تتبع الصراعات السياسية التي تتجاذب التيارات السياسية والاجتماعية"، - كارل ماركس من كتاب عن اسبانيا.

بعد سنوات طوال من تحرر الوطن العربي من الاستعمار السياسي والعسكري واقتصاديا للبعض وفي الوقت الذي يفترض أن نكون قد وصلنا بالأوطان إلى مستوى متقدم في البنى التحتية والوعي الإنساني اجتماعيا وثقافيا وعلى مستوى عال من التطور العلمي التكنولوجي والعلوم الإنسانية وبناء الجيوش الوطنية وفي طور متقدم في علاقات الشراكة العربية اقتصاديا والدفاع المشترك مثل خلق الله وهو الكفيل ببناء الدولة المدنية والمواطنة المتساوية الهدف الأسمى لثوراتنا العربية في مرحلة التحرر الوطني واليوم الآتي عبر الهم المشترك للشعوب من تونس الخضراء عبر رياح التغيير من أشلاء بو عزيزي الذي تطاير شرره إلى كل البلاد العربية إن لم يكن إلى أصقاع الدنيا يدق ناقوس الخطر لقلع الكراسي والعروش المهترئة.

وعلى الرغم من كل ذلك تعيش أمتنا العربية مشهدا مأساويا يدمي القلوب ويكسر النفوس ويحطم الآمال ويحبط للهمم  واقع تسوده التوترات والعنف والعنف المضاد والصراعات الدامية بعناوين متعددة وتحت ذرائع متلونة طائفية ومذهبية مناطقية قبلية وحتى أسرية في ظلال الممالك وإسلامية وعلمانية واستسلام ومقاومة مستهدفة لعدم تماهيها مع الخذلان في لعبة الرضوخ للمشاريع في خضم الفوضى الخلاقة وانتقاما من الصمود الأسطوري للمقاومة اللبنانية بالذات المتمثلة في حزب الله بقيادة الصادق الصدوق السيد حسن نصر الله كثر الله من أمثاله الذي يوجه له العداء بل أصبح العدو, والعدو الإسرائيلي هو الصديق في زمن التخلي عن قضية الأمة الأولى التي أصبحت ليست في آخر سلم أولويات العرب بل من المنسيات في خضم الانشغال بصراع وعداء الإخوة.. مهزلة اليوم للاهثين وراء مشاريع التمزيق للوحدة القومية والوطنية والشرخ في صفوف العقيدة الإسلامية باسم سنة وشيعة وهلم جرا على الرغم من أن الصراع في الأساس سياسي ويحدد الهوية والانتماء وليس كما يقولون صراع مذاهب والدليل تقاتل جبهة النصرة وداعش على الرغم من أن انتمائهم إلى نفس المذهب  والتفكير, صراع مصالح مغلف بالمذهب لاستمالة الشباب الطامع في حور العين التي لم يحصل عليها في الدنيا نتاج الفاقة والتجويع وعدم الاستطاعة لتوفير طلبات حور عين الدنيا.

واليمن ليست بعيدة ولا تشذ عن هذه القاعدة التي كسرت وحدة الأوطان واجبة إلى قاعدة المفاهيم الخاطئة لحل القضايا والتفكير بالوطن عبر الصراعات السياسية متجاهلة التاريخ والجغرافيا والعوامل العلمية لمفهوم الشعب وبرز الخلط بين الهوية والانتماء التاريخي لليمن من جهة وكوارث النظام السياسي من جهة أخرى وهذا المفهوم الذي انعدم فيه الفصل بين الأمرين أدى إلى أن يكون الوطن هو المحنة التي يعاني منها أبناء الجنوب على الرغم من أن الانتماء لليمن هو انتماء للهوية والأحوال الاجتماعية والتاريخية للشعب شمالا وجنوبا وإذا تأملنا في هذه الفقرة المأخوذة من مقال كتب في حقبة المستعمر البريطاني الذي سياسته (فرق تسد)، للكاتب والأديب المحامي (لاحظ أن المحامي يعني أن القانون سيد الموقف) في "فتاة الجزيرة" بعنوان (اليمانيون منا وإلينا) بقوله "هذه البلاد هي بلاد العرب قبل كل أحد - المقصود بالبلاد هو مدينة عدن- ولما أقول العرب فأنا أعني العرب العدنيين واليمانيين بصورة خاصة لأن الأغلبية الساحقة من عرب هذه البلاد يرجعون بأصولهم إلى اليمن فآباؤنا وأمهاتنا وزوجاتنا من اليمن". وعلى الرغم من أن هذه العبارة والعنوان الراقي بالنسبة لما يطرح اليوم عن إخواننا في شمال اليمن دخل الموضوع في دائرة الانتقاد في مقال "لغتي سمان" اسم مستعار لأحد الكتاب في ذلك الوقت بعنوان (بالعلس) يرد فيه على محمد علي لقمان في مطلع رده قائلا: إن منطق لقمان معكوس فقوله "اليمانيون من وإلينا" ينبغي أن يكون العدنيون من اليمانيين وإليهم"، مصيبة اليوم لو أن أحدا فكر مجرد التفكير بأن يحدد انتماءه لليمن يخرج من الجنوب حتى ولو نبت جذوره في أرضها الهوية بحسب الموقف السياسي.. يا للعجب أخرجونا من طور العقل.

ومن خلال تسويق المفاهيم الخاطئة بل الخطيئة من مغيري مواقفهم تبعاً للمصالح والحلم بالعودة إلى كراسي الحكم في الجنوب وبحسب الفيد والخسارة كما كان أصحاب المشاريع الاستعمارية الحكم الذاتي لعدن (عدن للعدنيين) ومشروع الاتحاد الفيدرالي المزيف للهوية الجنوبية وعزلها عن شمال الوطن خوفا من الروافد البشرية في نقابات العمال التي كانت العمالة في شمال اليمن تمثل الغالبية العظمى فيها ليثبوا لأنفسهم بكم أراد الأولون أمثالهم أنهم نعمة من السماء للمستعمر كما وصفتهم يوما صحيفة "الايكونومست" ويغيرون مواقع سياستهم بحسب مواقع السياسة البريطانية وكلما هبط عليهم الوحي من (10 داوننج ستريت لندن) وبالمفاهيم التي تبث ويحولون إلى فكر في قمة الخطورة على النسيج الاجتماعي والقيم والأخلاق الإنسانية ، حيث كرست في الأذهان بأن الكادحين في الشمال هم سبب محنة الناس البسطاء والكوارث في الجنوب البسطاء بتحول الصراع من صراع مع السلطة الفاسدة وتداعياتها إلى صراع مجتمعي يلصق كل الانتهاكات والعذابات في الجنوب بالشماليين وليت الموضوع يخص المتنفذين ولكنه خلط بين الضحية والجلاد.

وحقيقة الأمر التي يراد حجبها بالخلط المغرض هي أن محنة الشعب اليمني شماله وجنوبه وشرقه وغربه من صنع الحكام أنفسهم الذين ألبسهم أنصار الدفع المسبق والحالمون بالعودة إلى كراسي الحكم في الجنوب من زعماء الأمس صبغة الملائكة وألصق المحن بالانتماء لليمن.

 وفي ظل المستعمر البريطاني لم تدرك النخبة السياسية تحقيق هذا الفصل بين السياسة والتاريخ فالتقدم في عدن لا يعني خروج المدينة من انتمائها التاريخي أو انتظار التغيير في الشمال وإسقاط الإمام لإعلان هذا الانتماء ، حيث يلاحظ ذلك من خلال النقاش حول الهوية العدنية في مشروع "عدن للعدنيين" المشروع الأول والهوية الجنوبية من خلال الجنوب العربي.

قد تتقاطع الجغرافيا مع التاريخ ولكن لم يتم البحث في هذا التقاطع بصورة عميقة.. فقد جرى الاستسلام بصورة سلبية للرواية الاستعمارية التي سنكون معها في الحلقة القادمة بإذن الله ومع تعريف للمشروعين: الحكم الذاتي لعدن "عدن للعدنيين" ومشروع الاتحاد الفيدرالي العربي.

وذلك مساهمة في تعريف الشباب تاريخهم الذي يراد له التزوير والتزييف وجلب مشاريع استعمارية لتكون حلا للقضية الجنوبية مشروع الجنوب العربي.

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص