آخر تحديث :السبت 23 نوفمبر 2024 - الساعة:15:53:16
النظام السعودي و "فوبيا السقوط"
علي البخيتي

السبت 00 نوفمبر 0000 - الساعة:00:00:00

يبدو أن النظام السعودي يعيش أزمة داخلية ويحاول تصديرها للخارج عبر افتعال صراعات سياسية ومشاكل وحروب اعلامية مع تيارات كثيرة, فموقفه الأخير تجاه الإخوان المسلمين بشكل عام وقطر بشكل خاص غير منطقي وغير مبرر, وكان يمكن تسوية المخاوف السعودية -من أنشطة تنظيم الإخوان المسلمين على أراضيها وحركة الدعاة المنتمين الى هذا التيار والتمويل المفترض للقرضاوي لهم عبر عملية غسيل أموال تقوم بها شركاته في الدوحة- بشكل آخر لا يصل الى اعتبارهم تنظيم ارهابي او الى سحب السفراء من قطر.

 

لا أحد ينكر أن قطر تجاوزت الحدود في تأييدها للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين الى الدرجة التي تخوض معهم بأموالها واعلامها حروباً وصراعات عسكرية ضد أنظمة الحكم في بلادهم او ضد التيارات السياسية المناوئة لهم كما يحصل في سوريا ومصر حالياً وحصل في اليمن في العام 2011م وما يزال.

لكن في نفس الوقت لا يمكن اغفال التدخل السعودي والاماراتي الفج كذلك في سوريا ودعمهم بعض الجماعات الجهادية التي تبرأت منها وزارة الداخلية السعودية بالأمس, فلا يعقل أن تنزعج السعودية والامارات من تدخلات مفترضة لقطر على أراضيها في نفس الوقت الذي تتدخلان علناً في سوريا.

 

يظهر أن ما يحصل من صراع خليجي هو ثمن الدم السوري الذي سفكته أموال النفط الخليجية التي مولت الحرب القذرة في سوريا, ويذكرني هذا المشهد بالمعركة التي قامت بين الدول التي شاركت في الحرب ضد ايران في تسعينات القرن الماضي, حيث دفعت كل دولة ثمناً بقدر مساهمتها في تلك الحرب ومن ضمنها اليمن عندما تم طرد ملايين المغتربين اليمنيين من بعض دول الخليج بسبب القرار الغبي وقتها للرئيس السابق صالح بتأييد صدام حسين في احتلاله لدولة الكويت الشقيقة التي لم تسبب لنا أي ضرر على الاطلاق بل ساهمت في بناء الكثير من المشاريع في اليمن.


الجميع يعلم أن السعودية نظام ملكي يحرم ويجرم الحزبية, وهذا يكفي لمعاقبة أي تنظيمات دينية سياسية قد تحاول الانتشار داخل السعودية, ولم يكن هناك من داعي لرفع المنسوب الى مقارنة الاخوان بتنظيم القاعدة أو بداعش سوريا أو بغيرهم, لأن ذلك يخلط الأوراق ويجعل المجتمع السعودي اقل تجاوباً مع الحملة ضد عناصر القاعدة بعد أن تم مساواتهم بالإخوان المسلمين, كما أنه يجعل الكثير من السعوديين المنتمين لتيار الإخوان أكثر قرباً من تنظيم القاعدة لشعورهم أنهم في جبهة واحدة ضد نظام يسعى لاستئصالهم جميعاً, وهذا قد يوفر عناصر بشرية اضافية يسهل تجنيدها.


دائماً ما تلجأ الأنظمة العربية عموماً الى معالجة مشاكلها السياسية عبر اجراءات أمنية, وتُغفل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية في المشكلة, اضافة الى عجز الأنظمة نفسها عن تقبل النقد لأدائها حتى من داخل الدائرة المؤيدة للنظام, ولو فتح المجال لذلك لانخرط اغلب المهتمين بالسياسة في أجنحة متصارعة داخل النظام بدلاً من أجنحة متصارعة مع النظام نفسه, ويجب ان يوفر النظام آليات صراع ومنافسة ونقد بناء داخله لتؤتي ثمارها الطيبة في احداث تغيير الى الأفضل في مختلف المجالات دون المساس بنظام الحكم نفسه.

 

القرارات السعودية الأخيرة ستؤدي الى نتائج خطيرة على النظام السعودي على المدى المتوسط والبعيد, لأنها ستكرس حالة الانقسام داخل المجتمع, وستعطي مجالاً خصباً للجماعات المتطرفة, اضافة الى أن تلك القرارات ستشكل انقساماً على مستوى الوطن العربي بحكم الثقل السعودي الذي سيجعل الكثير من البلدان تنتهج نفس السياسة حيث من المرجح أن يكون معيار تعامل النظام السعودي من الآن فصاعداً مع بقية الأنظمة العربية هو موقف تلك الأنظمة من حركة لإخوان المسلمين.


تلك القرارات تساهم في المزيد من الانقسام داخل الوطن العربي وستضعف أكثر حالة المقاومة الضعيفة أصلاً للأطماع الأجنبية, اضافة الى أنها ستمكن اسرائيل من احكام الطوق وخنق المقاومة الفلسطينية مستفيدةً من مناخ الحصار الذي بدأته مصر على حركة حماس بحجة انتمائها للإخوان.

 

القرارات الأخيرة ليست في صالح أحد الا اسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة, لأنها تبعدنا عن معاركنا الحقيقية وتدخلنا في أتون معارك داخلية لا يمكن لأي طرف أن ينتصر فيها.

 

وبالنسبة لإدراج السعودية للحوثيين في القائمة فاعتقد أنه من باب ذر الرماد على العيون لكي لا يَظهر النظام السعودي وكأنه يحارب فقط مجموعات محسوبة على المدرسة "السنية", فلا يوجد فروع لحركة الحوثيين في السعودية, ولا يوجد دعاة يتبعونهم أو يروجون لأفكارهم هناك, كما لا يوجد لهم فروع في أي دولة خليجية, اضافة الى أن النظام السعودي خاض ضدهم حرباً مباشرة في عام 2009 م استخدم فيها كل إمكاناته وبالتالي لن يصيبهم من هذا القرار أكثر من ما أصابهم في الحرب المباشرة.

 

كما تُعتبر اضافة الحوثيين الى تلك القائمة صك براءة لهم من التهم التي روج لها مؤخراً المطبخ الإعلامي التابع للإخوان في اليمن "حزب الإصلاح" لتبرير سقوط المناطق القبلية المحسوبة عليهم في يد الحوثيين خلال الشهر الماضي.

في الأخير فإننا نتمنى أن يعالج النظام السعودي مشاكله الداخلية عبر اصلاحات داخل مؤسسة الحكم نفسها, من خلال ضخ دماء جديدة الى المناصب الرئيسية واتاحة المجال للأجيال الجديدة لتولي المسؤولية في مختلف أجهزة الدولة المدنية والعسكرية ليتمكنوا من العبور بالمملكة الى بر الأمان, اضافة الى أنه من المهم أن يلعب النظام السعودي دور بناء تجاه قضايا الأمة ويدعم حركات المقاومة المنضبطة والتي توجه بندقيتها الى اسرائيل, ويبتعد قدر المستطاع عن المشروع الأمريكي في المنطقة, وكل ذلك ليخلق ذلك النظام تيارات مؤيدة له في مختلف الأقطار العربية.



فتصدير أزمته الى قَطر أو الى العالم العربي عبر محاربة تيار الإخوان المتواجد في منطقة الخليج, أو التيارات الأخرى التي لا يوجد لها أثر في الأراضي السعودية, كل ذلك لن يخرج النظام السعودي من الشيخوخة التي بات يعاني منها, ولن يمنح اكسير الحياة لمن فاتهم قطار التحول والتغيير.

 

  "نقلاً عن صحيفة الأولى"

 

شارك برأيك
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
صحيفة الأمناء PDF
تطبيقنا على الموبايل